يضرب المواطنون المثل بمحصول البصل الذي كان يُوزَّع مجانًا في بعض الأوقات نتيجة غزارة الإنتاج، واليوم يُباع جوال واحد بقيمة تتجاوز الـ (150) ألف جنيه في ولايات جنوب وشمال كردفان.
أسعار السلع الغذائية تجاوزت قدرة المواطنين على الشراء
أما غاز الطهي، فلم يحصل عليه المواطنون مثلًا في مدينة الأبيض قرابة العام، كما تقول نادين لـ"الترا سودان". إن موقد النار المصنَّع محليًّا من المعدن الخفيف، ويطلق عليه "الكانون" أو "المنقد" في المنزل، لا يطفئون ناره طيلة اليوم حتى وقت متأخر من الليل منذ الصباح الباكر.
يعود السبب إلى بقاء الموقد مشتعلًا دون إطفاء في منزل عائلة نادين بمدينة الأبيض الواقعة تحت سيطرة الجيش، إلى صعوبة إشعال النار والحاجة إلى طهي الطعام والشاي والقهوة طيلة اليوم، كما يستعيره الجيران لبعض الوقت خلال اليوم.
وتضيف نادين: "الناظر إلى السودان اليوم يرى عودة المواطنين سنوات إلى الوراء. في بعض الأحيان، لا يمكن إضاعة الأشياء بسهولة. لا يمكن إهدار لتر من المياه بسهولة لأنها لا تتوفر بسهولة".
طبقًا لنادين، ربما وفر فصل الخريف المياه للمواطنين في مدينة الأبيض وقرى كردفان بالاعتماد على المصادر المائية التي تتكون في هذا الوقت، والتي منحتهم بعضًا من الراحة في بحث عن المياه طيلة اليوم بالوقوف في طوابير، سواء في تلك القرى التي تذهب بعيدًا بحثًا عن "الكراجكة" أو انتظار آبار الحي.
أما طحين الحبوب، فهذا الأمر يحتاج إلى شرح مطول حسب نادين؛ حيث أعاد بعض التجار تشغيل مطحنة الحبوب بالمولد الكهربائي وشراء الجازولين بأسعار عالية. تُباع صفيحة الوقود بـ (80) ألف جنيه، وتكفي ليوم واحد إذا عملت المطحنة عشر ساعات.
لا تزال الأبيض خارج شبكة الكهرباء بسبب الأعطال في الخطوط الرئيسية ووقوعها على مقربة من مناطق تمركز الدعم السريع
منذ شهرين، لا تزال الأبيض خارج شبكة الكهرباء بسبب الأعطال في الخطوط الرئيسية ووقوعها على مقربة من مناطق تمركز الدعم السريع. اختفت المبادرات الأهلية لصيانتها لصعوبة التواصل بين الأطراف العسكرية.
ومع ذلك، تعكس نادين بعض الأمل قائلةً: "الحياة حاليًّا أفضل من الأسابيع الماضية؛ توفرت المياه واعتدنا على طهي الطعام بالموقد ونسينا الغاز والفحم. بعض الناس يحرقون الحطب للحصول على الفحم لاعتقادهم أنه يدوم وقتًا طويلًا".
تعتبر مدينة الأبيض الواقعة على بعد (600) كيلومتر غرب العاصمة الخرطوم من المراكز التجارية، خاصة في سوق المحاصيل. كما شهدت في السنوات الأخيرة تطورًا في حركة التشييد والعمران.
بالمقابل، بعد (15) شهرًا من الحرب، تتجه المدينة إلى الموت، ولم تعد الحياة تلك التي عاشها السكان في السنوات الأخيرة، ويفضل الناس مغادرتها إلى خارج البلاد مثل دول ليبيا وتشاد ومصر وجنوب السودان.
وبقيت الأبيض عاصمة شمال كردفان تحت سيطرة القوات المسلحة لطبيعة القوات العسكرية التي يطلق عليها اسم "الهجانة"، وهي معروفة بالقوة العسكرية والقتال بشراسة، إلى جانب وجود دوافع لدى هذه القوات في الدفاع عن المدينة.
أما في مدينة أبو جبيهة بولاية جنوب كردفان، والتي تقع على أقصى حدود الولاية مع جنوب السودان، فلا يمكن الحديث عن أسعار السلع بعد أن قفزت إلى أرقام فلكية كما يقول المواطنون. شهدت هذه المدينة حركة مقاومة مدنية واسعة خلال ثورة ديسمبر، لكن مع تدهور الوضع الأمني والاقتصادي، علاوة على الانقلاب الذي قاده قائد الجيش عبد الفتاح البرهان متحالفًا مع خصمه حاليًّا الجنرال حميدتي في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021، أدى إلى ضعف حركة المقاومة بالاعتقال والبطالة التي أدت إلى هجرة الشبان الفاعلين.
تعتبر مدينة أبو جبيهة من المناطق الشهيرة بإنتاج المانجو في السودان لدرجة عدم القدرة على نقل الشحنات إلى الولايات المجاورة، لأن تكلفة النقل تكون أعلى من قيمة الشحنات.
لم تنشغل الدولة المركزية خلال السنوات الماضية بمطالب السكان في أبو جبيهة بإنشاء طريق بينها وبين شمال كردفان، والذي كان سيوفر العناء على المواطنين ونقل المنتجات الزراعية بسهولة. وفق شهادات الناشطين، فإن تكلفة الطريق لا تتعدى (50) مليون دولار.
يقول عمران من مدينة أبو جبيهة لـ"الترا سودان" إن الأسواق اشتعلت بأسعار السلع الاستهلاكية بسبب إغلاق الطرق بين الولايات عقب تمدد الدعم السريع في غرب كردفان وشمال كردفان.
مواطن: أبو جبيهة تعتمد على استيراد السلع من أسواق جنوب السودان، لكن ارتفاع سعر الصرف انعكس على الشحنات القادمة من هناك
وأشار إلى أن أبو جبيهة تعتمد على استيراد السلع من أسواق جنوب السودان، لكن ارتفاع سعر الصرف انعكس على الشحنات القادمة من هناك، وبلغ سعر جوال السكر (150) ألف جنيه والبصل (150) ألف جنيه مع ندرة في بعض المواد الغذائية.
يرى عمران أن مشكلة ارتفاع الأسعار تؤدي إلى تفشي ظاهرة النهب والعصابات في الأسواق والطرق، مشيرًا إلى أن المدينة تعاني من أزمة الكهرباء والوقود أيضًا.
تسيطر القوات المسلحة على ولاية جنوب كردفان وعاصمتها كادوقلي، كما تعد أبو جبيهة من المدن الرئيسية في الولاية. في نهاية العام الماضي، تصدت القوات المسلحة لهجوم الدعم السريع على مدينة الدلنج الواقعة في جنوب كردفان.
أدت الحرب في السودان إلى نزوح عشرة ملايين شخص داخليًّا وخارجيًّا، ويتوقع تصاعد هذه الأرقام إذا استمر القتال خلال الأشهر القادمة حسب الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية.
ارتفعت المخاوف دوليًّا ومحليًّا من اقتراب خمسة ملايين شخص من الجوع الحاد، مع وصول (700) ألف شخص فعليًّا إلى هذه المرحلة وفق الأمم المتحدة. كما تشكو المطابخ الجماعية من شح المواد الغذائية، والتي تعتمد على تمويل الأفراد والمنظمات.