يُعرّف التحرش الجنسي على أنه أي صيغة من الكلمات أو الأفعال غير المرغوب فيها ذات الطابع الجنسي وتنتهك جسد شخص ما أو خصوصيته أو مشاعره وتُشعره بعدم الارتياح أو التهديد أو عدم الأمان أو عدم الاحترام أو الترويع أو الإهانة أو الإساءة أو الترهيب أو الانتهاك أو أنه مجرد جسد.
يمكن للتحرّش الجنسي أن يأخذ أشكالًا مختلفة وقد يتضمن شكلًا واحدًا أو أكثر في آنٍ معًا
وعرّفت الأمم المتحدة التحرش الجنسي للمرأة في مؤتمر القضاء على جميع أنواع العنصرية ضد المرأة في التوصية العامة بالرقم (19) على أنه: "أيّ فعل جنسي غير مرحب به كالاتصال الجسدي أو التلميحات أو التعليقات الجنسية الخاصة باللون، وعرض الإباحية والطلبات الجنسية سواء كان بالقول أو الفعل". وقالت إن "هذا الفعل قد يكون مُذِلًا وقد يؤدي إلى مشاكل صحية وأمنية، إنه نوع من أنواع التمييز عندما تعتقد المرأة أن اعتراضها على مثل تلك الأفعال سيسبب لها أضرارًا في العمل ومن ضمنها التعيين أو الترقية أو خلق جو عمل عدائي".
أنواع التحرش الجنسي
يمكن للتحرّش الجنسي أن يأخذ أشكالًا مختلفة وقد يتضمن شكلًا واحدًا أو أكثر في آنٍ معًا، وتتضمن: النظرات المتفحّصة وتعبيرات الوجه والنداءات والتصفير أو الهمس والتعليقات أو الملاحظات الجنسية والملاحقة أو التتبع والدعوة إلى ممارسة الجنس والاهتمام غير المرغوب فيه وعرض الصور الجنسية أو طلبها والمكالمات الهاتفية أو الرسائل النصية التي تحمل اقتراحات أو تهديدات جنسية واللمس والتعري أو إظهار أعضاء حميمية من الجسم أمام شخص من دون رغبته والترهيب والتهديد بأي نوع من أنواع التحرش/ الاعتداء الجنسي.
أماكن حدوث التحرش الجنسي
قد يقع التحرّش الجنسي أو أيّ شكل من أشكال العنف الجنسي في أيّ مكان، سواء في الأماكن العامة أو الخاصة، مثل: الشوارع، وأماكن العمل، والمواصلات العامة، والخلاوي، والمدارس، والجامعات، والمطاعم، والأسواق التجارية، والنوادي، وأماكن الترفيه، وداخل المنزل، بل حتى في صحبة الآخرين (العائلة، الأقارب والزملاء)، وعبر الإنترنت، وغيرها من المساحات العامة والخاصة.
التحرش الجنسي في مكان العمل
عرّفت لجنة تكافؤ فرص العمل الأمريكية التحرش الجنسي في مكان العمل على أنه:" تلميح جنسي غير مرحب به أو طلب خدمة جنسية أو أي سلوك أو قول -واضح أو ضمني- له طبيعية جنسية ويؤثر على وظيفة الشخص ويتداخل بشكل غير معقول في أدائه للعمل أو يخلق جو عمل عدائي ومخيف".
ويُعدّ التحرش الجنسي في مكان العمل شائعًا خاصةً ضد النساء من رؤسائهن المباشرين أو ممن هم أعلى سلطة في مكان العمل وحتى من الزملاء.
وفي معظم الدول، تكون هناك لوائح صارمة -بالإضافة إلى القوانين- بشأن التجاوزات ذات الطابع الجنسي التي تصدر عن المدراء ضد مرؤوسيهم أو من الزملاء في مكان العمل. لكن في السودان، لا تبدو هذه ثقافة شائعة. وإمعانًا في المفارقة، فقد أثيرت اتهامات بشأن تعرض فتيات للتحرش في مراكز نسوية معنية -في الأساس- بتعزيز حقوق النساء وحمايتهن من جميع أنواع العنف، ولم تتخذ تلك المراكز -برأي ناشطين حقوقيين- إجراءات تناسب هذه المزاعم الخطيرة.
