مع استمرار الحرب الطاحنة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بات السودانيون يتعلقون بكل "قشة" يمكنها نقلهم إلى بر توقفها وإنهائها لما أفرزته من واقع قاتل ومدمر، حيث يعتقد الكثيرون أنها حرب بلا هدف. وفي كل منحى للحرب، يعود السودانيون للوراء بذاكرتهم لمقولة الشيخ فرح ود تكتوك عقب تدمير العاصمة الخرطوم وبنيتها التحتية كما هو منظور يوميًا.
تنتشر مقولة الشيخ فرح ود تكتوك: "الخرطوم تتعمّر لى سوبا ثم تتفرتك طوبة طوبة"
نبوءة عمرها ثلاثة قرون
وتنتشر مقولة الشيخ فرح ود تكتوك: "الخرطوم تتعمّر لى سوبا وتتفرتك طوبة طوبة"، ليشير حديث الشيخ فرح إلى أنّ الخرطوم يحدث بها معمار، حتى يبلغ عمرانها منطقة سوبا. وتقع منطقة سوبا شرق جنوب الخرطوم وهي على تخوم ولاية الجزيرة. ويقصد بقوله "بتفكك طوبة طوبة" أي أنها تتحطم تمامًا.
ومن الأقوال المنسوبة للشيخ فرح الذي انتقل إلى ربه قبل ما يقارب ثلاثة قرون: "نهاية الخرطوم ستكون بالغرق أو الحريق"، هذه الأقوال جعلت الكثيرين يعتقدون أن نبوءة الشيخ فرح قد تحققت وأن الخراب الذي لحق بالعاصمة الخرطوم يماثل إلى حد كبير ما ذهب إليه الشيخ الروحاني.
حرب الخرطوم
ويعتقد أستاذ علم النفس بالجامعات السودانية الدكتور جمال إدريس محمد، في حديث لـ"الترا سودان" أن ارتباط الناس وجمعهم للنبوءات مع استمرار الحرب يمثل حالة داخلية للضغوط التي يتعرضون لها. ويؤكد أن البحث عما يحقق وقف الحرب ونهايتها يجعل الناس يذهبون إلى كل الطرق بما في ذلك تفسير ومتابعة النبوءات والتوقعات مهما كان مصدرها. ويعتبر أن التعلق ببعض التوقعات والتنبؤات يعكس الحالة النفسية السيئة التي يعيشها الناس حاليًا جراء الحرب وتداعياتها الكارثية على حياتهم.
وفي المقابل، يجزم المخالفون وغير المؤمنين بتلك النبوءات بأن ما يحدث حاليًا من دمار وخراب للعاصمة هو مشيئة الله، وأن هذه الأحداث مسطر لها حدوثها، وأن لا نبوءات بعد النبي محمد خاتم الأنبياء والمرسلين.
وذهب أحد المعترضين على تلك النبوءات، توفيق عبد الله، في حديث لـ"الترا سودان" إلى مطالبة المعتقدين بصحة نبوءة فرح ود تكتوك، بالإتيان بإثبات أو وثيقة توضح صحة قولها.
ويرى عبد الله أن تفشي الجهل وضعف التعليم والمناهج الدينية جعل البعض يمضي في طريق الاعتقادات والمقولات المنسوبة للشيوخ دون الاستيثاق منها وصحتها.
التراث الشعبي
من ناحيته، يؤكد الباحث في التراث الشعبي السوداني د. وليد حمد عبد الله، لـ"الترا سودان" أن المقولات المنسوبة للشيخ فرح لم تجرِ على لسان الشيخ فرح، إنما أُلصقت به كما تجري العادة مع أبطال الحكايات الشعبية في كل البلدان التي تُنسب لأبطالها الخوارق من الفعل والقول.
وأضاف: "لم أجد وثيقة قديمة تثبت ما نسب إلى الشيخ فرح ود تكتوك، وأن في أغلب الأحيان يكون الحديث تم ترويجه في فترة زمنية محددة ومن ثم تواتر الحديث جيلًا بعد جيل، إلى أن أصبحت مقولات رسمية في هذا الزمان".
ورأى أن الحرب التي تجري حاليًا جعلت ما نسب إلى الشيخ فرح كأنها نبوءة حدثت فعليًا. وقال لـ"الترا سودان": "شخصيًا أستبعد ما قيل عن الشيخ، بأن الأحداث الجارية هي نبوءة لأنّ الخرطوم لم تكن إحدى المدن الرئيسية أو المعروفة بالبلاد في فترة مُعاصرة الشيخ فرح".
