مشاركة النساء في ثورة ديسمبر المجيدة كانت الأغلب؛ فهي الثورة التي كان ميعاد مواكبها يبدأ (بزغرودة) البنات، ومع ذلك لم ينلن حظهن الكافي في التمثيل في هياكل السلطة في الحكومة الانتقالية، والتي تم تغييرها لأكثر من مرة. وفي كل مرة كانت تتعمد الحكومة عدم إشراكهن بالنسبة التي ترضيهن، ولكنهن واصلن نضالهن وما زلن عليه وعلى مستوى كل الأصعدة: في المجالات القانونية والحقوقية والاقتصادية والثقافية.
تكمن قيمة منحة "ملكة الدار للخبز والورد" في أنها تعمل على البناء الثقافي بشكل أكثر جدية وعملية
وظهر تماسك نضالات نساء الحضر والأرياف بشكل ملموس، وكذلك بروزهن الذي لا تخطئه العين في الإعلام والوسائط الاجتماعية، ما كشف أنهن قادرات على رفعة وطنهن وقادرات على انتزاع حقوقهن مهما تأخر أوانها.
مكاسب جديدة في عيد الثورة
وأعلنت الدكتورة إشراقة مصطفى حامد، منسقة "مؤسسة وشبكة بنات مندي"، عن منحة "ملكة الدار للخبز والورد"، والتي جاءت في ثلاثة محاور متصلة، وذلك بالتزامن مع ذكرى السادس من نيسان/أبريل، ما يؤكد أن نضال المرأة ما يزال ساعيًا في طريقه لتحقيق الغايات الأسمى، وأن النصر حليفها.
اقرأ/ي أيضًا: "شارلس بونيه" متحدثًا عن أصل الحضارات الإفريقية بالمركز الثقافي السوداني بقطر
وقيمة هذه المنحة في أنها تعمل على البناء الثقافي بشكل أكثر جدية وعملية، ورؤية مستقبلية لصالح الوطن من خلال تهيئة النساء والرجال في المجال الثقافي عبر الورش في الكتابة الإبداعية في كل من الدمازين وكوستي وبورتسودان، إلى جانب مركز الفأل والمنحة التشريفيّة والتي فازت بها الكاتبة الروائية كلتوم فضل الله محمد.
وتقول إشراقة مصطفى في حديث لـ"لترا سودان": "جاء هذا التشريف انحيازًا لمشروع كلتوم الأدبي وتكريمًا لمسيرتها الملهمة في الحياة وتفرغها ولو جزئيًّا لإنجاز مشروعها الجديد"، كما نالت الشابة الموهوبة حسنات آدم عمر المنحة التحفيزية.
تحريك الأطراف ثقافيًّا
ما يمكن ملاحظته أن الورش التدريبية في الكتابة الإبداعية ستكون في المدن والأقاليم البعيدة عن الخرطوم، مما يكشف تجذر الوعي عند القائمين بتوزيع المنحة، ووعيهم الثوري الذي يبني عوالم جديدة في الحصول على المساواة.
وتحقيقًا لهذا الهدف ستقوم الروائية سارة حمزة الجاك ،الفائزة بجائزة الطيب صالح للإبداع الروائي من مركز عبدالكريم ميرغني عن روايتها "خيانتئذٍ"، بتقديم الورش التدريبية في الكتابة الإبداعية في كل من الدمازين عبر "المبادرة النسوية للتوعية"، وكوستي عبر "ساقية سليمي للآداب والفنون"، و بورتسودان عبر "منظمة بورتف للشباب".
اتحاد التشبيك مع القيمة الرمزية
وتحمل هذه المنحة اسم "ملكة الدار محمد عبدالله" أول كاتبة سودانية وناشطة نسوية كتبت عن أوضاع الحياة اليومية للنساء، فارتباط المنحة باسمها يزيد من قيمتها المعنوية وكذلك الرمزية وخاصة بعد إعلانها في يوم تاريخي كالسادس من نيسان/أبريل.
