الترا صوت - فريق التحرير
عبرت التظاهرات السودانية شهرها الأول دون أن تهدأ الاحتجاجات الشعبية أو ينحسر صداها، وقد انسحبت تداعيات الأزمة على قطاع الإعلام بصورة أكثر حِدة، حيث وجد الصحفيون داخل وخارج السودان أنفسهم عرضة للاستقطاب، إما بالاصطفاف إلى جانب المتظاهرين أو الدفاع عن الحكومة، أو الانحياز للمهنة، وكل موقف له تبعاته بالضرورة.
شملت ملاحقة السلطات السودانية للصحفيين المؤيدين للتظاهرات، حتى أولئك المقيمين أو الذين يعملون في الخارج
كان الصحفيون الذين دافعوا عن الحكومة أكثر عرضة للنقد والهجوم، تحديدًا في مواقع التواصل الاجتماعي، بينما تعرض الذين تمسكوا بحقوقهم المهنية في تغطية الأحداث، عبر الصحف والفضائيات، للمصادرة والإيقاف، مثل ما جرى لصحيفتي الجريدة والتيار ولعديد الكتاب والإعلاميين.
اقرأ/ي أيضًا: أمام رفض البشير للتنحي.. تصعيد ميداني نحو العصيان المدني
مصادرة الأقلام والحناجر
منع جهاز الأمن السوداني الإعلامي الواثق جار العلم من الظهور في قناة أم درمان بسبب مواقفه المؤيدة للتظاهرات، وأوقف الصحفي محمد عبد الماجد من الكتابة في صحيفة "الانتباهة" إلى أجل غير مسمى، وكذلك زميلته الصحفية سهير عبد الرحيم. بينما كان هذا الإيقاف هو الثالث منذ بداية الشهر الجاري، حيث منع جهاز الأمن سهير من الكتابة لثلاثة أيام على خلفية مقال "هل سيقعد؟"، في إشارة للرئيس البشير، والشعارات المرفوعة في وجهه "تسقط بس". وبعد عودتها للكتابة تم إيقافها مجددًا لمدة أسبوع عقب مقال آخر "الاغتصاب ده هو كيف؟"، قبل أن تم إيقافها بصورة نهائية يوم الخميس الماضي.
وإزاء حملة "رد الجميل" لصحيفة الجريدة التي ظلت تتكبد خسائر فادحة بسبب رفضها التوجيهات الأمنية، كتب الناشط السياسي كمال الزين على جدار صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، مناديًا بالوقوف مع "الجريدة" وتعويضها من قبل القراء، قائلًا إنه "يجب رد الجميل لصحيفة الجريدة، فهى طبيب جراحنا، و دفعت ثمن المرحلة كاملًا، دون غيرها من الصحف التي وإن لم تخن دماء الشهداء، فإنها لم تكن وفية أمينة لهم". واقترح الزين إنشاء قناة على موقع "يوتيوب" باسم الجريدة ودعمها، على أن تأخذ الصحيفة من ذلك العائد ريعها كاملًا، مضيفًا: "علينا المساهمة في دفع رواتب صحفييها الكرام، فقد تضرروا من موقفهم المبدئي وإنحيازهم للحق أولًا، و لنا نحن مواطني وشعب السودان. لصحيفة الجريدة دين بأعناقنا".
النشرات الحمراء
من جانبها، شعرت السلطات السودانية بكثافة التغطية الإعلامية من الخارج، والتي تفوقت على الإعلام الداخلي المقيد بالقوانين المحلية، لذلك لجأت إلى نشر كشوفات لإعلاميين بالخارج، قالت إنها قيدت بلاغات ضدهم. وأشار خبر نشره العديد من المواقع الصحفية إلى أن نيابة أمن الدولة قيدت بلاغا بالرقم (/201811) في مواجهة (38) متهمًا تحت المواد (66-69-77) من القانون الجنائي لسنة 1991، والمادة (17) من قانون جرائم المعلوماتية لسنة 2007 .
