10-سبتمبر-2024
الخرطوم بحري

خلت الخرطوم بحري من معظم مواطنيها جراء الحرب

أطلق ناشطون وفاعلون في غرف الطوارئ الإنسانية نداءات استغاثة عقب تدهور الأوضاع في غالبية أحياء الخرطوم بحري مع توقف القوافل التجارية والمساعدات.

ناشطة: يموت الناس داخل بيوتهم بالجوع والحسرة والعطش

وعادت المعارك العسكرية بقوة بين الجيش والدعم السريع إلى الخرطوم بحري الأسبوع الماضي في مناطق حطاب ومحيط مصفاة الجيلي، المصفاة الرئيسية للنفط. وعلى الرغم من عدم وجود معارك في الأحياء والمناطق الواقعة وسط المدينة، إلا أن الإجراءات الأمنية المشددة التي يفرضها الطرفان على القوافل التجارية والمساعدات انعكست على المدنيين.

تترافق المعاناة مع نقص الغذاء والدواء والمياه في أحياء الخرطوم بحري، خاصة "الدناقلة"، و"حلة حمد"، و"الأملاك"، و"الشعبية"، و"الصبابي"، و"المحطة الوسطى"، و"المزاد"، بالإضافة إلى انتشار الأوبئة مثل الملاريا والكوليرا وأمراض العيون ونقص الدم.

انعدام الحياة

مستشفى الخرطوم بحري الواقع وسط المدينة لا يعمل منذ الأسبوع الماضي نتيجة القتال بين الجيش والدعم السريع بسبب انعدام الطرق الآمنة لوصول الكوادر الطبية. كما أن هجمات الدعم السريع أثرت على منطقة المستشفى التي تخضع لسيطرة هذه القوات.

في منطقة "سلاح المظلات"، المركز اللوجستي العسكري التابع لقوات الدعم السريع، اختفت مظاهر الحياة بشكل كلي، حيث تؤدي الطرق هناك إلى مدينة أم درمان الواقعة غربي الخرطوم بحري عبر كبري شمبات الذي تعرض للقصف، مما شطره إلى نصفين نهاية العام الماضي.

تحول "سلاح المظلات" من مقر تاريخي للجيش إلى مركز عمليات الدعم السريع في عهد حكم البشير، الذي منح صلاحيات واسعة لهذه القوات. واستفادت هذه القوات من الحماية التي وفرها مكتب البشير في القصر الرئاسي، حيث انتشرت في أرجاء العاصمة الخرطوم.

احتراق مدينة

يصف العاملون في غرف الطوارئ وأعضاء لجان المقاومة مدينة الخرطوم بحري بأنها "شرارة" ثورة ديسمبر، عندما قاوم المتظاهرون الترسانة الأمنية في مطلع العام 2018 ونهايته بالتظاهر في السوق الرئيسي وأحياء شمبات والشعبية والمزاد، للمطالبة بإسقاط حكم البشير. واليوم، بعد مرور نحو خمسة أعوام من حركة الاحتجاجات الشبابية، تحترق المدينة تحت وطأة حرب تفتقر للمعايير اللازمة لحماية المرافق المدنية والمدنيين، وفق ما تقول إيمان إسماعيل.

وترى إيمان إسماعيل، التي شاركت في الاحتجاجات الشعبية إبان ثورة ديسمبر، في حديث لـ"الترا سودان"، أن اليأس يجب أن لا يدب في نفوسنا لمجرد أن مدينة الخرطوم بحري تحترق تحت نيران الحرب. وأضافت: "يومًا ما سنعانق شوارعنا".

مواطنة: مئات المواطنين في أحياء "الدناقلة"، و"الأملاك"، و"الشعبية"، و"المزاد"، هذا على سبيل المثال لا الحصر، فضلوا البقاء في المنازل مع الاعتماد على مؤن قليلة

في ذات الوقت، تصف إيمان الوضع الإنساني بالسيء جدًا، وتقول إن مئات المواطنين في أحياء "الدناقلة"، و"الأملاك"، و"الشعبية"، و"المزاد"، هذا على سبيل المثال لا الحصر، فضلوا البقاء في المنازل مع الاعتماد على مؤن قليلة طوال (16) شهرًا من الحرب.

