02-يوليو-2024
كبري الدندر

كبري الدندر هو المعبر الوحيد للنازحين من خمس مدن على الأقل في الوقت الحالي

شهدت الدندر حالة نزوح وصف بالـ"مأساوي" جراء هجوم قوات الدعم السريع على المدينة. وقال نازحون لـ"الترا سودان" إن موجة النزوح من الدندر ربما تكون الأكبر على الإطلاق في الحرب السودانية، حيث نزحت أعداد مهولة من المواطنين النازحين من خمس مدن على الأقل، عبر جسر صغير للسكة حديد فوق نهر الدندر، نحو مدينة القضارف التي حط الرحال بالعديد منهم بها.

ابتدأ النزوح من الدندر عقب سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة سنجة في ولاية سنار المتاخمة، يوم السبت المنصرم

ابتدأ النزوح من الدندر عقب سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة سنجة في ولاية سنار المتاخمة، يوم السبت المنصرم. تقول مصفوفة تتبع النزوح التابعة لمنظمة الهجرة الدولية إن (50) ألف شخص فروا من سنجة وأبو حجار إلى محلية الدندر على خلفية هجمات الدعم السريع. معظم هؤلاء الفارين من سنجة ومناطق ولاية سنار واصلوا النزوح من الدندر مع سكان المدينة التي خلت من المواطنين عقب وصول قوات الدعم السريع وسيطرتها على المناطق غرب الجسر.

الطريق إلى ود ديان

المحامي وفيق بابكر، الذي غادر وأسرته مدينة الدندر عقب هجوم قوات الدعم السريع، قال لـ"الترا سودان" إنهم علقوا في كبري الدندر لمدة ثلاثة أيام نسبة لتكدس آلاف السيارات التي تخص المواطنين الذين يحاولون مغادرة المدينة عبر الجسر الذي لا يسمح بمرور أكثر من سيارة واحدة، وسط حركة الراجلين من المواطنين الفارين على أقدامهم من هجمات قوات الدعم السريع.

يضيف وفيق لـ"الترا سودان": "الازدحام والقلق دفعنا إلى اتخاذ قرار قطع الجسر سيرًا على الأقدام حتى كبري ود ديان الذي يقع على بعد (10) كيلومترات. في الطريق شاهدنا الأطفال الصغار وكبار السن من النساء والرجال يحاولون الفرار على أقدامهم، "الجميع بحاجة إلى المساعدة"، يضيف هذا المهني الذي وصف المشهد لـ"الترا سودان" بأنه الأصعب في تاريخ النزوح السوداني.

الطريق بين كبري الدندر ومنطقة ود ديان
الطريق بين كبري الدندر ومنطقة ود ديان (غوغل مابس)

دخول قوات الدعم السريع إلى الدندر أثار حالة من الرعب وسط المواطنين. اعتبر المحامي وفيق موجة النزوح من الدندر "أعنف موجة نزوح مرت على السودان"، حيث جاءت الناس من سنجة وقراها وسنار وقراها، بالإضافة إلى الدندر وقراها والمناطق المتاخمة، فضلًا عن النازحين القدامى في هذه المناطق الذين اضطروا إلى النزوح مجددًا.

بحسب هذا المحامي الشاب، تجمع النازحون في اتجاه واحد، مما زاد من الضغط على الكبري الصغير والقديم، المخصص لعبور سيارة واحدة في كل مرة. يقول: "هذه المدن جميعها كانت موئلًا لأعداد ضخمة من النازحين من العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة، والذين اضطروا للنزوح مجددًا، وربما للمرة الثالثة والرابعة".

النازحون في القضارف

من ود ديان تمكن النازحون من استقلال سيارات أجرة ومركبات سفرية للوصول إلى القضارف. مدينة القضارف تشهد موجة جديدة من النازحين الذين ينتهي بهم المطاف في السوق الشعبي للمدينة وتحت ظلال الأشجار و"الرواكيب" في المنطقة الصناعية القديمة، بالقرب من السوق الرئيسي.

