27-مايو-2024
سودانيون في طريقهم إلي مصر

بعد جحيم الحرب، تحولت حياة الطالب الجامعي محمد مصطفى إلى صنوف من العذاب بوفاة والدته بعد ذهابهم إلى مصر واستقرارهم هناك، حيث تفاقمت مشاكل الأسرة الصغيرة عقب خروجها من ولاية الجزيرة نهاية كانون الأول/ديسمبر الفائت.

وقرر مصطفى مغادرة السودان إلى مصر، وقاموا بإيجار شقة متواضعة في أحد أحياء القاهرة، حسبما قال لـ"الترا سودان"، مضيفاً: "هربنا من المعارك وخرجنا من منزلنا من غير ترتيب مسبق، ولم تكن معنا أموال كافية لسد كل ما نحتاجه، فكان همنا الأساسي مغادرة السودان. خرجنا من جحيم الحرب إلى جحيم المعاناة".

لم يكن الطريق إلى دولة مصر معبداً بالزهور أمام السودانيين الذين يمموا وجوههم نحو المحروسة، هرباً من جحيم الحرب التي اندلعت في السودان

ويواصل قائلاً: "كشر لنا هذا البلد عن أنيابه وتذوقنا صنوف العذاب. مرضت والدتي وتأخرنا في علاجها بسبب نقص المال، إلى أن توفيت في شهر مارس من العام الجاري، بعد معاناة مع المرض، لندخل في متاهة لم نخرج منها حتى الآن".

ويؤكد مصطفى، الذي يعمل حالياً في مقهى بأجر ضئيل، أنه يبحث عن عمل إضافي لزيادة دخله لسد حاجة أسرته، وسط ظروف قاسية تعيشها الأسرة في مصر.

تحديات التعليم والتكاليف المعيشية

لم يكن الطريق إلى دولة مصر معبداً بالزهور أمام السودانيين الذين يمموا وجوههم نحو المحروسة، هرباً من جحيم الحرب التي اندلعت في الخرطوم وفي عدد من الولايات، قبل أكثر من عام بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع.

وتظهر إحصائية غير رسمية أن مصر تستضيف أكثر من 600 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين من السودان. ومع نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2023، أصبحت الجنسية السودانية هي الأكثر عدداً، بجانب أعداد أخرى من اللاجئين من دول أخرى تشهد حروباً مماثلة لحرب السودان.

أما نسرين مجذوب، وهي أم لثلاثة أطفال، فتقول لـ"الترا سودان" إنها وصلت إلى القاهرة بتاريخ 22 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وعندما وصلت كان العام الدراسي في جمهورية مصر في بدايته.

وتابعت: "كان همي في الأول أن أوفق أوضاع أبنائي وتسجيلهم في المدارس. واجهت مصاعب كثيرة، أولها ارتفاع الرسوم الدراسية، التي ليس بمقدوري توفيرها، لأن رسوم الطالب الواحد للعام الدراسي تكلف أربعين ألف جنيه مصري، وأنا لدي ثلاثة أبناء، بالإضافة إلى رسوم الترحيل، التي تبلغ عشرين ألف جنيه للطالب الواحد".

وتؤكد نسرين أن مسألة إلحاق الأطفال بالمدارس في مصر أمر بالغ الصعوبة من ناحية التكاليف وفق تجربتها الشخصية، لافتة إلى التكلفة العالية لمتطلبات الحياة الأخرى مما يجعل من الصعوبة التوفيق بين الأمرين.

أوضاع معيشية قاسية للسودانيين في مصر

وأضافت نسرين أنها تعتمد بشكل أساسي على شقيقها الذي يعمل بإحدى دول الخليج، والذي يقوم بإرسال مبلغ مالي يساعدها في تدبير شؤونها، مؤكدة أن لولا مساعدة شقيقها لها لكانت في وضع آخر.

ورأت أن حياتها أفضل من المئات من الأسر السودانية التي تتضور جوعاً وتعيش ظروفاً قاسية بمعنى الكلمة، ولولا مساعدة الجيران (سودانيون ومصريون) في توفير بعض الوجبات لهم لماتوا من الجوع. وأكملت: "هناك شباب سودانيون يقومون بمبادرات تقتصر في توفير الأدوية للأمراض المزمنة مثل السكر والضغط".

ويواجه السودانيون وجهاً آخر من المعاناة، حيث نقلت وسائل إعلام سودانية إصدار اتحاد ملاك مجمع سكني في مدينة الإسكندرية المصرية قراراً بطرد ثلاث أسر سودانية وحظر الإيجار للسودانيين. وحدد بيان صادر من الملاك مطلع تموز/يوليو المقبل، موعد إخراج السودانيين من البرج الكائن بشارع خالد بن الوليد أحد أشهر الشوارع في الإسكندرية.