تضمنت لائحة الاتهام تجاه الإعلاميين والناشطين عدة محاور، منها "التحريض والإزعاج العام ونشر الأخبار الكاذبة والإخلال بالسلام والطمأنينة العامة وإشانة سمعة شخصيات طبيعية واعتبارية" .
كما شملت أيضًا صحفيين وناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي، منهم 28 مقيمين خارج السودان أُصدرت في مواجهتهم نشرات حمراء (أوامر قبض) دون أن تكشف عن هويتهم، ومما رشح من معلومات، فإن بعضهم يعمل في قنوات فضائية عربية. وحذر مصدر قانوني مسؤول المواطنين والمقيمين من الضلوع في أي نشر أو نقل مخالف للقانون من شأنه التشجيع والتحريض على العنف والتخريب.
إشانة سمعة وتجاهل القتل
أبدى الكاتب الصحفي السوداني الطاهر ساتي دهشته من سرعة تحريك بلاغات ضد إعلاميين بالخارج أشانوا سمعة البعض، بينما لم تتحرك بلاغات التحقيق في قتل المتظاهرين سلميًا، وكتب الطاهر: "اجتهدت أجهزة الدولة، ورصدت نشاط هؤلاء ثم أحصتهم عددًا، فوجدتهم 28 صحافيًا و ناشطًا، وحددت عناوينهم بالخارج، ثم أصدرت ضدهم ما أسمتها بالنشرة الحمراء، فيا لهذا الجهد الدؤوب.. ويا لهذا النشاط، حين يكون المجني عليه، النظام الحاكم".
وتساءل الطاهر ساتي: "إذا كانت الهمة القانونية التي ترصد نشاط البعض بالخارج، ثم تعدهم واحدًا تلو الآخر، ثم تشرع في ملاحقتهم، فلماذا لا تكون هذه الهمة بذات الحرص على تحقيق العدالة حين يكون المجني عليهم بعض أبناء الشعب؟" مبديًا دهشته ممن "يهددون من بالخارج بالقانون والعدالة ويلاحقونه بالإشارة الحمراء، وكأن من بالخارج هم من قتلوا الأنفس بغير حق، أو هم من سرقوا أموال الناس والبلد".
اقرأ/ي أيضًا: عام الثورة على المأساة في السودان
حملة تخويفية
من جهته وصف الصحفي المهاجر حافظ أنقابو الحديث عن نشرة حمراء لاستعادة سودانيين مقيمين في الخارج بالحملة التخويفية، وقال حافظ أنقابو في حديثه لـ"ألترا صوت" إن خبر النشرة في الغالب عبارة عن حملة لتخويف الناشطين والصحافيين من دعم الحراك الذي يشهده الشارع السوداني حاليًا، إذ فضحت قناة "سودانية 24" التي نشرت الخبر يوم الجمعة نفسها عندما ناقش برنامج "حال البلد" هذا الخبر، واستضاف أحد العاملين في "كتائب الجهاد الإلكتروني"، وبذلك تكون القناة قد كشفت للناس مصدر الخبر الذي تلقته حصريًا.
"الجهاد الإلكتروني" في السودان هي منظمومة إعلامية تتمتع بقدرات عالية في نشر الفبركات، وتعمل بجد واجتهاد في الأزمات لبث الشائعات لصالح البشير
وأوضح أنقابو أن ما يسمى بغرف "الجهاد الإلكتروني" هي منظومة إعلامية تتمتع بقدرات عالية في نشر الفبركات، وتعمل بجد واجتهاد في الأزمات لبث الشائعات والأخبار والصور ومقاطع الفيديو غير الصحيحة. أما بالنسبة للنشرة الحمراء والبلاغات في حال كانت صحيحة، فإنه "من المنطقي أن يكون مصدرها الشرطة السودانية، أو نشرات الإنتربول" وهذا لم يحدث بعد، ما يعني أن الأمر برمته محض شائعة للتخويف لا أكثر.