في اللحظة التي قرر فيها الشاب التونسي "البوعزيزي" إنهاء حياته قبل ما يقارب (11) عامًا، تغير وجه المنطقة العربية، سقطت حكومات وقامت أخرى. فما هو مصير الإسلاميين بعد عشرة سنوات من الربيع العربي؟
ونلاحظ تعدد مصائر الإسلاميين وتنوعها واختلاف دروبهم ومسالكهم. فثمة فصائل إسلامية تقف على مقربة من السلطة، وأخرى وقعت ضحية للسلطة، وتوزعوا ما بين أقبية السجون والمنافي.
تباين مصائر الإسلاميين
وارتبط مصير الإسلاميين بطبيعة الدول وتفاعل الشعوب مع الثورة. وبحسب مراقبين فإن ثورات الربيع العربي لم تكتمل إلى اليوم، ولا تزال المحاولات جارية لتلمس الطريق نحو الحرية. في حين نجحت الدول في إسقاط أنظمة الاستبداد وفشلت بإقامة نظم ديمقراطية وحكومات بديلة بذات قوة الأنظمة البائدة، بحسب ما يقول مراقبين سياسيين.
ظل الإسلاميون جزءًا من المشهد السياسي في جميع دول الربيع العربي
ووقفت بعض دول الربيع العربي على حافة الانهيار، مثل "ليبيا-اليمن-سوريا" وعادت دول أخرى من الاستبداد بأشد مما كانت عليه مثل الذي حدث في "مصر"، في حين شهدت أخرى مثل "تونس-الجزائر" حالة من الاستقرار النسبي. وفي جميع هذه البلدان كان الإسلاميون جزءًا من المشهد السياسي.
اقرأ/ي أيضًا: أهم ما ورد في المؤتمر الصحفي الخاص بقرارات مجلس الوزراء
ويرى مراقبون للمشهد الإقليمي، أن إسلاميو تونس أحسنوا التفاعل مع المتغيرات السياسية، وكانوا جزءًا من معادلة التغيير وقدموا الثوابت الوطنية على الأجندة الخاصة، وساهموا بعملية التحول والاستقرار السياسي النسبي. وبالمقابل سقط إسلاميو مصر، وأساؤوا تقدير الموقف السياسي وموقف القوات المسلحة -بحسب مراقبين- وعجزوا عن تحقيق إجماع وطني حول قضايا الانتقال الديمقراطي مع القوى السياسية الأخرى، فمات عدد من قيادات الإخوان بالسجون مثل الرئيس "محمد مرسي"، ويقبع العشرات في غياهب السجون.
أما حالة اليمن، فيعتبر المراقبون أن الإسلاميين جزء من تحالف "دعم الشرعية" متمثلة بالحركات الإسلامية الحديثة، ويضم مصطلح الإسلاميين جماعة "الحوثيين" بالمعنى الواسع، كما يقول المراقبين نظرًا لمرجعيتها الإسلامية الشيعية الطائفية.
وفي ليبيا، يلعب الإسلاميون دورًا بالمشهد السياسي، وكانوا طرفًا بالصراع الليبي، وكانوا ضمن حكومة طرابلس أو ما يعرف بـ"حكومة الوفاق" برئاسة فائز السراج. لاحقًا اندمجت الحكومة مع حكومتي بنغازي وبرلمان بطرق بعد الاتفاق السياسي الأخير، لتتكون حكومة واحدة.
وقال المفكر السوداني دكتور حيدر إبراهيم، إن الإسلاميين لم يتخلوا يومًا عن ممارسة العنف، وضرب مثلًا بحادثة صفع نائبة برلمانية تونسية قبل عدة أيام، في وقتٍ لم يستدع فيه رئيس البرلمان راشد الغنوشي النيابة، أو يطالب برفع الحصانة عن المعتدي.
اقرأ/ي أيضًا: "أكسيوس": توترات عقب زيارة مسؤولين إسرائيليين للخرطوم التقوا بـ"حميدتي"
ويمضي قائلًا إن تكوين الإسلاميين غير مرتبط بالسنوات، وإنما بالتغذية من آيديولوجيات معينة. معيدًا للأذهان طرق نقاش الإسلاميين بجامعة الخرطوم، عن طريق استخدام "السيخ" والعنف. مؤكدًا أنهم لم يؤسسوا لأي نوع من الديمقراطية أو حرية الفكر طوال سنوات الحكم التي امتدت لـ(30) عامًا.
د. حيدر إبراهيم: الإسلاميون في السودان يعيشون في فقر مدقع من حيث الفكر والإحساس بالديمقراطية
ووصف حيدر إبراهيم الإسلاميين بالعيش في الكهوف، مشددًا على أن لا وجود لهم في القرن الحادي والعشرين، وعلل السبب بالقول بأنهم يعتقدون بامتلاك الحقيقة المطلقة المدعومة بحق إلهي. وقال إن الإسلاميين في السودان يعيشون في فقر مدقع من حيث الفكر والإحساس بالديمقراطية. قائلًا "لا أرى أي مستقبل للإسلاميين".
"صدمة" الإسلاميين
من جانب آخر يقول الناشط الإسلامي وائل علي، إن الإسلاميين في حالة صدمة بعد سنوات الربيع، وإن بدأت المراجعات الداخلية لقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، مؤكدًا أنه منذ العام 2013، قل عدد الإسلاميين المهتمين بقضايا المراجعات الحقوقية. مؤكدًا دخول الإسلاميين في حالة "صدمة" ظهرت أعراضها في كبرى الحركات "حركة الإخوان المسلمين في مصر"، والتي لا تزال تعيش صدمة 2013، بينما قدمت الحركات الأخرى بعدة بلدان تنازلات، مع ذلك لم تحظ بالسلام المجتمعي، بحسب ما يرى وائل علي، بسبب التحريض المستمر من المجتمع الإقليمي.
الإسلاميون في السودان
ماذا عن حالة الإسلاميين بعد مرور عامين من الثورة السودانية؟ سؤال طرحته المحررة على نشطاء إسلاميين، وكانت الإفادات التي تستعرضها الفقرة التالية.
وأوضح الناشط الإسلامي زهير طه، أن الثورة لم تقم ضد التيار الإسلامي، وإنما ضد الظلم والاستبداد والفساد بالنظام السابق، مؤكدًا مشاركة قطاع عريض من الإسلاميين ضد نظام المؤتمر الوطني المحلول، بالرغم من الخلفية الإسلامية، ويقول "كان الرفض ضد مظاهر الفساد والاستبداد".
ويقول زهير طه، إنه لا وجود لتيار إسلامي واحد بالسودان، نظرًا لحالة التشظي بين الإسلاميين قبل اندلاع الثورة، مشيرًا لانقسام الحركة الإسلامية الذي خلف فراغًا تمددت به تيارات أخرى مثال التيار السلفي.
ويضيف بالقول، بعد التغيير نلاحظ نشاطًا واسعًا للتيارات المختلفة وحضورها بالمشهد العام. مؤكدًا لـ"الترا سودان"، أن لا وجود لإقصاء للتيار الإسلامي من المشهد. فالثورة السودانية كما يراها زهير طه، أدت لتحول ديمقراطي أكثر قربًا من الثورات الملونة عن الثورات الراديكالية التي تقصي طبقة اجتماعية وسياسية، وتحل أخرى بموضعها.
ويقول الناشط الإسلامي، إن المؤتمر الوطني الذي قامت عليه الثورة، لا يزال قادرًا على إخراج المظاهرات وتسيير المواكب، بالرغم من محاولات التضييق والوصمة الاجتماعية والضربات السياسية الكبرى. مؤكدًا وجود فصائل إسلامية ناشطة بالمشهد السوداني.
اقرأ/ي أيضًا:"كينيث كاوندا".. رحيل آخر قادة التحرر الإفريقي
مشيرًا لظهور تيارات إسلامية شابة بعد التغيير، لها حضور متميز مثل جماعة "الإحياء والتجديد" وتيارات أخرى تدافع عن الهوية الإسلامية من منظور محلي، مثل شباب "تيار المستقبل"، ولها نشاط بارز مما أدى لاعتقال أبرز ناشطيها "معمر موسى"، وأبان الناشط الإسلامي زهير، أن ثمة تيارات إسلامية ساهمت بالثورة وقدمت الشهداء والمصابين.
زهير طه: القوى الإسلامية حاضرة داخل مكونات الحكومة الانتقالية.
ويذهب زهير طه بالقول، إن القوى الإسلامية حاضرة داخل مكونات الحكومة الانتقالية. ودلل على حديثه بحركة العدل والمساواة، مشيرًا إلى تاريخها ومرجعيتها الإسلامية، مشيرًا لزيارة رئيس الحركة ووزير المالية جبريل إبراهيم لكثير من البيوت الإسلامية والطرق الصوفية.
خانة المعارضة
ويعود الناشط وائل علي للإجابة على سؤال المحررة، هل نجح الإسلاميون بدخول خانة المعارضة؟ قائلًا إن العودة لصفوف المعارضة تحسب بحالة البلد، ففي حال توفر نظام ديمقراطي فسيكون لهم وجود بالمعارضة، أما إذا كان نظامًا دكتاتوريًا عسكريًا فلن يجدوا مكانًا بالمعارضة.
اقرأ/ي أيضًا