باتت الحياة لدى الغالبية من اللاجئين السودانيين في مصر صعبة، فالمعيشة هناك تعتبر إحدى التحديات التي تقف أمام الغالبية من الناحية الاقتصادية أو تحدي مواصلة تعليم الأبناء

ومع افتقار العديد من اللاجئين إلى مصدر دخل ثابت فضلاً عن زيادة التضخم التي تشهدها دولة مصر، الأمر الذي أدى إلى زيادة كبيرة في أسعار المواد التموينية؛ هناك تحديات جسام تواجه السودانيين في مصر، أبرزها عدم توفر فرص عمل للكثيرين، بالإضافة إلى عدم وجود دعم كبير من قبل المنظمات الدولية التي تعمل في حقوق الإنسان والهجرة.

وباتت الحياة لدى الغالبية من اللاجئين السودانيين في مصر صعبة، فالمعيشة هناك تعتبر إحدى التحديات التي تقف أمام الغالبية من الناحية الاقتصادية أو تحدي مواصلة تعليم الأبناء لدى الأسر. هذه التحديات أدخلتهم في نفق الحيرة.

خيار العودة إلى السودان

وتقول سارة إسماعيل لـ"الترا سودان" إن اللاجئين السودانيين في مصر هم بين أمرين أحلاهما مر، ما بين أوضاع اقتصادية سيئة يعيشونها، وبين العودة إلى السودان والعيش تحت خط النار، ومواجهة خطر فقدان الأرواح.

وتؤكد أنها تعرف أسر فضلت العودة إلى السودان لعدم قدرتهم على تأمين سبل العيش من مأكل ومأوى، حيث عادت أدراجها وهي تجر خيبات الأمل، بعد أن سدت في وجوههم أبواب العيش الآمن في مصر بجانب عدم إيجاد فرص عمل. الأسر يئست من وقف الحرب التي قضت على الأخضر واليابس وامتد أملها.

وذكرت السيدة (أ.م) التي تسكن في أكبر مجمع سكني للسودانيين في منطقة (فيصل) معاناتها وأسرتها في عدم قدرتهم على دفع الإيجار فقد اضطرت لمغادرة السكن.

وأتمت: "ما كان علينا إلا أن نلجأ إلى الشارع، نفترش الأرض بالقرب من إحدى البنايات". مشيرة إلى خروجهم من الشقة، والبحث عن عمل، حيث حصلت على وظيفة عاملة نظافة في إحدى الشقق.

وكشفت عن تعرضها لعدد من المشاكل في مقدمتها التحرش الجسدي واللفظي، مؤكدة في اتجاه آخر أن هناك دعماً من بعض المنظمات، إلا أنه غير كافٍ. بينما تفكر بشكل جاد في جمع أطرافها والعودة للسودان، قائلة: "أعيش تحت مرمى النار بدلاً من العيش كمتسولة في مصر".

وسادت حالة من الحزن والغضب الشديد وسط السودانيين في أبريل المنصرم، إثر اغتصاب الطفلة جانيت جمعة (10 أشهر) التي تقيم مع عائلتها في أحد أحياء مدينة نصر على يد شاب مصري.

ويتعرّض الكثير من السودانيين في مصر "للتنمر" وفق إفادات وحكايات يسردها أصحابها على صفحاتهم أو المجموعات بوسائل التواصل الاجتماعي.

صحفي: أكبر المشاكل التي تواجه السودانيين من ذوي الدخل المحدود تكمن في التعليم والصحة

من جهته، يقول الصحفي الطاهر المعتصم لـ"الترا سودان" إن أوضاع السودانيين في مصر متباينة ما بين الأوضاع المالية الجيدة لبعضهم، وما بين الغالبية العظمى الذين تعتبر أوضاعهم المالية سيئة بسبب ظروف الحرب واستمرارها لأكثر من عام، لتنفق مدخراتهم في نهاية المطاف.

وأضاف أن أكبر المشاكل التي تواجه السودانيين من ذوي الدخل المحدود تكمن في التعليم والصحة. مشيراً إلى أن الرسوم الدراسية أصبحت عائقاً أمام تعليم أبناء الأسر، ما جعل البعض يعزف عن التعليم.

وفي السياق، يؤكد عدد من مرضى الأمراض المزمنة "مرضى الكلى- السرطان" أن معاناتهم تتفاقم بسبب ارتفاع رسوم الجلسات العلاجية التي لا يستطيعون توفيرها، مما يدفع بعضهم إلى تفويت جلسات، وآخرون تتدهور حالتهم للأسوأ.

ويبقى التحدي أمام اللاجئين هو إيجاد موارد دائمة تعينهم على العيش في مصر، لأن الأسر تعتمد بشكل كبير على أبنائها الذين يعملون بالخارج. التحويلات المالية التي تصلهم بلا شك لا تفي بالحد الأدنى من الحاجات اليومية.