إعداد: مهند هارون موسى وعزمي عبد الرازق
بعد أن لوح إعلان قوى الحرية والتغيير القائد للحراك السوداني بكل كروت ضغطه ضد المجلس العسكري، لجأ لمليونية 30 حزيران/يونيو، التي مثلت ضغطًا على المجلس العسكري للرجوع إلى طاولة التفاوض، بعد المساعي الحثيثة من قبل الوساطة الإفريقية والإثيوبية، بعد شهور من التصعيد والتصعيد المضاد.
بدا الشارع السوداني وكأنه فوجئ بالإعلان عن اتفاق الحكومة الانتقالية، وذلك لجهة تجاهل مطالب الدولة المدنية الملحة ومباشرة الانتقال الديمقراطي، كأحد دوافع الحراك السلمي، وفتح المجال للحريات السياسية والإعلامية
يعتبر 30 حزيران/يونيو اليوم الراسخ في مخيلة الشعب السوداني بأنَّه أسوأ يوم مرَّ على تاريخ الدولة بمجيء الجبهة الإسلامية للحكم عن طريق انقلاب عسكري برئاسة الرئيس المخلوع عمر حسن أحمد البشير، والذي جلس في كرسي السلطة لثلاثة عقود من الديكتاتورية وكبت الحريات والحروب الأهلية والإبادات الجماعية في أقاليم السودان المختلفة. تمخض من ذلك انفصال إقليم جنوب السودان الغني بالنفط في التاسع من تموز/يوليو 2011، وقد كان الانفصال تجربة مُدمرة بأتم معنى الكلمة، انهار بإثرها الاقتصاد السوداني وتراجعت العملة المحلية مقابل الأجنبية بصورة مُفزعة، مما تسبب في ضائقة اقتصادية توجت باحتجاجات في أيلول/سبتمبر 2013، ومن ثم انتفاضة كانون الأول/ديسمبر 2018 التي أدّت إلى سقوط نظام الجبهة الإسلامية (الإنقاذ) في الحادي عشر من نيسان/أبريل من العام الجاري.
اقرأ/ي أيضًا: السودان.. ضغوط متزايدة على المجلس العسكري والشارع صامد على مطالبه
في السياق عينه تزامنت مليونية 30 يونيو مع انتهاء المهلة التي منحها مجلس الأمن والسلم الأفريقي للمجلس العسكري، بعد أن علّق عضوية السودان في الاتحاد الإفريقي، ومشاركته في اجتماعات المنظمة، واستبعاده من قمّة وزراء الطاقة الأفارقة، تنفيذًا لقرار مجلس الأمن إلى حين تسليم السلطة إلى حكومة مدنية، وإلا سوف يلجأ الاتحاد الإفريقي إلى فرض عقوبات وإجراءات وخيمة على المجلس العسكري الانتقالي.
ونتيجةً للضغوطات الإقليمية والدولية، جلس الطرفان على طاولة التفاوض، ولتقريب وجهات النظر بينهما وللتوصل لحلول للقضايا العالقة، تُوج هذا التفاوض باتفاق أعلنته الوساطة الإفريقية بلسان مبعوث الاتحاد الافريقي محمد الحسن ليباد عن توصل المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير عبر التفاوض المباشر، إلى الاتفاق على كل القضايا المطروحة على طاولة التفاوض، حيث أوضح ليباد في مؤتمر صحفي عقب جولة المفاوضات التي استمرت حتى الساعات الأولى من فجر يوم الجمعة بحضور الوسيط الإثيوبي، أن الطرفين اتفقا على إجراء تحقيق وطني شفاف حول أحداث الأسابيع الأخيرة، ثم تكوين مجلس سيادة تناوبي الرئاسة مدته ثلاث سنوات أو تزيد، إضافة إلى تشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة برئيس وزراء ينتمي إليها، كما اتفق الطرفان على إرجاء إقامة المجلس التشريعي إلى حين بدء أعمال المجلس السيادي والحكومة المدنية، ثم أخيرًا القيام ببذل جهود مسؤولة لتصفية الأجواء من أجل الشعب ومن أجل سودان نامي ديمقراطي مستقر.
كالمتوقع، انقسم الشارع السوداني بين الرافض والمؤيد لهذا الاتفاق، فالبعض يرى أن وجود قوى إعلان الحرية والتغيير في الحكومة قد يُساهم في إشاعة نوع من الحريات السياسية للمواطنين، التي بلا شك سوف تتيح لهم قيام أحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني ونقابات عمالية نزيهة وشفافة، لتقوم بالدور المناط بها دون قيود من العسكر حتى يكون هناك خطوة نحو الديمقراطية وإطلاق للحريات.
في السياق عينه يذهب البعض إلى أن الحكومة المدنية قد تقوم بتفكيك رموز النظام السابق وكتائب ظل النظام البائد، ومحاسبة من ثبت ضلوعه في أحداث مجزرة فض الاعتصام، والأحداث الأخرى التي ارتكبت منذ سقوط نظام البشير، إضافة إلى تقديم كل من تورط في إهدار المال العام للمحاكمة، وإرجاع الأموال المنهوبة إلى خزينة الدولة.
