يواجه أطفال السودان أوضاعاً مأساوية ومعقدة في التغذية والتعليم والحماية منذ تفجر الأوضاع في السودان، واندلاع حرب الـ 15 من نيسان/أبريل بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع.
كشفت الإدارة العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين عن وفاة (66) طفلاً في معسكر كلمة بجنوب دارفور خلال شهر واحد فقط
وأصبح من الصعب للغاية الحصول على الخدمات الأساسية للأطفال، وللأشخاص الذين لا يزالون يعيشون داخل السودان، ويتعرضون لوابل من الرصاص في مناطق الاشتباكات بجانب نقص الخدمات. وأدى القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى توقف معظم الأنشطة الزراعية وتدمير القاعدة الصناعية والتجارية، وتوقف العملية التعليمية لأجيال عديدة ما يشكل خطرًا على مستقبل السودان.
وكشفت الإدارة العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين عن وفاة (66) طفلاً في معسكر كلمة بجنوب دارفور خلال شهر واحد فقط، وذلك نتيجة لسوء التغذية وانعدام الأدوية الخاصة بالأطفال. بجانب ظهور حالات شلل الأطفال، وعدد من أمراض الطفولة جراء فقدان التطعيم لعام كامل.
الحماية المجتمعية
وقالت د. أسماء التوم من جمعية إعلاميون من أجل الطفولة، إن الأطفال يواجهون العديد من التحديات أهمها سوء التغذية الذي سببته الحرب، حيث يعاني المئات منهم من عدم الحصول على الغذاء المناسب. مضيفة أنها اطلعت على تقرير يفيد بمقتل أربعة آلاف طفل خلال الحرب، وأكدت أسماء لـ”التراسودان” أن نقص المساعدات الإنسانية التي جاءت من المنظمات الدولية ساهم بشكل مباشر في تعميق أزمة الأطفال، وحملت طرفي النزاع المسؤولية المباشرة عن الأرواح التي تتعرض للخطر، مشيرة إلى وفاة العديد من الأطفال بمحلية أمبدة في الخرطوم وولايات دارفور بسبب الجوع.
وأشارت إلى أن هناك أرقامًا مخيفة لوفيات الأطفال خلال الحرب، بالإضافة إلى خروج أكثر من (12) مليون طفل خارج النظام التعليمي، قائلة: "إن الأطفال يعانون من نقص الحماية المجتمعية في ظل استمرار الحرب واتساع رقعة جغرافيتها، ويتعرضون للقتل بالأسلحة الضالة من قبل طرفي الصراع". وتعهدت أسماء بوقوف الجمعية مع أطفال السودان وتقديم الدعم النفسي والمجتمعي والمساندة الاعلامية لهم، وذلك حتى تنجلي الأزمة ويعود الأطفال إلى بر الأمان. ومن جانبها، قالت خبيرة علم الاجتماع الدكتورة ثريا إبراهيم، لـ"الترا سودان" إن هناك انتهاكات كبيرة وقعت على الأطفال أثناء الحرب، بينها فقدانهم لحقهم في الحياة في ظل ظروف مختلفة، والوفاة بسبب الخوف أو سوء التغذية في مراكز إيواء اللاجئين السودانيين خارج السودان. وأكملت: "إن معاناة الأطفال امتدت من أول أيام الحرب إلى يومنا هذا"، وأشارت إلى حقهم في التعليم، معتبرة فتح بعض الولايات لأبواب المدارس لا يرتقي إلى مستوى التعليم الحقيقي.
وتؤكد خبيرة علم الاجتماع، أنّ الوضع البيئى التعليمي في المدارس بأدنى مستوياته، إضافة إلى عودة أطفال الولايات غير الآمنة والتي تشهد اشتباكات بين طرفي الحرب إلى مقاعد الدراسة، مشيرة أن ذلك يعّد ظلمًا كبيرًا في حقهم.
تسّرب ملحوظ
وحذرت منظمة إنقاذ الطفولة، في شهر آذار/مارس المنصرم، من وفاة آلاف الأطفال والنساء الحوامل خلال الأشهر المقبلة،وذلك بسبب الجوع وضعف تمويل الاستجابة الإنسانية للأزمة في السودان. وقالت المنظمة في بيانها، إن ما يقرب من (230,000) طفل وامرأة حامل وأم جديدة، قد يموتون في الأشهر المقبلة بسبب الجوع، ما لم يتم توفير تمويل عاجل لإنقاذ الحياة، والاستجابة للأزمة الهائلة والمتفاقمة في السودان.