التحرش باللاجئات
يقع التحرش على النساء من كل جنسٍ ولون، ولكنه يقع بنسبة أكبر على "الضعيفات" و"المهمشات" -وفق الصورة النمطية في المجتمع. وتعاني العاملات في المهن "الهامشية" في القطاع غير المهيكل من التحرش الجنسي بصورة شبه يومية، أما اللاجئات والعاملات في هذه المهن فهن الأكثر عرضة للتحرش الجنسي، ويكون التحرش بالنسبة إليهن روتينًا يوميًا لا فكاك منه. ولا يلجأن عادةً إلى الشكوى أو طلب الحماية لاعتقادهن بأنهن لن يحظين بأي دعم في مواجهة رجل من أهل البلد.
يرى ناشطون أن المشكلة ليست فقط في تصرف المتحرش إنما في البيئة الاجتماعية والثقافة السائدة التي يتم فيها التحرش الجنسي
الإطار القانوني
يرى ناشطون حقوقيون ضعفًا في التشريعات السودانية فيما يلي العنف المبني على النوع الاجتماعي، خاصةً التحرش الجنسي؛ إذ لا توفر التشريعات السودانية الحماية القانونية الكافية للنساء في الشوارع أو أماكن العمل والساحات العامة. والمسألة ليست محصورة في نصوص القانون بل في الإطار الكامل للعدالة في الدولة وأداء الأجهزة العدلية وأجهزة إنفاذ القانون وفي التدابير والإجراءات القانونية المفترض بها توفير الحماية اللازمة للشاكية/ الشاكي، فضلًا عن السياقين الاجتماعي والثقافي.
جرّم القانون الجنائي السوداني التحرش الجنسي في عام 2015 بتعديله للمادة (151) التي تنص على أنه: "يُعدّ مرتكبًا جريمة التحرش الجنسي كل شخص يأتي فعلًا أو قولًا أو سلوكًا يشكل إغراءً أو دعوةً لشخص آخر لممارسة غير مشروعة للجنس أو يأتي سلوكًا مشينًا أو غير لائق له طبيعة جنسية يؤدي إلى إيذاء الشخص المجني عليه نفسيًا أو يعطيه إحساسًا بعدم الأمان؛ يُعاقب بالسجن لمدة لا تتجاوز ثلاث سنوات والجلد".
أما قانون الطفل السوداني لسنة 2010 فقد غلّظ العقوبة على التحرش بالأطفال وقد تصل إلى السجن إلى (15) سنة، ولكنه جرّم التحرش الجنسي من دون أن يُعرّفه، ويؤخذ بالتعريف الوارد في القانون الجنائي – بحسب ما يقول قانونيون.
حياة غير مرئية
ظهر مؤخرًا وسم (هاشتاق) "حياة غير مرئية" كآلية للتضامن من خلال المصارحة ومشاركة قصص التحرش الجنسي، وكأداة للمقاومة والحماية مما أسمته بعض الناشطات "العنف الذكوري".
حكى الكثيرات عبر هاشتاق "حياة غير مرئية" عما تعرضن له من تحرش جنسي في طفولتهن أو مراهقتهن وعن الصدمة والأثر النفسيين لهذه التجارب والندوب التي خلفتها وحملنها معهن طوال حياتهن.
"يُساهم هذا الحراك في تعرية هذا السلوك وفضحه في مجتمع يدعي الطهرانية وهو بعيدٌ عنها" تقول إحدى المشاركات، وترى في "الحكي" ومشاركة التجربة فرصةً للتعافي من آثار التحرش/ الاستغلال الجنسي المدمرة وبدايةً لاستعادة الحياة والمضي قدمًا فيها.
