تعد ولاية الجزيرة قلب السودان الزراعي، وهي إحدى أهم ولايات وسط السودان، وأكثرها كثافة سكانية بعد العاصمة الخرطوم. وتقع الولاية في اتجاه الجنوب من العاصمة القومية الخرطوم، في قلب السودان بين النيلين الأزرق والأبيض اللذان يتحدان في مقرن النيلين بالخرطوم. وتبلغ الولاية من حيث المساحة أكثر من (25) ألف كيلومتر مربع، واقترب عدد سكانها من أربعة ملايين نسمة، وفقًا لإحصائيات رسمية.
تتميز ولاية الجزيرة بموقعها الإستراتيجي في قلب البلاد، حيث تحدها شمالًا ولاية الخرطوم، وشرقًا ولاية القضارف الحدودية مع إثيوبيا، وجنوبًا ولاية سنار، وغربًا ولاية النيل الأبيض الحدودية مع دولة جنوب السودان
ومنذ اندلاع الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع في نيسان/أبريل من العام 2023، استقبلت الولاية مئات الآلاف من النازحين الفارين من جحيم الحرب لقربها من العاصمة الخرطوم التي شهدت أعنف المعارك، ولكن في كانون الأول/ديسمبر من العام 2023، وسعت قوات الدعم السريع نطاق الحرب في السودان باجتياح عاصمةولاية الجزيرة، ودمدني، وذلك بالتزامن مع انسحاب قوة الجيش المرابطة هناك، ما تسبب في موجة نزوح ضخمة أفرغت ودمدني والمحليات والقرى من المواطنين والنازحين بالولاية والذين اضطروا للنزوح مرة أخرى، في ظل انتهاكات مروعة وأعمال سلب ونهب وانفلات أمني شامل قُتل فيه العشرات من المدنيين الأبرياء.
موقع ولاية الجزيرة
تتميز ولاية الجزيرة بموقعها الإستراتيجي في قلب البلاد، حيث تحدها شمالًا ولاية الخرطوم، وشرقًا ولاية القضارف الحدودية مع إثيوبيا، وجنوبًا ولاية سنار، وغربًا ولاية النيل الأبيض الحدودية مع دولة جنوب السودان. ويقسمها النيل الأزرق إلى نصفين تقريبًا، فيما يحدها النيل الأبيض من اتجاه الغرب. وتقع عاصمتها مدينة ودمدني على على ضفة النيل الأزرق، وهي بارتفاع حوالي (400) متر فوق سطح البحر.
تلتقي في ولاية الجزيرة خطوط الطرقات التي تربطها بالعاصمة الخرطوم وميناء السودان في بورتسودان، وبذلك تكون مثل القلب الذي تتحد فيه شرايين البلاد التي تربطها بالعاصمة. وعلى الرغم من شح الطرقات الداخلية في الولاية، ما يجعل بعض القرى المتناثرة معزولة في فترات الأمطار، إلى أن شبكة الطرقات المسفلتة تربط عاصمتها مدينة ودمدني بعواصم المحليات، مثل الطرقات السفرية التي تربط ودمدني بالمناقل والكاملين والحصاحيصا وأم القرى. كما أن للولاية بوصفها في وسط البلاد، خطوط السكك الحديدية التي كان بعضها ما يزال عاملًا قبل الحرب، حيث تربطها السكة حديد أيضًا بالعاصمة الخرطوم والثغر في بورتسودان، بجانب العديد من المدن الكبرى.
والجدير بالذكر أن ولاية الجزيرة تمثل ما نسبته (2.5) من مساحة السودان الكلية، وعلى الرغم من ذلك تشهد كثافة سكانية عالية لما تتميز به من نشاط اقتصادي وزراعي ومدني يجعلها في صدارة المراكز الحضرية في وسط السودان.
محليات ولاية الجزيرة
وبحسب الموقع الرسمي لولاية الجزيرة، بالولاية ثماني محليات وهي: ود مدني، جنوب الجزيرة، شرق الجزيرة، أم القرى، الحصاحيصا، الكاملين، المناقل، (24) القرشي.
