يستميت مسؤولو النظام السوداني في محاولات إقناع المجتمع الدولي برفع العقوبات عن البلاد، وبدلًا من اللهجة المتعجرفة واللامبالية التي كانت سائدة بينهم قديمًا، حين الحديث عن وضع اسم السودان في قائمة الدول الداعمة للإرهاب، وما يترتب على ذلك؛ نراهم اليوم يستعطفون العالم للنظر في أمر الحصار الاقتصادي وعلى وجوههم براءة لا يعكّرها سوى فتح ملفات حقوق الإنسان في السودان، وحرية التعبير، وشهداء سبتمبر، حينها تأخذ الأقنعة في التساقط، وتبدأ المراوغة.
مَنْ جوَّع السودانيين وصادر أموالهم، وأدت سياساته لاشتعال الحروب وانهيار العملة وزيادة التضخم وبطالة الشباب وهجرتهم؟
يقولون إن فصل السودان عن النظام المصرفي العالمي يؤثر على الشعب المسكين فلا يستطيع تحويل أمواله بين البنوك! يقولون إن حظر التكنولوجيا الأمريكية على السودان أدى لمشكلات في الزراعة والصناعة بسبب انعدام قطع الغيار وأدى من ثم لتجويع الشعب السوداني! يقولون إن الحصار أدى لانهيار العملة المحلية وارتفاع معدل التضخم وإفقار الشعب السوداني!... إلخ
حسنًا، هذا كذب. أو بأحسن الفروض هو تدليس وخلط للحقائق بالأوهام.
فبعد 26 عامًا من التغلغل في مفاصل السودان بمحاولاتهم الطفولية القاسية لإعادة تركيبه وفق نموذج أسطوري يعشعش في أذهانهم، لم يترك الإسلاميون شيئًا لهذا الشعب الذي يتباكون باسمه اليوم. فلا أموال له ليتأثر بمعضلة التحويل المصرفي بل جلّ أموال البلد في أيدي الإسلاميين والمقربين من الحكومة. كما أن مشكلات الزراعة والصناعة آخر ما تسببت فيها هي التكنولوجيا الأمريكية المحظورة، ففي مواجهة الفساد الإداري والضرائبي المتستر بالإسلام تجاه المصانع والمزارعين، لا تبدو مسألة التكنولوجيا مهمة إلا لأولئك الذين يتمتعون بإعفاءات لا يستحقونها ليديروا مصانعهم ومزارعهم دون أن يخافوا سوط الجابي أو مصادرة الدولة لأرضهم. ثم مَنْ جوَّع السودانيين وصادر أموالهم بمختلف المسميات وأدت سياساته لاشتعال الحروب وانهيار العملة وزيادة التضخم وبطالة الشباب وهجرتهم؟ أظن الإجابة معلومة.
اقرأ/ي أيضا للكاتب: فصول من قصة أيلول السوداني الدامي
إنهم يستخدمونني درعًا في مواجهة سياط العالم، وأنا لا يعجبني ذلك
بالإجمال إن كان أثر ضرر الحصار على السودانيين طوال الفترة الماضية يمثل 20%، فإن الجزء الأكبر من الضرر 80% تسبب فيه حكم البشير وأعوانه واتخاذهم السودان ضيعة يفعلون فيها ما يريدون دون محاسبة، وطالما أن هذا الحصار يؤثر عليهم أكثر مني كفرد في هذا الشعب المنكوب، فأفضِّل ألا يتم رفعه! ففي حال رُفع فسيخفف عني فقط 20% من معاناتي الممتدة منذ ربع قرن. إنهم يستخدمونني درعًا في مواجهة سياط العالم، وأنا لا يعجبني ذلك.
إنهم يستدينون باسمي ثم لا أرى قرشًا من تلك الأموال، بل حتى أموال المانحين للمتضررين أيّان الكوارث تختفي بطريقة غامضة قبل وصولها إليهم، وبعد كل هذا يقول وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، في بيانه أمام قمة التنمية المستدامة المنعقدة في نيويورك هذه الأيام، وهو يطالب بإعفاء ديون السودان، إن "العقوبات على السودان تعطل التنمية المستدامة والقضاء على الفقر والجوع"! حسنًا يا سيادة الوزير؛ هل تظن أن هناك من يصدقك؟ أنا لا أتمنى ذلك.
اقرأ/ي أيضا للكاتب: صحف السودان.. ما يريده الأمن!