الوصمة الاجتماعية للتحرش الجنسي
تجنح المجتمعات المحافظة إلى "لوم الضحية" للشعور بالراحة وعدم اتخاذ إي إجراءات ضد الجناة. وأحد تفسيرات علم النفس الاجتماعي لظاهرة لوم الضحايا هو نظرية "العالَم العادل" التي تقول إن اتجاه الناس إلى لوم الضحايا ينطلق من رغبتهم في الشعور بالاطمئنان بأن ما تعرض له الضحايا لن يحدث لهم أيضًا، لذلك يبحثون عن مشكلة أو خطأ أو عيب في الضحية يجعلها مستحقة للجريمة؛ فبعض الناس لا يستطيع استيعاب فكرة أن تحدث أشياء سيئة لأناس طيبين.
لذلك تلاحق الضحايا/ الناجيات من العنف الجنسي -بما في ذلك التحرّش- وصمة اجتماعية ولا يُنظر إليهن في الغالب كضحايا، وعادةً ما يُلقي باللائمة عليهن وربط ما حدث لهن بطريقة لبسهن وبالسفور والزينة، وكأن المتحرش مسلوب الإرادة لا يملك من أمره شيئًا إزاء امرأة "متبرجة".
تصديق الناجيات
يُعدّ مبدأ "تصديق الناجيات" مفهومًا معقدًا وملتبسًا لدى كثير من الرجال. ويواجه انتقادات لاذعة بسبب الاعتقاد الشائع بأنه لا يتيح مجالًا للطرف الآخر للدفاع عن نفسه وتبرئتها أمام المجتمع.
فيما يرى ناشطون أن المشكلة ليست فقط في تصرف المتحرش إنما في البيئة الاجتماعية والثقافة السائدة التي يتم فيها التحرش. وبالنسبة إليهم فالتحرش الجنسي "فعل جماعي" وجريمة سياسية/ عامة بقدر ما هو اعتداءٌ جنائيٌّ شخصي.
والثقافة السودانية مصمّمة لحماية المتحرشين والدفاع عنهم، ولإسكات الضحايا/ الناجيات وقمعهن - على ما يقول ناشطون حقوقيون.
وتصديق الناجيات هو سلاح المقاومة الثورية للنساء في العالم ضد الانتهاكات الجنسية ومحاولات إسكاتهن والتضييق على مشاركتهن في الفضاء العام - بحسب أحد الناشطين. والغرض من "تصديق الناجيات" هو توفير الحماية والدعم للناجيات وتشجيعهن على الحديث رغم آليات القمع الاجتماعي التي تدافع عن المتحرشين. ويضيف: "نحن نصدق الناجيات لنخلق بيئة آمنة للنساء ليتحدثن بحرية ولأننا نعرف أن التحرش يحدث".
آليات حماية بديلة
تُعدّ الوسوم (الهاشتاقات) التي تتضمن مشاركة الضحايا/الناجيات من التحرش الجنسي ضمن آليات الحماية البديلة في ظل ضعف الحماية القانونية. ومن قبل هاشتاق "حياة غير مرئية" شاركت العديد من الفتيات في الحملة العالمية (Me too) "أنا أيضًا" التي انتظمت مواقع التواصل الاجتماعي؛ لمشاركة تجاربهن مع العنف الجنسي والتضامن مع بعضهن. ووجدتُ تفسيرًا للمشاركة الكثيفة في هذه الحملات في قول أنطون تشيخوف: "يشعر الأشخاص الذين جمعتهم مأساة مشتركة بنوعٍ من الارتياح عندما يجتمعون معًا".
التضامن المشترك -من النساء والرجال- ضد هذه الانتهاكات هو الضامن الوحيد للحد من ظاهرة التحرش الجنسي
ومع تصاعد نسب التحرش أو ربما علو صوت الضحايا/ الناجيات ربما بسبب توافر وسائل التعبير المختلفة من دون قيود، تزيد الحاجة إلى ابتكار وسائل حماية ومقاومة جديدة في ظل ضعف الحماية القانونية وتواطؤ الثقافة المجتمعية مع الجناة وفق فقه السُّترة ومداراة العيوب. هذا التضامن المشترك -من النساء والرجال- ضد هذه الانتهاكات هو الضامن الوحيد للحد من ظاهرة التحرش الجنسي – على ما يظن ناشطون حقوقيون.