وتتكون محلية مدني الكبرى من الوحدات الإدارية مدني شرق ووسط، ومدني الشمالية الغربية، وشرق النيل والشبارقة، فيما تتكون محلية جنوب الجزيرة من مناطق ودرعية، المدينة عرب، الحوش، ودالنعيم، بركات، ودالحداد، الحاج عبدالله. وتشمل محلية الحصاحيصا مدينة الحصاحيصا، أبوقوتة، الربع، طابت، المحيريبا، المسلمية، ودحبوبة، أما بالنسبة للكاملين ففي مركزها وحدة الكاملين الإدارية، وتتبع لها وحدات المسيد والصناعات والمعيلق، وتحتوي محلية شرق الجزيرة على الوحدات الإدارية رفاعة وريفي رفاعة والهلالية وود راوه وتمبول، كما تشتمل المناقل على وحدة المناقل ووحدة ريفي الماطوري ووحدة ريفي الجاموسي ووحدة ريفي معتوق ووحدة ريفي العزازي ووحدة ريفي الهدى، فضلًا عن وحدة ريفي الكريمت الإدارية. أما أم القرى فتقسم إداريًا إلى شمال ووسط وجنوب أم القرى.
ودمدني عاصمة ولاية الجزيرة
مدينة ودمدني هي عاصمة ولاية الجزيرة، وأهم مراكزها الحضرية. تحتضن مدينة ودمدني مؤسسات ولاية الجزيرة الحكومية والتعليمية الكبرى، كما تمتاز ودمدني بأنها نقطة الالتقاء الرئيسية لشبكة الطرق التي تربط مناطق السودان المختلفة بالخرطوم وميناء بورتسودان، مؤكدة موقع الولاية المميز والإستراتيجي، حيث تقع مدينة ودمدني على بعد (186) كيلومترًا جنوب العاصمة القومية الخرطوم.
وتُلقب مدينة ودمدني، عاصمة ولاية الجزيرة عند محبيها وقاطنيها بـ"مدني السني" لأنها سميت بذلك الاسم -ودمدني- على اسم الشيخ محمد الأمين مدني السني، كما يطلق عليها اسم "مدني" نسبة للشيخ ومن باب الاختصار. ويعد ضريح الشيخ محمد الأمين مدني السني مركز ودمدني الذي انطلقت منه بقية الأحياء السكنية في القرن السادس عشر الميلادي.
وتستضيف ولاية الجزيرة مؤسسات بحثية سودانية كبرى تتركز في عاصمتها ود مدني، منها هيئة البحوث الزراعية ومحطة أبحاث الجزيرة، وجامعة الجزيرة بكلياتها ومعاهدها التخصصية، ومحطة البحوث الهايدرولوكية التي تتبع لوزارة الري والموارد المائية القومية، فضلًا عن المركز القومي لأبحاث الألبان، ومركز أبحاث الإبل في تمبول، بجانب بيوت خبرة في الدراسات الفنية والاقتصادية والاستشارات.
هيئة البحوث الزراعية في ولاية الجزيرة
تعتبر هيئة البحوث الزراعية السودانية من أقدم المؤسسات العلمية البحثية في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا. إن هذه الهيئة مسؤولة بشكل مباشر عن إجراء البحوث التطبيقية في مجالات الزراعة والغابات. وبحسب الموقع الرسمي للهيئة، فقد أنشئت في بادئ الأمر في العام 1918 محطة أبحاث الجزيرة التي نشطت في أعمال الإرشاد الزراعي في مجالات إنتاج القطن ومحاصيل الدورة الزراعية في مشروع الجزيرة.
توسعت الهيئة فيما بعد بإنشاء مجموعة من محطات البحوث الزراعية في شتى مناطق البلاد، حيث ابتدأت بمحطة كادوقلي بولاية غرب كردفان، والتي أنشئت في عام 1935، ثم محطة يامبيو التي أنشئت في عام 1948، وتقع بجمهورية جنوب السودان حاليًا. تلتها محطة خشم القربة للبحوث الزراعية، والتي دشنت أعمالها في عام 1960، كما أقيمت محطة الحديبة في عام 1962، تلتها محطات أبونعامة وسنار ومعتوق في عام 1963. وجراء هذه التوسعات التي شملت جميع أطراف البلاد، والزيادة المطردة في البحوث الزراعية، استحدثت في آخر الأمر هيئة البحوث الزراعية في عام 1967. وهيئة البحوث الزراعية هي مؤسسة عامة شبه مستقلة، تجمع تحت مظلتها كل المحطات البحثية آنفة الذكر، والمراكز التخصصية في مجالات الأغذية والغابات والمراعي.
بحسب ديباجتها الرسمية، تسعى هيئة البحوث الزراعية إلى "تأسيس نظام بحثي متكامل قادر على الأستفادة من الفرص المتاحة ومواجهة التحديات والمعوقات المتزايدة للتنمية الزراعية المستدامة والاستجابة للمتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي، بهدف القيام بالبحوث والدراسات العلمية والتطبيقية في المجالات الزراعية المختلفة، واعتماد ننائجها والمساهمة في نشر مخرجاتها على مختلف الفئات المستفيدة لتلبية احتياجات خطط التنمية الزراعية المستدامة في السودان، والمتمثلة في النهوض بالإنتاج الزراعي".