وفي ذات المنحى كشف مصدر في وزارة التربية والتعليم الاتحادية، لـ"الترا سودان" عن تسرب كبير للتلاميذ في الولايات التي قررت فتح المدارس مؤخرًا. وقال المصدر الذي فضل حجب اسمه لأنه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام، إن قرار فتح المدارس جانبه الصواب، لكنه عاد وأكد أنّ الأطفال وأسرهم والمجتمع بأسره غير مهيأ لانطلاقة العام الدراسي في ظل الحرب، والتي لا زالت تستعر نيرانها في العديد من الولايات. ولفت إلى أن تسرب التلاميذ يعود سببه إلى الظروف الاقتصادية التي يعاني منها السودانيين، مما فرض عليهم دفع الأطفال إلى العمل في الأسواق، لمساعدتهم في توفير لقمة العيش.
مستقبل مظلم
وفي سياق متصل، صب الخبير التربوي د. الطيب محمد أحمد جام غضبه على طرفي النزاع لكونهما السبب الرئيسي في معاناة الأطفال في السودان وأسرهم، وقال إن الأرقام التي أوردتها المنظمات العالمية بعد المسح على الأرض تعتبر صادمة. وذكر الطيب لـ"الترا سودان" إن (1.6) مليون طفل وطفلة نازحين بحاجة إلى مساعدة، بمن فيهم من يعيشون في المناطق المتضررة من النزاع، ولفت إلى أنّ (61) بالمائة من الأشخاص النازحين داخلياً في المخيمات هم أطفال.
وأشار الى أن 65٪ من اللاجئين من السودان هم أطفال أيضًا، ويعاني الكثير منهم من الصدمة قبل وأثناء رحلتهم خارج السودان، الأمر الذي يعرضهم لخطر أكبر من الإيذاء والاستغلال والعنف، بينما يشكل الأطفال حوالي 60 ٪ من عدد الأشخاص النازحين. وأتم قائلاً: "وضع الأطفال سوف يزداد سوءًا في الفترة المقبلة، المستقبل مظلم ويتطلب وقف الحرب لرفع المعاناة عن الأطفال وأسرهم، وبحسب منظمة عالمية يعاني (2.3) مليون طفل وطفلة من سوء التغذية".
وأضاف أن نصف حالات وفاة الأطفال دون سنّ الخامسة تعود لسوء التغذية، بينما يعاني (694) ألف طفل وطفلة من سوء التغذية الحاد الوخيم، ويصارعون من أجل البقاء.
وتحسر الطيب على الحال الذي وصل إليه أطفال السودان لجهة أنّ هناك أكثر من (10) ولايات، من ضمن (18) ولاية تعاني من انتشار سوء التغذية بنسبة تزيد عن 15٪.
واعتبر في الوقت نفسه، أن هذه النسبة الأعلى حسب معايير منظمة الصحة العالمية، حيث يعاني واحد من كل ستة أطفال في السودان من سوء التغذية الحاد.
حوالي (820) ألف طفل وطفلة دون سن الخامسة يحتاجون إلى الحصول على الرعاية الصحية، بما في ذلك التطعيم والخدمات المنقذة للحياة الأساسية
وقال إن الأزمات تلاحق الأطفال على الجانب الصحي، فيما أحكم تردي المؤسسات الصحية معاناتهم بشكل كبير، وذكر أنّ هناك حوالي (820) ألف طفل وطفلة دون سن الخامسة يحتاجون إلى الحصول على الرعاية الصحية، بما في ذلك التطعيم والخدمات المنقذة للحياة الأساسية. ويحيط الخطر الكبير بأطفال السودان، وفقًا لما أكدته منظمة أطباء بلا حدود في بيان نشرته عبر موقعها الرسمي الاثنين الماضي.
وبحسب المنظمة، فإن أزمة سوء التغذية بمعسكر زمزم، تتطلب استجابة إنسانية عاجلة، حيث يموت طفل كل ساعتين. وأشارت إلى أن الانتهاكات بحق الأطفال تضاعفت خمس مرات بعد مرور عام على الحرب. وتتشابه معاناة أطفال ولايات دارفور إلى حد كبير مع بقية الولايات التي تشهد معارك بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع .
ودعت اليونيسيف إلى مضاعفة التزام المجتمع الدولي، وجميع أطراف النزاع لمعالجة محنة الملايين من الأطفال والأسر الذين يعيشون في كابوس مستمر يومًا بعد يوم.
وتقول اليونيسيف إن الأطفال لا يزالون يدفعون الثمن الأعلى لأزمة ليست من صنيعهم، وأوضحت أن السودان يعتبر الآن أكبر أزمة نزوح للأطفال في العالم، إذ فر ثلاثة مليون طفل من العنف المنتشر بحثًا عن الأمان والغذاء والمأوى والرعاية الصحية، معظمهم داخل السودان.
ولجأ مئات الآلاف في المخيمات المؤقتة المترامية الأطراف في البلدان المجاورة، وتابعت المنظمة: "لا يزال الأطفال يتحملون وطأة العنف، هناك ما يقرب من (14) مليون طفل في السودان في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية المنقذة للحياة". وأشارت إلى أن الكثير منهم يعيشون في حالة من الخوف الدائم، والمتمثل في الخوف من القتل أو الإصابة أو التجنيد أو الاستخدام من قبل جهات مسلحة.