وتقول هذه الشابة، التي تشدد على ضرورة تحقيق الحكم المدني في السودان، إن الأمور وصلت إلى نهايتها في تلك المناطق السكنية. لم يعد أحد يستطيع الصمود لعام ونصف بالاعتماد على القليل من الطعام وانعدام الدواء. هذا الوضع كتب نهاية حياة بعض الأشخاص الذين عانوا من شح الدواء مع الأمراض المزمنة، إلى جانب هزالة أجسادهم بسبب الجوع ونقص المياه واقتصادها بغرض التوفير حتى لا يتحركوا لمسافات طويلة.

الموت جوعًا

وفي تطور خطير للوضع الإنساني، نعى الفنان السوداني محمود ميسرة سراج على حسابه الشخصي في "فيسبوك" أمس الاثنين المعلمة درية جواهر، التي توفيت بمنزلها بحي "الدناقلة" بالخرطوم بحري.

خلال رسالة مؤثرة، قال سراج إن المعلمة درية جواهر عملت سكرتيرة في مدارس الشعب بالخرطوم بحري لسنوات طويلة منذ تأسيسها في خمسينات القرن الماضي، ولديها أرشيف ضخم من المراسلات.

وأضاف: "فارقت درية الحياة الأحد الماضي رفقة شقيقتيها جيجي وحسنة في حي الدناقلة على بُعد أمتار عن مستشفى الخرطوم بحري.. متن جوعًا ومرضًا وعطشًا".

وتسيطر قوات الدعم السريع على نحو 85% من مدينة الخرطوم بحري، وفشلت في تسيير الشؤون العامة واستئناف الخدمات الأساسية. كما توقفت محطة المياه الرئيسية، ولم يتفق الطرفان على إدخال فريق للصيانة.

وتتحكم قوات الدعم السريع في وصول القوافل التجارية إلى الخرطوم بحري من خلال فرض الرسوم على الشاحنات والتحقيق مع السائقين، وفي بعض الأحيان تداهم المحلات التجارية القليلة العاملة في بعض الأحياء بغرض النهب أو التحقيق الأمني. وتقول مصادر إن هذه القوات تمول نفسها عن طريق السيطرة على منافذ التجارة في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وتجني مليارات الجنيهات.

قبل شهرين، نفذ الجيش عملية وصفها بالنوعية، حيث وصل من أم درمان إلى الخرطوم بحري عبر جسر الحلفايا قبل أن يعود إلى قواعده. ورغم ارتفاع الآمال في ذلك الوقت بإمكانية انتشار القوات المسلحة في الأحياء الواقعة بمحيط جسر الحلفايا ناحية الخرطوم بحري، إلا أن الجيش عاد وتمركز في أم درمان.

مسلحون يتجولون

في حي البراحة بالخرطوم بحري، والذي يضم أكبر المستشفيات الخاصة في تخوم حي شمبات، تظهر مقاطع الفيديو من الشوارع الرئيسية خلوها من المارة. هذه المقاطع ينشرها جنود الدعم السريع على شبكات التواصل الاجتماعي، كونهم القادرين على التجول بحرية في الأحياء السكنية.

والشهر الماضي، أعلنت غرفة طوارئ بحري استئناف المطابخ الجماعية في أربعة قطاعات بالخرطوم بحري، لعدد (75) مطبخًا، على الرغم من اقتحام قوات الدعم السريع لبعض المطابخ ونهب المؤن ومقتنيات العاملين الإنسانيين.

تعرضت غالبية المنازل والشركات والمكاتب التجارية ومؤسسات القطاع العام في الخرطوم بحري للنهب

وتعرضت غالبية المنازل والشركات والمكاتب التجارية ومؤسسات القطاع العام في الخرطوم بحري للنهب، بينما حرصت قوات الدعم السريع على نهب الأموال النقدية والحلي والذهب والأثاثات الثمينة والسيارات والأجهزة والمعدات وشحنها إلى خارج العاصمة. كما نهب اللصوص المواد الغذائية والملابس والأثاثات، حسب إفادات المواطنين.

وتضم مدينة الخرطوم بحري أكبر مطاحن الغلال المملوكة للقطاع الخاص على مستوى البلاد، إلى جانب مراكز صناعات المشروبات الغازية والعصائر والأغذية ومصانع الحديد والصلب، التي تم نهبها بالكامل مع نهب قوات الدعم السريع لآلاف السيارات من هذه المقرات.