جامعة الجزيرة
تعد جامعة الجزيرة من أعرق وأهم الجامعات السودان، لا سيما في المجالات الطبية والتطبيقية. وصدر القرار الجمهوري بإنشاء جامعة الجزيرة في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر 1975م. ووفق الموقع الرسمي للجامعة، وقع الاختيار على منطقة الجزيرة لما لها من ثقل زراعي واقتصادي وتعليمي واجتماعي في السودان.
دشنت جامعة الجزيرة الدراسة في كليات أربع في العام 1978، أي يعد ثلاث سنوات من القرار الجمهوري بإنشائها، وبدأت الجامعة التدريس في أربع كليات شملت العلوم الزراعية، والاقتصاد والتنمية الريفية، وكلية الطب والعلوم الصحية، وكلية العلوم والتكنولوجيا. وخرجت هذه الكليات دفعتها الأولى في العام 1984م.
مشروع الجزيرة
يعتبر مشروع الجزيرة القائم بين النيلين الأزرق والأبيض بولاية الجزيرة في وسط البلاد، أكبر مشروع مروي في أفريقيا، وأكبر مزرعة في العالم ذات إدارة واحدة. وتصف الصفحة التعريفية بالمشروع على موقعه الرسمي، المنطقة التي يقع فيها المشروع بأنها "سهل طيني ممتد من منطقة سنار إلى جنوب الخرطوم في وسط السودان". أنشئ المشروع في عام 1925 ليمد المصانع البريطانية التي كانت تستعمر البلاد حينها، بحاجتها من خام القطن، والذي شكل أيضًا العمود الفقري لاقتصاد السودان بعد الاستقلال من التاج البريطاني. وقام مشروع الجزيرة على مساحة تقدر بحوالي مليوني فدان.
المشروع هو المأوى ومصدر الدخل لأكثر من ثلاثة ملايين ونصف نسمة، ويتكون هذا العدد من فئات العمال الزراعيين وعمال المؤسسات الخدمية، فضلًا عن المزارعين والتجار. ويرأس مجلس إدارة المشروع وفق القانون السوداني وزير الزراعة الاتحادي، ويتكون المجلس من (15) عضوًا، على رأسهم مدير عام المشروع، وعضوية وكيل وزارة الزراعة الاتحادية، وممثل عن وزارة المالية، فضلًا عن نائب محافظ بنك السودان المركزي، وبعضوية المشروع كذلك ممثل عن كل من ولاية الجزيرة وشركة الأقطان السودانية وهيئة البحوث الزراعية، بالإضافة لممثل العمال والموظفين بالمشروع، وستة ممثلين آخرين للمزارعين.
مشروع الجزيرة له إسهام ضخم في الاقتصاد السوداني، وكان جوهرة التاج قبل اكتشاف النفط في البلاد، وما يزال المصدر الأساسي للعديد من المحاصيل في البلاد، والتي يستخدم بعضها في الاستهلاك المحلي بينما يعد جزء كبير للتصدير. وينتج المشروع (65) بالمائة من إنتاج السودان من القطن، كما يساهم بنسبة كبيرة في إنتاج القمح والذرة والمحاصيل البستانية.
ومن أهم محاصيل مشروع الجزيرة بجانب القطن والذرة والقمح، الفول السوداني والخضروات والأعلاف وزهرة عباد الشمس. وللمشروع إنتاج حيواني ضخم يساهم في الاستهلاك المحلي والمصنع من اللحوم والألبان في السودان. ويروى المشروع بالأمطار في الفترة المطيرة بين تموز/يوليو وتشرين الأول/أكتوبر، كما يعتمد المشروع أيضًا على الري الصناعي في الإنتاج الزراعي.
ويشتهر المشروع بأنظمة الري الإنسيابي المعقدة من سد سنار، حيث تعمل على توزيع المياه للأراضي الزراعية شبكة ضخمة من القنوات بطاقة تخزينية قدرها (31) مليون متر مكعب. وتعمل هذه الشبكة بنظام التخزين نهارًا، حيث يتحكم العمال في حجم المياه وتوزيعها لمقابلة الاحتياجات المائية لمحاصيل الدورة الزراعية، كما تساهم أجهزة تشغيل موزعة على طول هذه القنوات في عمليات الري.
