انخرط مسؤولون سودانيون وروس في مباحثات شملت (11) ملفًا في موسكو في الأيام الماضية، حيث أكدت المباحثات التي انتهت أمس الجمعة بالتوقيع على عدد من الاتفاقيات والبروتوكولات؛ على "تسريع وتيرة التنفيذ من الجانب الروسي".
ويتقارب العسكريون السودانيون والنظام الروسي في الأشهر الأخيرة، خاصة بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بالحكومة المدنية المدعومة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية.
محلل سياسي: السلطة العسكرية الحاكمة لديها أدواتها لإقناع الأسرة الدولية بالوثوق فيها عبر مكافحة الإرهاب
ويواجه النظام العسكري في السودان بعد 25 تشرين الأول/أكتوبر، تهديدات الإدارة الأميركية، خاصة نواب الكونغرس بفرض عقوبات شخصية على القادة العسكريين والمدنيين الذين يعرقلون التحول الديمقراطي في البلاد، لكن التهديدات الأميركية في ذات الوقت تنتظر العملية السياسية المرتقبة للوصول إلى حل بين العسكريين والمدنيين، مفضلة إرجاء "العصا" إلى وقت لاحق، ما يجعل واشنطن حريصة على الحكم المدني في السودان ضمن مساعيها الحثيثة لإبعاد روسيا عن المنطقة.
وتتهم الولايات المتحدة روسيا بالاستحواذ على الذهب السوداني لبناء احتياطيات ضخمة لخوض الحرب في أوكرانيا منذ شباط/فبراير مطلع هذا العام، لكن مسؤولون سودانيون قللوا من هذه الاتهامات ويقولون إن موسكو تتعاون مع الخرطوم في إطار "مصالح متبادلة".
وقلل مبارك أردول مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية -وهي شركة حكومية معنية بالرقابة والإيرادات في قطاع الذهب- قلل من تقارير إعلامية أميركية سلطت الضوء على الذهب المهرب من السودان إلى روسيا.
وكانت موسكو تدخلت في جلسة مجلس الأمن الدولي الذي انعقد بشكل طارئ بعد أسبوع من الانقلاب العسكري في 25 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وتمكن المندوب الروسي من استخدام الفيتو إلى جانب الصين لإبطال تسمية ما حدث بالانقلاب العسكري.
وأكد النائب الأول للمندوب الدائم لروسيا لدى الأمم المتحدة "دميتري بوليانسكي" للصحفيين قبل تلك الجلسة التي عقدت في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، أن تسمية ما حدث في السودان بالانقلاب "أمر مستبعد"، مطالبًا الطرفين بعدم استخدام العنف، ويقصد المحتجين والعسكريين معًا.
هذه التصريحات التي كانت متوقعة من موسكو حيال الثورة الشعبية في السودان لم تكن مفاجئًة للمدنيين الذين لديهم "أمل في التأثير الأميركي" على الملف السوداني المعقد.
ويرى المحلل السياسي مصعب عبد الله في حديث لـ"الترا سودان"، أن النظام العسكري الذي يظهر في "كابينة واحدة" في الوقت الراهن يحاول التمدد نحو روسيا والصين لوضعهما على "أهبة الاستعداد" إذا مضى في مشروعه السياسي بتوطيد أركان سلطته.
ويعتقد عبد الله أن روسيا ليست بإمكانها تقديم مساعدات اقتصادية ملموسة للسودان لأنها تقاربت أيضًا مع الرئيس المخلوع عمر البشير في 2017، والذي طلب رسميًا حماية السودان من التدخلات الأميركية ولم يجد مساعدة تذكر.
وقال المحلل السياسي إن السودان طلب بالتزامن مع بداية الأزمة الاقتصادية وانهيار الجنيه في 2015، مساعدات من روسيا بقيمة مليار دولار عبارة عن شحنات من القمح، لكن موسكو لم تُبد رغبة في الاستجابة.
وتراهن الولايات المتحدة الأميركية على وعود سودانية تلقتها من العسكريين بالمضي قدمًا في تسليم السلطة للمدنيين وخروج الجيش من العملية السياسية، لكن حتى هذه الوعود لا توجد حيالها ضمانات بتحققها قريبًا في ظل اعتماد العسكريين على انقسامات المدنيين.
ويشير المحلل في العلاقات الدولية فضل حسن في حديث لـ"الترا سودان"، إلى أن العلاقات السودانية الروسية خلال ثلاثة أعوام فقط تؤكد أن موسكو حققت مكاسب اقتصادية هائلة دون "مراعاة لمصالح الخرطوم"، لأن روسيا عادة تتمدد حسب مصالحها فقط ولا تكترث للآخرين.
ويرى حسن أن موسكو لا تعتمد على العلاقات الدبلوماسية وفق القنوات الرسمية لأن مصالحها متعلقة بصفقات الأسلحة والموارد المعدنية، لذلك تتعامل في أفريقيا مع "الجنرالات" لتحقيق مصالحها مباشرة دون المرور بالقنوات الدبلوماسية والمؤسسات الحكومية.
ويتزامن التقارب السوداني الروسي مع عزلة دولية تعاني منها موسكو منذ شباط/فبراير الماضي بسبب الحرب في أوكرانيا.
محلل: موسكو تبحث عن مصالحها في السودان دون مراعاة لمصالح الخرطوم
ويؤكد المحلل السياسي مصعب عبد الله، أن "السلطة الحاكمة" في السودان غير منشغلة بالمواضيع المتعلقة بتحسين الوضع الاقتصادي أو توفير رعاية اجتماعية وصحية لملايين السودانيين، أو خطة اقتصادية تنهي الوضع المعيشي القاسي، بقدر انشغالها بترسيخ نظامها السياسي وصولًا إلى الانتخابات في 2024.
وتابع: "لذلك نراه يتقارب مع روسيا متجاهلًا الدعوات الأميركية، فالسلطة الحاكمة تكسب الوقت لتفرض خياراتها على المجتمع الدولي وتعود إلى الأسرة الدولية وفق صفقة تمتلك فيها أدواتها، وهي الأدوات الأمنية وحماية المنطقة من الإرهاب".