شاهد عيان بالقضارف: أعداد لا يمكن حصرها من الشيوخ والصغار النازحين الذين هم بحاجة لكل شيء حرفيًا يفترشون الطرقات تحت هجير الشمس

بمجرد وصول النازحين الجدد إلى ولاية القضارف، أطلق ناشطون وسم "حوجة القضارف" لتقديم المساعدة والخدمات البسيطة لهؤلاء الفارين من جحيم الحرب، حيث لا تتوفر أبسط معينات الحياة. مراكز الإيواء في المدارس المتبقية والمرافق العامة المتكدسة بالنازحين القدامى لا تكفي لاستقبال النازحين الجدد. كانت السلطات في القضارف قد أخلت بالقوة بعض المدارس من النازحين لاستئناف الدراسة الأسابيع الماضية، وسط رفض من النازحين الذين تقطعت بهم السبل.

محمد موسى، الشاب الذي يعمل في سوق القضارف، يصف المشهد في السوق الشعبي بالقضارف، لـ"الترا سودان" بأنه "كارثي"، ويضيف: "أعداد لا يمكن حصرها من الشيوخ والصغار النازحين الذين هم بحاجة لكل شيء حرفيًا يفترشون الطرقات تحت هجير الشمس، دون أمل في أي مساعدة يمكنها أن تنتشلهم من الوضع المأساوي الذي وجدوا أنفسهم فيه بالمدينة المزدحمة بالنازحين". مؤكدًا: "يندر أن يتوفر في القضارف حاليًا بيت للإيجار بحُرّ مالك، ناهيك عن مأوى حكومي يوفر دورات المياه والغذاء والخدمات الصحية".

كل ذلك يحدث في ظل ما وصفه ناشطون لـ"الترا سودان" بـ"تفكيك الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش لغرف الطوارئ"، تلك الأجسام التي أقامها متطوعون في القضارف وغيرها من المدن لتقديم العون وتيسير الخدمات للنازحين. كانت حجة السلطات المحلية هي إيقاف التخابر لصالح قوات الدعم السريع، حيث قامت السلطات في الفترة الماضية بحملات نشطة في القضارف من الاعتقالات والتدقيق في هويات النازحين. محاكم في القضارف أيضًا حكمت على أشخاص بالإعدام بتهمة التخابر لصالح الدعم السريع.

ناشط محلي: يتنادى متطوعون لتقديم المساعدة بالإمكانيات البسيطة المتوفرة

الناشط الشاب مصعب أكد لـ"الترا سودان" تدفق مزيد الأعداد من النازحين في رأس كل ساعة.وفق مصعب -الذي أخفى اسم عائلته خوفًا من ملاحقة الاستخبارات العسكرية- امتلأت مناطق السوق الشعبي والمنطقة الصناعية القديمة بالنازحين. يقول: "النازحون الآن يتبادلون الاستظلال بالأشجار والممرات المسقوفة والرواكيب في السوق الشعبي والمنطقة الصناعية القديمة، ويتنادى متطوعون لتقديم المساعدة بالإمكانيات البسيطة المتوفرة".

نزوح ومجاعة

تشير إحصائيات غير دقيقة إلى مغادرة حوالي (10) ملايين منازلهم فرارًا من الاشتباكات المستمرة دون توقف منذ اندلاع الحرب في السودان في نيسان/أبريل 2023، ولكن مراقبون يؤكدون أن الرقم تجاوز (15) مليونًا من الأشخاص الذين يزيد غياب أبسط الخدمات، حتى الإرشادية منها، من معاناتهم. ويقيم عدد ليس بالقليل من هؤلاء النازحين في ظروف بالغة التعقيد بمراكز إيواء يؤمها متطوعون محليون في المدارس والمرافق الحكومية بالولايات التي لم تصلها الحرب بعد، بينما عبر مليونان الحدود نحو دول الجوار.

 بالسودان اليوم أكبر أزمة نزوح داخلي وأكبر أزمة نزوح للأطفال في العالم

وفقًا للأمم المتحدة، بالسودان اليوم أكبر أزمة نزوح داخلي وأكبر أزمة نزوح للأطفال في العالم، وسط درجات كارثية من الجوع وحالات سوء التغذية وانعدام الأمن الغذائي، سيفاقمها -وفق تحذيرات- فشل الموسم الزراعي جراء الحرب التي تتركز على المناطق الخصبة بالبلاد.