يشعر سكان مدينة "المعيلق" وهي بلدة صغيرة في ولاية الجزيرة بالصدمة جراء هجوم نفذته قوة من الدعم السريع الشهر الماضي، وأجبرت الرجال والشبان على ردم خنادق أقاموها لحماية أنفسهم من هجمات هذه القوات وعصابات النهب التي اقتحمت نحو عشرين قرية وبلدة منذ سيطرتها على أجزاء من الجزيرة بما في ذلك العاصمة ودمدني في 19 كانون الأول/ديسمبر 2023.
الانتهاكات أجبرت الآلاف من المواطنين في الجزيرة على النزوح سيرًا على الأقدام إلى المناقل
وتحصي منظمات حقوقية من بينها هيئة محامي الطوارئ العشرات من المدنيين الذين كانوا ضحايا لهذه الهجمات العسكرية على المناطق المدنية في ولاية الجزيرة بغرض نهب السيارات والممتلكات العامة.
وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي أرسلت "الدعم السريع" لجنة لكبح الانفلات وسط قواتها والخفض من الانتهاكات، لكن اللجنة واجهت صعوبات نتيجة خروج بعض هذه القوات عن السيطرة، وفقًا لمصدر تحدث لـ"الترا سودان".
علاوة على ذلك أقر قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) بوجود مقاتلين ضمن صفوف قواته في الجزيرة بدوافع اجتماعية فيما يسمى شعبيًا بـ"الفزع" لمساندة قوات الدعم السريع عقب سيطرتها على أجزاء من ولاية الجزيرة دون تنسيق معه. وجاء إقرار حميدتي بوجود الانتهاكات من جانب "مسلحي الفزع" في اجتماع مع القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) في أديس أبابا الشهر الماضي.
ومنذ حظر الاتصالات في السادس من شباط/فبراير الجاري تستمر الانتهاكات التي ترتكبها قوات الدعم السريع بحق المدنيين في ولاية الجزيرة حسب ما تحدث التحالف المدني في بيان اليوم الثلاثاء، كاشفًا عن وجود انتهاكات جديدة ضد المدنيين بواسطة قوات الدعم السريع في قرية العقدة المغاربة بولاية الجزيرة، وهي تقع قريبًا من مدينة الحصاحيصا. وهناك أنباء عن مقتل خمسة مواطنين من القرية إلى جانب إصابة سبعة.
وأدان التحالف المدني لإنهاء الحرب في السودان ما وصفه بـ"السلوك البشع" في التعدي على المدنيين ونهب ممتلكاتهم، داعيًا قيادة قوات الدعم السريع للاضطلاع بمسؤلياتها القانونية والإنسانية والأخلاقية تجاه حماية المدنيين وعدم التعدى على المواطنين، وإدانة هذه الممارسات الشنيعة وإنزال العقاب اللازم بحق مرتكبيها والتأكيد على ضمان عدم تكرارها.
وشدد التحالف المدني لإنهاء الحرب في السودان على أهمية العمل على سحب هذه القوات من القرى ونشر "ارتكازات" ما لزم الأمر في أماكن سيطرتها خارج المناطق المأهولة بالسكان.
ويرى الناشط في مجال حقوق الإنسان محمد عثمان أن انتهاكات الدعم السريع في قرى ومدن ولاية الجزيرة بما في ذلك العاصمة ودمدني لم تظهر منها سوى نسبة ضئيلة في بحر واسع من الانتهاكات التي وقعت على المدنيين.
ويعتقد عثمان أن قيادة الدعم السريع فقدت السيطرة على معظم القوات في ولاية الجزيرة، وحتى عملية السيطرة على ودمدني عاصمة الجزيرة هناك روايات عن فرض قيادات ميدانية ومقاتلين تنفيذ الهجوم على القيادات العليا لهذه القوات، أي وضعهم أمام الأمر الواقع.
ويقول عثمان لـ"الترا سودان" إن حجب الاتصالات في ولاية الجزيرة سواء كان قسريًا أو فنيًا يساعد على التعتيم بشأن الانتهاكات التي تقع على المدنيين، وهناك استسلام لمنظمات المجتمع المدني والقوى المدنية إزاء عدم تسليط الضوء على هذه الانتهاكات المروعة التي تصل حدود إطلاق الرصاص على المواطنين من مسافة قريبة جدًا أمام الأطفال والنساء.
ونفذ الطيران الحربي التابع للجيش مجموعة من الهجمات طيلة الشهرين الماضيين على مناطق متعددة تنتشر فيها قوات الدعم السريع، لكن المعارك العسكرية التي تنحصر في القصف بعيد المدى بين الجيش والدعم السريع لم تساعد على إنهاء سيطرة هذه القوات على أجزاء من ولاية الجزيرة.
وتقول الناشطة الحقوقية نون كشوش إن "مليشيات الدعم السريع" ترتكب جرائم خطيرة بحق المدنيين في أجزاء من ولاية الجزيرة، خاصة المناطق الواقعة جنوب الولاية، وتشمل هذه الجرائم النهب والسرقة والقتل والتهجير.
ونقلت كشكوش في حديث لـ"الترا سودان" إحصائيات أولية جراء الانتهاكات التي قامت بها "مليشيا الدعم السريع" على حد وصفها، وقالت إنها ترتقي إلى جرائم حرب وفقًا للقانون الدولي. وذكرت نون كشكوش أن "ميليشيا الدعم السريع" استباحت قرى "تباخة" و"الدوحة" و"القصيرات" و"شبونات" و"البسابير" طوال أسبوع كامل.
وقالت نون كشكوش إن الجرائم التي ارتكتبها "مليشيا الدعم السريع" في قرى جنوب الجزيرة شملت نهب الذهب والحلي وضرب المواطنين، وقتل أي شخص يرفض النهب والسرقة. نتيجة لذلك قتلت هذه القوات نحو (12) مواطنًا في قرى الجزيرة خلال الأسبوع الماضي.
وقالت نون كشكوش إن جرائم "ميليشيا الدعم السريع" أجبرت عشرات الآلاف من قرى ولاية الجزيرة على التوجه إلى منطقة المناقل وقراها. وأضافت: "اضطر السكان إلى النزوح والسير على الأقدام لمسافة لا تقل عن (50) كيلومترًا نحو المناقل من القرى التي استباحتها مليشيا الدعم السريع".
وقالت نون كشكوش إن "مليشيا الدعم السريع" تستغل حجب الاتصالات وعدم وجود معلومات من على الأرض ولذلك يتوسع نطاق الانتهاكات يوميًا في الجزيرة.