14-أغسطس-2022
علم السودان

الشباب يتحمل وطأة الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في السودان

مُنذ (22) عامًا يحتفل العالم باليوم العالمي للشباب بهدف تركيز الاهتمام على قضاياهم والاحتفاء بإمكانياتهم كونهم شركاء في المجتمع العالمي المعاصر. واختارت الأمم المتحدة الاحتفاء بالشباب هذا العام تحت شعار " تضامن بين الأجيال لخلق عالم لجميع الأعمار"، وذلك بهدف إيصال رسالة مفادها أن هناك حاجة للعمل عبر الأجيال لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وتجنب تخلف أي فرد عن ذلك الركب.

فولكر بيرتس:  الشباب السوداني يتحمل وطأة الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في السودان

وفي اليوم العالمي للشباب قال الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان ورئيس بعثة "يونيتامس" فولكر بيرتس، إن الشباب السوداني يتحمل وطأة الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في السودان.

وهنأ فولكر في بيانٍ له بمناسبة اليوم الدولي للشباب؛ الشباب السوداني، لافتًا إلى أنهم "ضحايا العنف الأساسيون"، ومؤكدًا أنهم "في طليعة النضال من أجل سودان أفضل". وأضاف بيرتس: "تلهمني شجاعتهم وصمودهم، ويجب أن تُسمَع أصواتهم وأن يتم تضخيم مداها بدعم من المعنيين على المستويين الوطني والدولي".

الحلم جريمة

وعلى الرغم من أن الهدف من تحديد يوم عالمي للشباب هو إدماجهم في المجتمع والاستفادة من طاقاتهم في تحقيق أهداف وغايات التنمية المستدامة، إلا أن الشاب السوداني عزالدين حريكة وهو من شباب حزب المؤتمر السوداني يرسم صورة قاتمة للأوضاع ويتجاوز فكرة الاندماج وتعزيز أدوار الشباب السوداني في تحديد مصير بلاده بقوله "هنا مجرد الحلم جريمة".

وفقًا لعزالدين فإن غياب الاستقرار السياسي والصراعات ذات الطابع العرقي والإثني وغياب السلطة وعجزها عن القيام بدورها المناط بها، والمآلات التي انتهت إليها الثورة السودانية التي صنعها الشباب دون أن يحصلوا على ثمارها - كل هذه القضايا ألقت بظلالها السالبة على أوضاع الشباب، وبالتالي جعلت حتى التفكير في الحلم بواقع أفضل جريمة. 

وقدمت هيئة الأمم المتحدة، عبر موقعها الرسمي، عددًا من الحقائق وكشفت عن أحدث الأرقام الخاصة بالشباب في يومهم الدولي، وقالت يبلغ نصف سكان كوكبنا من العمر (30) عامًا أو أقل. ومن المتوقع أن تصل نسبة من هم أقل من (30) عامٌا إلى (57%) في نهاية عام (2030).

وأظهر استطلاع أجراه موقع الأمم المتحدة أن (67%) من الناس يؤمنون بمستقبل أفضل. وكشف أن الذين تتراوح أعمارهم بين (15) و(17 ) عامًا الأكثر تفاؤلًا.

أمة شابة

وتقدر الأرقام حجم من هم في فئة الشباب بما يزيد من نسبة (67%) من الحجم الكلي لعدد سكان السودان المقدر بحوالي (40) مليون نسمة وفقًا لاحصائيات غير رسمية، وهو ما يعني أن السودان أمة شابة.

ويقول محمد إبراهيم وهو طالب جامعي يبلغ من العمر (23) عامًا: "نحن أمة شابة يحدد مصيرها الشيوخ". ويشير الطالب هنا إلى ما يسميه "ضعف الدور المتاح للشباب من أجل التحرك لإعادة البوصلة بما يتماشى والمضي نحو المستقبل"، حد تعبيره.

https://t.me/ultrasudan

ويردف أن الشباب مغيب بفعل فاعل من التأثير في تحديد مستقبل وطنه. وكمن يحاول إثبات صحة فرضيته يقول محمد إن هناك ما يزيد عن المائة حزب دون أن تجد واحدًا يقوده شاب أقل من (30) عامًا، قائلًا: "نحن ما نزال ننتظر مصيرنا المرسوم في أوراق من هم قد تجاوزوا خريف العمر. من أداروا البلاد في ستينات القرن الماضي، هم من يسعى الآن لإدارتها؛ ألا يدعو هذا الأمر للتعجب؟!".