وأشار توفيق، في هذا الصدد، إلى أن الخرطوم ذاع صيتها بعدما نقل الأتراك العثمانيون العاصمة من مدينة سنار إلى مدينة ود مدني بوسط السودان، ثم إلى مدينة الخرطوم عام 1825م، أي بعد وفاة الشيخ فرح بعشرات السنين.
تحقيق تاريخي
وفي الاتجاه الآخر، يرى مؤيدو المقولة أن تراث الشيخ فرح ود تكتوك لم يُخضع لتحقيق تاريخي بشكل جيد عبر مُؤرِّخين، لا سيما أن التفريق بطرق علمية بين ما قاله الشيخ على لسانه أو الأقوال المنسوبة إليه لم يكن واضحًا بشكل قاطع.
وفي سياق متصل، أوضح أحمد عثمان - من مؤيدي مقولة الشيخ - لـ"الترا سودان"، أن الخرطوم وقتئذ لم تكن موضع اهتمام كما هو الحال الآن، فكانت أقواله لفترة طويلة أحد الأحاديث التي تشبه الأساطير، لكنها في الواقع هي أقواله التي توارثتها الأجيال جيلًا بعد جيل. وأشار إلى أقوال الشيخ فرح التي أصبحت حقيقة في فترة الحرب، لتنهي الجدل الذي حدث مؤخرًا. وقال إن الخراب الذي لحق بالخرطوم وحريقها وتدمير المنشآت التي طالتها الحرب، يؤكد ما ذهبت إليه نبوءة الشيخ فرح ود تكتوك.
من هو فرح ود تكتوك
وولد فرح بن محمد بن عيسى الشهير بفرح (ود تكتوك) في مدينة سنار جنوب شرق السودان. وعاش في القرن السابع عشر أو السلطنة الزرقاء أو دولة الفونج. واشتهر ود تكتوك بالحكمة والفراسة والأقوال الخالدة، وغيرها مما يدلل على نباهته وفطنته. وأيضًا اشتهر بلقب "حلال المشبوك". توفي ودفن الشيخ فرح في قرية ود تكتوك ريفي سنار، حيث بني له ضريح، وحيث يقيم أحفاده وأقاربه من البطاحين.
ولا تزال القرية من بعده قائمة فيها خلاوى القرآن ومسيد يكرم فيه الضيفان. ونسبت إليه العديد من المآثر والحكم والفطن وسرعة البديهة والتواضع والزهد، ويطلق عليه البعض اسم حكيم السودان.
بلة الغائب
وتواصل بروز الشخصيات المثيرة للجدل في تاريخ السودان من حيث إطلاق توقعات التنبؤ. ومؤخرًا، خرجت شخصية بلة الغائب الذي ذاع صيته في حقبة نظام الرئيس المعزول عمر البشير.
بلة الغائب شخصية مثيرة للجدل عرف من خلال توقعاته التي تثير جدلًا واسعًا. البعض يعتبره منجمًا، وآخرون يقولون إنه كاهنًا. ولكن بلة الغائب يقول: "أنا رجل دين ومسلم"، وكان قد تنبأ بموعد نهاية ولاية عمر البشير وصدقت تلك النبوة مما أثار شك البعض في ذلك. دائمًا ما يهاجم الحزب الشيوعي وقوى الحرية والتغيير، الأمر الذي جعل الكثيرين يطلقون عليه شيخ المؤتمر الوطني.
بلة الغائب: رئيس السودان القادم هو عبد الفتاح البرهان
وآخر أقوال بلة في بيان نشر في العام المنصرم على مواقع التواصل الاجتماعي حدد فيه من سيحكم السودان، وقال فيه الغائب: "إن رئيس السودان القادم هو عبد الفتاح البرهان، ولكن لن أحدد لكم كم سوف يحكم لأن هذا بأمر الله وحده".
وأضاف قائلًا: "أنا عندما أقول هذا الحديث لا أريد مصلحة من أي جهة لأنني لا أعرف عبد الفتاح البرهان وليس لدي معه مصالح، ولكن مصالحنا حب الوطن، وبما أنه ينتمي إلى المؤسسة العسكرية فلا شك أنه محب للوطن مثله مثل النميري وسوار الذهب". وزاد بالقول: "في السودان هناك 43 حزبًا فشلوا ولم ينجحوا إلا في الخلافات".
ليبقى الخلاف قائمًا بين مكونات المجتمع ما بين مصدق ومكذب لأقوال الشيوخ التي يعتبرها البعض نبوءات، وآخرون يقولون عنها بأنها خرافة.