الحرب السودانية وولاية الجزيرة
منذ اندلاع الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، نزح مئات الآلاف من المواطنين إلى ولاية الجزيرة التي كانت آمنة حتى كانون الأول/ديسمبر 2023، حيث توسعت قوات الدعم السريع من العاصمة الخرطوم جنوبًا باتجاه عاصمة الولاية مدينة ودمدني. ومنذ دخول قوات الدعم السريع إلى ولاية الجزيرة شهدت المناطق التي وصلتها قوات الدعم السريع انتهاكات مروعة بحق المدنيين يقوم بها منسوبو هذه القوات، شملت القتل والنهب والسلب والاغتصاب.
وتستمر سلسلة الانتهاكات والجرائم التي تقوم بها قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة حتى الآن، وذلك على الرغم من إعلان قيادة هذه القوات التعامل بـ"جدية وحسم" مع البلاغات الواردة من ولاية الجزيرة، والتي نسبتها إلى "متفلتين". وفي ظل الاجتياح الكبير الذي قامت به قوات الدعم السريع لولاية الجزيرة، انقطعت كافة الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء وصحة عن المواطنين، في ظل انقطاع لشبكات الاتصالات المحلية مستمر منذ حوالي الشهرين. وقال ناشطون حقوقيون لـ"الترا سودان"في وقت سابق إن الدعم السريع تستغل حجب الاتصالات وعدم وجود معلومات من على الأرض، ولذلك يتوسع نطاق الانتهاكات يوميًا في ولاية الجزيرة.
بعد وصول الحرب إلى قلب السودان الزراعي، تشهد ولاية الجزيرة غلاء وارتفاعًا جنونيًا في أسعار السلع الغذائية
وبعد وصول الحرب إلى قلب السودان الزراعي، تشهد ولاية الجزيرة غلاء وارتفاعًا جنونيًا في أسعار السلع الغذائية. وتفرض قوات الدعم السريع وغيرها من المسلحين، ضرائب على الباصات السفرية التي تتقاطع بالطرق السفرية للولاية التي أصبحت خاوية من معظم مواطنيها، كما تفرض هذه القوات إتاوات على التحويلات البنكية أيضًا، والتي تعتمد بشكل كامل على الإنترنت والاتصالات المقطوعة، في ظل إمداد غير مستقر للتيار الكهربائي، تصل فيه القطوعات في حدها الأدنى إلى (18) ساعة يوميًا، وفق ما ذكرت تقارير للجان المقاومة.
يذكر أن تقارير لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "الفاو"، كانت قد كشفت عن انخفض إنتاج السودان من الحبوب بحوالي النصف عقب عام من الحرب في السودان. وقال تقرير حديث للمنظمة إن إنتاج القمح في السودان خلال العام الماضي انخفض بنسبة (46) بالمائة عن متوسط الإنتاج في السنوات الخمس السابقة، كما قدرت المنظمة الأممية أن إنتاج الذرة الرفيعة خلال العام 2023، أقل بنسبة (34) في المائة من متوسط الإنتاج خلال الأعوام الخمس السابقة، الأمر الذي يهدد بكارثة تغذوية غير مسبوقة في السودان حال لم يتم تداركه.
"الفاو" في تقريرها أرجعت الانخفاض في إنتاج الحبوب إلى تأثير الحرب والمعارك على العمليات الزراعية، حيث أسفرت عن حالة من انعدام الأمن، وشح في المدخلات الزراعية في ظل ارتفاع الأسعار. وفي الوقت ذاته ارتفعت تكاليف الإنتاج جراء انخفاض الواردات وتعطل الأعمال التجارية في البلاد، حيث قطعت المعارك جميع سلاسل الإمداد في السودان.
وبالتزامن من انخفاض الإنتاج الزراعي لما يقارب النصف، ارتفعت أسعار الحبوب في السودان في العام 2023 بحوالي الضعف وفق المنظمة الأممية، وذلك لنفس الأسباب المتعلقة بالحرب التي أدت إلى الانخفاض في الإنتاج. ويساهم في ارتفاع الأسعار أيضًا إنخفاض قيمة الجنيه السوداني الناتج عن التضخم الكبير الذي فاقمته الحرب.
كما تفاقم الوضع الغذائي في السودان بعد حرب 15 نيسان/أبريل 2023،ويحتاج إلى دعم غذائي طارئ حوالي أربعة ملايين طفل، وفق منظمة الأمم المتحدة للطفولة، والتي لفتت إلى تزايد عدد الأطفال الذين يموتون بسبب من سوء التغذية في السودان.
وستتفاقم الأزمة الغذائية في البلاد في ظل استمرار الحرب في ولاية الجزيرة التي كانت تسد أراضيها ثغرة كبيرة في الأمن الغذائي للسودانيين، وفي حال فشل الموسم الزراعي المقبل في المشروع الأضخم في المنطقة، فإن الأمن الغذائي السوداني لا محالة في مهب الريح.