اقرأ/ي أيضًا: "اصنع فرقًا بكتاب".. 10 آلاف كتاب تعيد الحياة لمدن دارفور
ومؤسسة وشبكة بنات مندي تهتم بالتشبيك ويظهر ذلك من خلال تتبع النشاط والورش التي تنظمها المؤسسة من خلال المشتركات والمشاركات من دول متعددة وثقافات متنوعة عربية وكردية وإنجليزية وألمانية. بجانب أن هذه المنح ممولة من منظمة (أفريكا بريسبكتيف) بألمانيا، بمجهود منسقة المنحة، في صورة أوضح للتشبيك بين المحلي والقاري والأممي.
د. إشراقة: مندي صوت المنسيات والمنسيين
وقد استطاعت مؤسسة وشبكة بنات مندي أن تحقق الكثير من النجاحات في فترة قصيرة من عمر تأسيسها، وأبرز هذه النجاحات تمثلت في التوثيق لعشرين كاتبة ومبدعة من السودان، حيث تم ضم هذا التوثيق بين ضفتي كتاب. وورشة عمل ضمت كاتبات كرديات تحت عنوان "لا أحد سوانا يكتب سيرتنا"، حيث انتهت الورشة بكتاب "نون النسوة: سيرة نساء من هناك"، شارك فيها (12) امرأة. إلى جانب ورشة عمل عن الرقمنة لتعزيز دور النساء في التقنية، شارك فيها أكثر من (20) امرأة. بالإضافة لورشة ثانية عن كتابة السيرة الذاتية، شارك فيها نساء إريتريات بعدد (16) مرأة إريترية من بريطانيا وأستراليا وأيضًا أربع سودانيات بالتنسيق مع شبكة المرأة الإريترية، وستصدر أعمال هذه الورشة في كتاب أيضًا.
بالإضافة لكل ذلك، أقامت المؤسسة مؤتمر مندي الأول تحت شعار "مندي تشرق من فيينا برؤى عالمية"، شارك فيه أكثر من (45) ناشطة، وتم فيه تدشين "نون النسوة وسليلات العرافة"، بالتعاون بين دكتورة إشراقة مصطفى والشاعرة الليبية حواء القمودي. وهذا نموذج للتشبيك العالمي مع المحلي والوطني والقاري.
وعبرت إشراقة في حديثها لـ"الترا سودان"، عن سعادتهم في مؤسسة مندي بهذا التشبيك قائلة: "يسعد مؤسسة مندي تحقيق أحد أهم أهدافها المتمثلة في التشبيك مع منظمات طوعية داخل السودان تتشارك مع مندي بعض أهدافها"، وتضيف: "مندي تفرد جناحيها من جبل مرة مرورًا بنيلها الأبيض، وتخفق أحلامها في النيل الأزرق مغردة بصوت البنات والأولاد على ضفاف البحر الأحمر. مندي صوت المنسيات والمنسيين. من هناك نعيد للبلاد توازنها ثمرة السادس من أبريل".
اقرأ/ي أيضًا: معرض الثورة الأول.. رسالة أمل باللون والموسيقى
وفي ظل الاختلال الحاصل في تقاسم الفرص بين النساء والرجال وخاصة في بلد كالسودان؛ فإن مؤسسة وشبكة بنات مندي النسائية، سطرت تأريخًا حديثًا في تقاسم المنح مع الرجال، وذلك بإعلانها إن فرص المشاركة في الورش الإبداعية متاحة للجنسين، وهذا ما يمكن اعتباره أن النساء مهتمات بالمساواة أكثر من كثير من الرجال، وفي هذا التعبير نجد تفسيرًا لذلك.
المنحة والنشاط المصاحب لها تمثل دربًا جديدًا في تثوير الواقع لصالح المساواة ونضالات المرأة
كما أن استدعاء التاريخ الناصع للنساء والسير بسيرتهن في النضال الحالي؛ هو درب جديد في تثوير الواقع لصالح المساواة ونضالات المرأة، فإن تحمل المؤسسة اسم المناضلة السودانية "مندي بت عجبنا"، والتي قاتلت المستعمر الانجليزي وهي تحمل رضيعها على ظهرها، وكذلك أول منحة تحصل عليها باسم ملكة الدار، فإننا هنا أمام تأريخ جديد تصنعه نضالات الحفيدات على خطى السابقات.
اقرأ/ي أيضًا