في محطة الحافلات بمدينة ود مدني التي تبعد نحو (200) كيلومتر عن العاصمة الخرطوم التي تشهد النزاع المسلح بين الجيش والدعم السريع، لم تعر الفتاة القادمة للتو من هناك اهتمامًا لسائق الأجرة الذي طلب (20) ألف جنيه نظير نقلها إلى قلب المدينة الذي يكتظ بالنازحين.
وصلت سمر التي تبلغ من العمر (28) عامًا إلى هذه المدينة بعد مكوث دام أربعة أشهر في الخرطوم، انتقلت خلالها إلى أكثر من ثلاثة أحياء للنجاة من المعارك العسكرية، وأخيرًا قررت مغادرة العاصمة نهائيًا.
تواجه القادمين إلى مدينة ودمدني أزمات جادة في تأمين السكن
وتواجه القادمين إلى مدينة ودمدني أزمات جادة في تأمين السكن، حيث يحتاجون لمبلغ يصل إلى (700) ألف جنيه لإيجار مسكن صغير عبارة عن غرفة صغيرة ومطبخ وردهة لتخزين الحقائب والمتعلقات.
انتشرت مكاتب العقارات والسماسرة الذين نشروا أرقام الهواتف على الطرقات يعرضون الخدمات العقارية، ويمكنهم بسرعة البرق أن يعثروا لك على شقة صغيرة لكن بأرقام فلكية قد تصل في بعض الأحيان إلى (1.2) مليون جنيه سوداني.
قررت سمر الذهاب إلى منزل صديقتها ريثما تعثر على شقة سكنية رفقة العائلة، وبينما يمكن أن تبدد وقتًا في البحث عن مأوى، فهي ستكون مضطرة لإنفاق آلاف الجنيهات للتنقل والمعيشة والمصروفات اليومية لعائلة تعتمد على دخل مالي شحيح من ابنهم المتواجد خارج البلاد.
في السودان هناك بعد الحرب مقولة رائجة بأن المهاجرين أو "المغتربين" هم الذين تحملوا مشقة توفير الموارد المالية لمئات الآلاف من الأسر في ظل توقف القطاعين الخاص والعام وإغلاق الأسواق.
بوسيلة نقل بدائية "رقشة" توغلت سمر رفقة العائلة إلى مركز مدينة ودمدني في رحلة قد تبدو شاقة لفتاة لم تلجأ إلى سوق العمل إلا قبل بضعة أشهر.
تقول سمر لـ"الترا سودان" وهي تضع حقيبة صغيرة على ظهرها وتمسك قارورة مياه معبئة، إن الشخص إذا قرر الخروج من منزله مرغمًا عليه أن يكون متحوطًا لكل شيء لأننا لا نعلم كيف تسير الأمور هنا، فالوضع الاقتصادي يتحكم تمامًا في مستوى الخدمات التي تبحث عنها مثل السكن والنقل والمعيشة لعائلة نزحت بموارد محدودة للغاية.
مئات الآلاف من النازحين اتخذوا من مدينة ودمدني منطقة بديلة للعاصمة التي تركوها قسرًا تحت وابل من النيران لم تتوقف منذ حوالي خمسة أشهر.
والتقديرات تشير إلى وصول أكثر من مليون شخص من الخرطوم إلى ولاية الجزيرة وعاصمتها ودمدني، وهي مدينة لا تملك خيارات كثيرة في البنية التحتية سواء كانت العقارات أو الطاقة أو مياه الشرب أو النقل.
يقول إبراهيم نور الدين العامل في مجال الإغاثة، إن قدرة النازحين على الصمود في وجه الوضع الاقتصادي المتفاقم لن تدوم طويلًا، لأن شهور من النزوح قد تدمر طاقتك المادية تمامًا وتصرف مدخراتك في السكن والمعيشة أو العلاج لمن لديهم مرضى يتلقون الرعاية الصحية. أما بالنسبة للأطفال فإنهم أكثر عرضة للأمراض بسبب عدم انتظام الغذاء في ظل الوضع المالي الذي لا يلبي جميع الاحتياجات.