تعتبر المناوشات العسكرية التي وقعت بين الجيش اليوغندي والقوات الحكومية لدولة جنوب السودان في بلدة (فوغي) الواقعة بمقاطعة (مقوي) التابعة لولاية شرق الاستوائية. واحدة من مظاهر التصعيد الجديد بين جوبا وكمبالا، بالرغم من المحاولات الدبلوماسية التي يقوم بها الطرفان في الخفاء لاحتواء الأزمة التي تتجاوز أبعادها مسالة النزاع الحدودي، وأدت إلى مصرع اثنين من القوة الحكومية التابعة لقوات جنوب السودان، بعد أن أطلقت عليها دورية أوغندية النار بحجة توغلها داخل أراضيها، الشيء الذي نفاه لول رواي، المتحدث باسم جيش جنوب السودان في تصريحات لوسائل الإعلام بجوبا، كما اتهم القوات الأوغندية بالتدخل في أراضي جنوب السودان في تحركات وصفها بالمشبوهة.
وجود نزاعات حدودية واضحة لم تقف في يوم عائقًا أمام البلدين في توطيد علاقات التعاون السياسي والعسكري
بالنسبة للمتابعين لملف العلاقة بين جوبا وكمبالا فإن وجود نزاعات حدودية واضحة لم تقف في يوم من الأيام عائقًا أمام حكومتي البلدين في توطيد علاقات التعاون السياسي والعسكري بينهما، فقد سبق وأن استعانت جوبا بالقوات الأوغندية في الحرب التي شهدتها البلاد في العام 2013 لتقاتل إلى جانبها في مواجهة المتمردين في مناطق جونقلي وأعالي النيل، مثلما تتهم المعارضة الأوغندية الرئيس موسفيني بالاستعانة بقوات من الجيش الشعبي في تامين العملية الانتخابية الأخيرة، وقد ظلت أوغندا تقف إلى جانب حكومة جنوب السودان وتدعم مواقفها بشكل مستمر تعزيزًا للتحالف القائم بين رئيسيها، كان آخرها التدخلات التي قام بها موسفيني في العام 2019 من خلال المقترحات التي دفع بها، والتي تم تضمينها في وثيقة السلام المنشطة.
اقرأ/ي أيضًا: مشروع لتمليك المعلومات الصحيحة بخصوص جائحة كورونا للمجتمعات المحلية
يفسر هذا التوتر الأخير في العلاقات بين البلدين، والذي بدأ كجفوة سياسية انقطع معها الرئيس الأوغندي عن المشاركة في بعض الملفات والأحداث الهامة التي استضافتها دولة جنوب السودان، من بينها على سبيل المثال لا الحصر مباحثات السلام التي استضافتها جنوب السودان بين الحكومة السودانية الانتقالية وحركات الكفاح المسلح والتي تم تتويجها بتوقيع اتفاق جوبا للسلام بمشاركة بعض القادة الإقليميين، وكان اللافت في الأمر هو تخلف الرئيس الأوغندي يوري موسفيني عن المشاركة في تلك الفعالية، ليس هذا فحسب بل أن صمته هو وحكومته في التعليق على ما حدث، يثير العديد من الأسئلة المرتبطة بوجود أسباب عديدة تقف وراء تلك الجفوة والقطيعة ربما إحساس أوغندا بتجاوز دورها المحوري في جنوب السودان، إلى جانب الانزعاج اليوغندي من حالة التقارب الحالية بين جوبا والخرطوم ، خاصة بعد توقيع البلدين على عدد من الاتفاقيات في المجال التجارة والأمن، من بينها فتح المعابر الحدودية أمام حركة التجارة، إلى جانب بعض الاتفاقات الأمنية في مجال التدريب وبناء القدرات ومحاربة التهريب والجرائم الحدودية، وهو تقارب طبيعي ومتوقع أن يجيء نتيجة للتحسن الطفيف الذي طرأ على العلاقات بين جوبا والخرطوم. بعد سقوط النظام البائد في السودان ودخول السودان في مرحلة انتقالية جديدة، أسست لنظرة مختلفة لعلاقات السودان مع دول الجوار الإقليمي، وهو محور يبدأ بالضرورة من جنوب السودان الذي تربطه علاقات وطيدة مع السودان لا تخلو من المصالح المشتركة والمتبادلة على المدى البعيد.
اقرأ/ي أيضًا: سجال على المنصات الاجتماعية بسبب "كرسي متحرك" في مؤتمر بالخرطوم
تتمحور جذور الأزمة الراهنة بين جوبا وكمبالا في أن الحكومة الأوغندية ممثلة في الرئيس موسفيني، كانت تنظر إلى انفصال جنوب السودان عن السودان نظرة مختلفة، إذ أن تصوراتها لتاريخ الصراع الطويل بين الشمال والجنوب تعتبر أن العداء هو العنوان الأبرز لتلك العلاقة التي يجب أن تنتهي بمجرد إعلان جنوب السودان ككيان سياسي قائم بذاته، وهو فهم ساهمت فيه أيضًا قيادة الحركة الشعبية التي اعتقدت في مرحلة من المراحل أن استقلال جنوب السودان وانضمامه إلى دول شرق إفريقيا يعني أن مصالحه قد تحولت إلى المحور الجديد الذى انتهج سياسة النهب المتعمد لثروات البلاد ومقدراته بالاشتراك مع قادة الحركة الشعبية التي تقود البلاد، وقد وصلت تلك العلاقة مرحلة من الوصاية في التعامل مع جنوب السودان كالقاصر تمامًا، عليه فإن أي محاولة للعودة والاستقلال بالقرار السياسي ستعتبر من قبل دول المحيط الإقليمي انتقاصًا من قدرهم وتجاوزًا للدور الذي أوكلوه لهم قادة جنوب السودان بمحض اختيارهم.
هي مسالة من الصعب أن تحدث إذا ما قارننا المزايا التي قد يجنيها جنوب السودان من الانفتاح على السودان في الجوانب المتعلقة باستخدام ميناء بورتسودان لاستيراد البضائع للمناطق الحدودية التي تربط البلدين.
ينهض اقتصاد أوغندا بالكامل على الاستفراد بالسوق في جنوب السودان، أن لم يكن السيطرة الكاملة عليه
حاليًا قد تتوقع الحكومة الأوغندية أن تسارع جنوب السودان بتقديم المزيد من التنازلات من خلال المطل في تنفيذ تلك الاتفاقيات المبرمة مع السودان لصالح ميزانها التجاري واقتصادها الذي نهض من خلال الاستفراد بالسوق في جنوب السودان، أن لم نقل السيطرة الكاملة عليه، من حيث الإمداد بالبضائع والسلع الاستهلاكية الضرورية الأخرى، وهي مسالة من الصعب أن تحدث إذا ما قارننا المزايا التي قد يجنيها جنوب السودان من الانفتاح على السودان في الجوانب المتعلقة باستخدام ميناء بورتسودان لاستيراد البضائع للمناطق الحدودية التي تربط البلدين، إلى جانب المزاج الاستهلاكي في جنوب السودان وانعدام روح التنافس والعداء السياسي بين جوبا والخرطوم في الوقت الحالي وعلى المدى القريب.
اقرأ/ي أيضًا
الأجهزة الأمنية المصرية تمنع السودانيين من التجمهر بمنزل الطفل القتيل بالقاهرة