على النقيض من ذلك، هنالك الكثير من المتشائمين والمتشككين من هذا الاتفاق، فقد أدانت الجبهة الوطنية العريضة (مجموعة من الأحزاب السياسية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني) قوي إعلان الحرية والتغيير ورفضت واستنكرت اتفاقهم مع المجلس العسكري الإجرامي، ودعت قوى الثورة لاختيار وتكوين قيادة وطنية بديلة لهم، معتبرة أنَّ هذا الاتفاق خيانة عظمى لأهداف الثورة ومطالب الثوار المتمثلة في إقامة سلطة مدنية كاملة فحسب، بل سيعمل على تحصين قادة النظام السابق والمجلس العسكري الإجرامي وأعوانهم ومليشياتهم من المحاسبة والمساءلة والمحاكمة على كافة الجرائم والموبقات التي ظلوا لمدة 30 عامًا يرتكبونها في حق المواطن والوطن.
إضافة إلى ما سبق، بدا الشارع السوداني وكأنه فوجئ بالإعلان عن هذا الاتفاق، وذلك لجهة تجاهل مطالب الدولة المدنية الملحة ومباشرة الانتقال الديمقراطي، كأحد دوافع الحراك السلمي، وفتح المجال للحريات السياسية والإعلامية، وعودة خدمة الإنترنت، والقصاص للشهداء، وهو ما لم يتحقق حتى الآن، بأي صورة تعيد للثورة حقيقتها وصوتها الفعال، ما يعني بالنسبة للعديد من الناشطين السودانيين، أن قوى التغيير تنازلت عن الكثير من مطالبها، وشعارات المواكب الجماهيرية، من أجل السلطة تقريبًا، أو أنها خضعت لضغوطات سعودية وإماراتية، سلكت طريق التسوية، لضمان امتلاك المجلس العسكري، حليفها المعلن، زمام المبادرة، على الأقل في السنوات الأولى من عمر الفترة الانتقالية.
واستنكر جزء من السودانيين هذا الاتفاق، معتبرينه لا يلبي طموحات المواطنين الذين هم وقود الثورة منذ كانون الأول/ديسمبر الماضي، وأن مطالب الثوار كانت حكومة مدنية، ورجوع العسكر إلى سكناتهم، فبرر البعض وجهة نظرهم بأنَّ وجود العسكر في مجلس السيادة يُعتبر خيانة لدماء الشهداء، وعودة إلى حكم السلطوية والدكتاتورية وإعادة تدوير لرموز النظام السابق في الحكم، وهو الشيء الذي يخشاه أغلبية السودانيين.
اقرأ/ي أيضًا: السودان.. للثورة مواقيتها
من جهة ثانية، خرج الناس بالمئات في شوارع العاصمة الخرطوم والولايات الأخرى يومي الجمعة والسبت، وهم يحتفلون بما تحقق، دون أن يطلعوا على المسودة الكاملة للاتفاق، والتي يبدو أنها تغص ببنود سرية غير معلنة. لا سيما وأن الجلسات بين المجلس العسكري وقوى التغيير عقدت خارج القصر الرئاسي، وتمت بعيدًا عن الأضواء، وبشكل متعجل، كما لو أن ثمة اتفاق جاهز بالفعل، جاء به المبعوث الأمريكي الذي زار الرياض وأبوظبي قبيل أن يدلف إلى الخرطوم مباشرة نهاية الأسبوع الماضي، ليشهد من وراء الكواليس، على وثيقة تتسم بالغموض، ويشوبها النقص في جوانب عديدة، وتغلب عليها الثنائية في اقتسام السُلطة والثروة دون استحقاق انتخابي، وهى باختصار أشبه باتفاقية نيفاشا التي قضت قبل عشرة أعوام تقريبًا بفصل جنوب السودان من الدولة الأم، كما يرى جزء من الفاعلين السودانيين.
من المهم أيضًا الإشارة إلى أن ثمة تحديات تواجه الحكومة المقبلة، أي حكومة الفترة الانتقالية، منها تحسين معاش الناس والتدهور الاقتصادي المريع، والقصاص لدماء الشهداء التي سوف تطارد الشركاء الجدد
تحديات الحكومة الانتقالية
من المهم أيضًا الإشارة إلى أن ثمة تحديات تواجه الحكومة المقبلة، أي حكومة الفترة الانتقالية، منها تحسين معاش الناس والتدهور الاقتصادي المريع، والقصاص لدماء الشهداء التي سوف تطارد الشركاء الجدد، الذين تراجعوا عن مطلب لجنة تحقيق دولية، والاستقطاب العنيف الذي بلغ أشده مؤخرًا، عطفًا على حالة السيولة الأمنية المتفشية، ورفض الحركات المسلحة لهذا الاتفاق بشكله الثنائي، دون أن يضمن لها التمثيل الكافي في مؤسسات الدولة، إن لم يحدث ذلك لاحقًا، ومعالجة وضع العناصر المسلحة، وعدم وجود مرجعية واضحة لحل الخلافات بين حكومة قوى التغيير والمجلس السيادي، إلى جانب السياسة الخارجية، التي تشهد تقاطعات حادة في وجهات النظر، خصوصًا سياسة الانحياز لأي من المحاور، المرفوضة من قبل الشارع، ودور الجيش السوداني في حرب اليمن بقيادة التحالف السعودي الإماراتي.
اقرأ/ي أيضًا: