مع بداية فصل الشتاء، يشعر البعض بضمور في النشاط وشعور غير مبرر بالكآبة، وتصبح الأعمال اليومية بالنسبة لهم نشاطًا قاسيًا يصعب عليهم القيام به بسلاسة، وصنفت هذه الأعراض على أنها اضطراب يصيب واحدًا من كل ثلاثة أشخاص في العالم، يعرف باسم "اضطراب الاكتئاب الموسمي"، والذي يسمى أيضًا بـ"الاضطراب العاطفي الموسمي". وبحسب متخصصين تصنف أعراض الاكتئاب الموسمي الشتوي بأنها الأكثر شراسة من غيرها من الاضطرابات العاطفية الموسمية والتي تصيب البعض أيضًا في الفصول الأخرى ولكنها ليست شائعة.
تشير دراسات إلى أن النساء أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب الموسمي من الرجال
وتشير دراسات إلى أن النساء أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب الموسمي من الرجال، وذلك لعدد من الأسباب المتمثلة في العوامل البيولوجية إضافة إلى التفاعل الهرموني مع الضوء، بحيث يزيد عدد النساء في الإصابة بالاكتئاب مقارنة بالرجال بنسبة (50)%.
محاولات لتفسير الاكتئاب الموسمي
وهنالك عدد من الأبحاث التي حاولت تفسير أسباب الإصابة بهذا الإضطراب، حيث أشارت إحداها إلى وجود خلل في المنطقة المسؤولة من تنظيم العمليات البيولوجية في الدماغ (Hypothalamus) مما يؤدي إلى اضطرابات في النوم والشهية والمزاج.
فيما يرجح المتخصص في علم النفس أحمد الطاهر في حديثه لـ"الترا سودان"، أن السبب الرئيسي وراء الإصابة باضطراب الاكتئاب الموسمي مرتبط بتغيرات كيميائية تحدث في الدماغ، وذلك بسبب أن الشمس تبعث ضوءًا أقل في موسم الشتاء، إضافة إلى قصر النهار والذي يتسبب في إفراز الجسم المزيد من هرمون "الميلاتونين" المرتبط بالنوم، بحيث يفرز الجسم هذا الهرمون في ساعات الليل والتي تصبح أطول في الشتاء.
ويضيف أن المريض يعاني من عدد من الأعراض المتمثلة في العصبية الزائدة إضافة إلى فقدان الشغف وعدم الاستمتاع بالنشاطات التي كان يستمتع بها المريض سابقًا، وذلك بجانب القلق وقلة التركيز وضعف التفكير، وقد يميل المريض إلى رغبة في تناول السكريات بشكل عام وزيادة الوزن، ويصاحب بعض الحالات الشعور بالذنب. وأكد الطاهر أنه ليس من الضرورة الإصابة بجميع الأعراض.
ويضيف الطاهر أن هنالك أسباب وراثية للمرض، وأن الأشخاص المصابين باضطرابات نفسية أو عقلية هم أكثر عرضة للإصابة بالاضطراب الموسمي، وشدد على ضرورة طلب المساعدة في حال الاشتباه بالإصابه بهذا المرض.
فيما يخص النظام العلاجي المتبع في الإصابة بهذا المرض فيمكن أن يكون العلاج دوائي من خلال مضادات الاكتئاب، أو من خلال الجلسات النفسية، إضافة إلى العلاج السلوكي المعرفي الذي أثبت فعاليته في علاج الإكتئاب الموسمي، وذلك بحسب دراسات استندت على مقارنة نتائج عدد من المرضى الذين أخضعوا للعلاج الضوئي مع آخرين اعتمدوا في خطة علاجهم على العلاج السلوكي المعرفي والذي حقق نتائج أفضل. والجدير بالذكر أن العلاج بالضوء يعتمد على الجلوس أمام صندوق ينبعث منه الضوء الساطع، وفي بعض الأحيان يجلس المريض أسفل الصندوق وذلك في مدة تتراوح من (20) إلى (30) دقيقة يوميًا، وتزيد الفترة أحيانًا بحسب الحالة.
تغذية خاصة
وفي حديث لاختصاصية التغذية رفيدة محمد لموقع " الترا سودان"، أكدت أن معالجة الاكتئاب الشتوي تتطلب اهتمامًا خاصًا بالتغذية، وذلك لما تلعبه من دور كبير في تعزيز الحالة المزاجية للمريض ورفع مستويات الطاقة. وتضيف بالقول إن هنالك العديد من الأبحاث التي تشير إلى أن تضمين الأسماك والتونة في النظام الغذائي يمكن أن يكون فعّالًا نظرًا لاحتوائها على أحماض "أوميغا-3" المفيدة لصحة الدماغ.
وشددت اختصاصية التغذية على ضرورة الاهتمام بتناول الأطعمة الغنية، وتضيف رفيدة أن أشهر الشتاء يكون التعرض للشمس فيها أقل، لذلك يجب الاهتمام بتناول الأطعمة التي تحتوي على "فايتمين دال" مثل الحليب وصفار البيض، وذلك بجانب التركيز على الخضروات الورقية خاصة الداكنة منها لاحتواها على "فايتمين الفولات" والذي يلعب دورًا مهمًا في عملية تحسين المزاج.
وتؤكد رفيدة أن مضادات الأكسدة لها دور في محاربة الجذور الحرة التي تكونها أجسادنا مع التقدم في العمر، لذلك ينصح بتضمين الفواكه في النظام الغذائي خاصة التي تحتوي على "فايتمين سي" مثل الفراولة والبرتقال، حيث تحتوي على مضادات الأكسدة التي تعزز الصحة العقلية. وذلك بجانب المكسرات والبذور التي توفر الدهون الصحية والبروتينات.
كما ينصح أيضًا بالاعتماد على الحبوب الكاملة بدلًا من الخبز الأبيض كالشوفان والأرز البني - بحسب رفيدة، وذلك لدورها في تعزيز طاقة الجسم وتحسين المزاج، كما يفضل تناول الشوكولاتة الداكنة أيضًا والتي تساهم في رفع المزاج بفضل مركباتها التي تحفز إفراز السيروتونين.
وشددت أخصائية التغذية على ضرورة تجنب الأطعمة الغنية بالسكريات والدهون المشبعة لتجنب التأثيرات السلبية على المزاج والطاقة. وأكدت في حديثها على ضرورة استشارة أخصائي تغذية للحصول على نصائح مخصصة وتكامل العناية الغذائية مع العلاجات الطبية المناسبة في حال الإصابة بالمرض.
الرياضة
تلعب الرياضة دورًا كبيرًا في مساعدة المصابين بمرض الاكتئاب الموسمي على التغلب على أعراض المرض بحسبما يقول المتخصص في علم النفس أحمد الطاهر، بحيث أن جسم الإنسان يفرز الهرمونات المسؤولة عن تحسين المزاج بشكل عام. ويضيف أن الرياضة بشكل عام يمكنها أن تحسن النوم والذي يعتبر عدم انتظامه أحد الأعراض المصاحبة للاكتئاب الموسمي.
وأكد أن النشاط البدني من شأنه أن يعزز الصحة العقلية للإنسان ومساعدته على التفكير الإيجابي، إضافة إلى أنها تعطي المريض فرصة للتفاعل الاجتماعي بحيث يعاني في بعض الحالات من الميل للانعزال والبقاء وحيدًا.
أشارت العديد من الأبحاث إلى أن النظام الغذائي الجيد مع الاهتمام بالرياضة خاصة ممارسة المشي في ضوء النهار من شأنها أن تقلل بشكل كبير من أعراض الاكتئاب الموسمي
وأشارت العديد من الأبحاث إلى أن النظام الغذائي الجيد مع الاهتمام بالرياضة خاصة ممارسة المشي في ضوء النهار من شأنها أن تقلل بشكل كبير من أعراض الاكتئاب الموسمي، لذلك يفضل الاهتمام بالروتين اليومي ومحاولة تغيير نمط الحياة والانخراط في عديد من الأنشطة في حالة الشعور بأعراض، كما ينصح بمراجعة الطبيب في حال عدم التحسن.