ويستدعي إبراهيم الذي شارك في ثورة الشباب من أجل الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير ما يحدث الآن في قاعة الصداقة من حوار لإصلاح مسار الثورة بواسطة قيادات المرحلة السابقة، لتأكيد وجهة نظره.

ويُنظر للجيل الذي صنع الثورة في السودان بأنه ضحية لحالة عدم الوعي وغياب الرؤية التي تمكنه من وضع البلاد في مسارها الصحيح، كما أنه يفتقد للتجربة والدراية بالواقع السوداني المُعقد، وفق العديد من الأجيال السابقة، ما يعني استمرار معادلة صراع الأجيال في السودان.

الخلاص الفردي

وتبدو الأزمة هنا متجاوزة لما يجري في مسرح السياسة والحق في المشاركة إلى مصاعب أخرى، ويمكن الإشارة إلى مجموعة من الإشكاليات التي تعترض الشباب السوداني وهو يسعى من أجل وضع قدمه في بداية طريق تحقيق أحلامه. يقول خالد علي (29 عامًا) وهو يبحث له عن طريق يغادر من خلاله البلاد: "كيف لي أن أحلم دون أن أجد عملًا في بلادي على مدى خمس سنوات وأنا أحمل شهاداتي ولا جديد سوى ارتفاع حدة البطالة؟".

ويقدر معدل البطالة في السودان بنسبة (65)% خلال عام 2021، حيث بلغ معدل التضخم في السودان خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2021 (339%)، وهي أرقام زادت بفعل التحولات السياسية والانقلاب.

ومنذ انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021 وحتى الآن سقط حوالي (118) شهيدًا غالبيتهم من الشباب وهم يخوضون معركة استعادة مسار ثورتهم، مع وجود آلاف المصابين وهو رقم قابل للازدياد في ظل إصرار الجيل السوداني الجديد على المقاومة.

انتشار المخدرات

ومع مقاومة الانقلاب يجب على الشباب السوداني خوض معركة أخرى ضد المخدرات والتي انتشرت بمختلف أنواعها بين الشباب السوداني وسط اتهامات بمحاولات توظيفها لخدمة أغراض سياسية.

وفي هذا السياق تكشف طبيبة بمستشفى التجاني الماحي لمعالجة الأمراض النفسية لـ"التراسودان" مشترطة عدم ذكر اسمها، أن معظم من يتلقون العلاج الآن في المستشفى يتعالجون من الإدمان مع تراجع لمتلقي علاج الاكتئاب والأمراض الأخرى، ومعظم هؤلاء من أصحاب الأعمار أقل من (20) عامًا وفقًا لها.

تهميش وعطالة وحروب وأزمات اقتصادية طاحنة تعيشها البلاد وجيل سابق يصر على الإمساك بقواعد اللعبة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد، ووطن مهدد بأن يتحول إلى مجرد تعبير جغرافي كما كان قبل ثلاثة قرون، ما يجعل من قول المبعوث فولكر بيرتس بأن السلام المستدام والتنمية والديمقراطية لن تتحقق في السودان من دون مشاركة "فعالة وحقيقية" من الشابات والشباب السودانيين، مجرد آذان في "مالطا" بحسب تعليق عثمان صديق، الشاب صاحب الـ(20) عامًا، والذي يضيف أن ما تبقى لهم من أحلام هو حلم مغادرة هذه البلاد.

لإن تغرق في سفينة في قلب المتوسط أسهل من أن تغرق داخل سفينة "الوطن"

وتقلصت أحلام الشباب السوداني إلى حلم إيجاد الطريق المؤدي لمغادرة الوطن، وإن كان طريقًا محفوفًا بالموت والمخاطر، وإن اضطروا لركوب "السنبك"، ولإن تغرق في سفينة في قلب المتوسط أسهل من أن تغرق داخل سفينة "الوطن"، كما يرى العديد ممن يخوضون غمار هذه المغامرة المميتة.