قال تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش: إنه منذ بدء القتال في السودان "استخدم الجيش السوداني والدعم السريع، بشكل متكرّر أسلحة متفجرة ثقيلة في مناطق مكتظة بالسكان، مما أدى إلى وقوع العديد من الضحايا المدنيين وتدمير الممتلكات المدنيّة والبنية التحتيّة الحيويّة".
وأشار التقرير، نقلًا عن الأمم المتحدة، أنه ما لا يقلّ عن تسعة آلاف شخص قتلوا منذ بداية النزاع، وهو تقدير يظلّ أقلّ من الواقع بكثير على الأرجح، مع نزوح 5.4 مليون شخص قسرًا، منهم 4.1 مليون صاروا نازحين داخليًا وأكثر من 1 مليون نزحوا إلى البلدان المجاورة.
وأضاف التقرير: "منذ أواخر نيسان/أبريل، شهدت ولاية غرب دارفور بعضًا من أسوأ الهجمات على المدنيين وانتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي. إذ شنّت قوات الدعم السريع والقوات المتحالفة معها –أغلبها ميليشيات عربيّة– هجمات واسعة استهدفت بالأساس السكان من عرق المساليت في بلدات متعددة في المنطقة".
واستمر التقرير في استعراض الوقائع، بالقول: "دار أيضًا قتال بين القوتين في أجزاء أخرى من البلاد، مثل جنوب كردفان، مما أدّى إلى تدهور كبير في الوضع الإنساني. حتى آب/أغسطس، قالت الأمم المتحدة إنّ ما لا يقلّ عن 19 عامل إغاثة قتلوا. استُهدف أيضًا العاملون في مجال الرعاية الصحيّة المجتمعيّة وشبكات الدعم السودانيون. يُقدّر عدد المحتاجين إلى مساعدات غذائيّة في البلاد بـ20 مليون شخص". كما نبّه "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانيّة" (أوتشا) في آب/أغسطس إلى أنّ استمرار القتال والعوائق البيروقراطيّة واسعة النطاق تعيق توسيع المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء البلاد.
الخرطوم.. انتهاكات مستمرة
وعرض التقرير الانتهاكات في الخرطوم، بالقول: "منذ بدء النزاع، استخدمت كلّ من القوات السودانية المسلّحة وقوات الدعم السريع أسلحة متفجرة ثقيلة في مناطق مكتظة بالسكان في كل أرجاء الخرطوم، بما في ذلك منطقتي أمّ درمان وبحري، ممّا أسفر عن مقتل آلاف المدنيين وإلحاق أضرار بالبنية التحتية الحيويّة، وجعل الملايين عاجزين عن الحصول على الضروريات. تسبّب القتال في تدمير الكثير من المنازل وغيرها من الأعيان المدنيّة".
قال تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش: إنه منذ بدء القتال في السودان "استخدم الجيش السوداني والدعم السريع، بشكل متكرّر أسلحة متفجرة ثقيلة في مناطق مكتظة بالسكان، مما أدى إلى وقوع العديد من الضحايا المدنيين وتدمير الممتلكات المدنيّة والبنية التحتيّة الحيويّة"
كما أشار إلى أنه "في الخرطوم وبلدات في دارفور وكردفان، تسببت هجمات عشوائيّة، شملت قصفًا من كلا الطرفين وغارات جوية شنتها القوات السودانية المسلّحة، في مقتل المئات". وفي 15 نيسان/أبريل، تعرّضت "محطّة مياه بحري" شمال الخرطوم إلى أضرار، ممّا ترك سكان المنطقة بلا مياه. وذكرت سلطات المياه أنّ المقاتلين منعوها بشكل متكرّر من الوصول إلى المحطّة بسبب انعدام الأمن، مما أعاق الإصلاحات.
وتضرّرت أيضا العديد من المرافق الطبيّة في جميع أنحاء الخرطوم بسبب الغرات الجويّة والقصف، مما دفع الكثير منها إلى الإغلاق.
ووفق التقرير: "نفذت الأطراف المتحاربة أعمال اعتقال تعسفيّ واحتجاز بمعزل عن العالم وإساءة معاملة ضدّ المدنيين، بما في ذلك العاملين في المجال الصحي".
وفقًا لمراقبي حقوق الإنسان، عمدت القوات السودانية المسلحة وقوات الدعم السريع بشكل متكرّر إلى ترهيب العديد من النشطاء والمتطوّعين الذين يُسهّلون إيصال المساعدات وغيرها من الخدمات الأساسيّة، والاعتداء عليهم واحتجازهم.
ويقول التقرير: "شهد النزاع نهبًا منهجيًّا لمستودعات المساعدات والسلع الإنسانية والممتلكات في جميع أنحاء الخرطوم".
دارفور.. تاريخ من الانتهاكات
وتناول التقرير الواقع في دارفور، بالقول: "منذ 24 نيسان/أبريل، نفذت قوّات الدعم السريع والمليشيات العربيّة هجمات ضدّ المجتمعات غير العربيّة في الجنينة، عاصمة غرب دارفور. قُتل آلاف الأشخاص، واضطرّ مئات السودانيين، أغلبهم من المجتمعات غير العربيّة وتحديدًا المساليت، إلى الهروب إلى تشاد المجاورة بسبب القتال والانتهاكات. وارتكبت قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها أعمال قتل واسعة ضدّ المدنيين في الجنينة، بما في ذلك أثناء محاولتهم الفرار إلى مكان آمن. وارتكبت أعمال نهب وحرق واسعة، واعتدت على البنية التحتية الحيويّة، بما في ذلك مخيّمات النازحين والمستشفيات والأسواق.
وأضاف: "استهدف المهاجمون أيضًا القادة المحليين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وفتشوا عنهم واحتجزوا البعض منهم، وقتلوا محاميين اثنين كانا يمثلان ضحايا هجمات سابقة شنتها قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها في الجنينة".
وأشار التقرير إلى أن 7 سبع بلدات أخرى على الأقلّ في ولاية غرب دارفور، "تعرضت للهجوم والحرق، بعضها بشكلِ كامل تقريبَا، في الفترة من أبريل/نيسان إلى يوليو/تموز".
وفي 28 مايو/أيار، هاجم الآلاف من عناصر قوات الدعم السريع وميليشيات متحالفة معهم بلدة مستري، على بعد 42 كيلومتر من الجنينة، وأعدموا ما لا يقلّ عن 28 شخصًا من عرق المساليت، وقتلوا وأصابوا عشرات المدنيين الآخرين، ونفذوا أعمال نهب واسعة قبل أن يحرقوا الجزء الأكبر من البلدة بشكل كامل.
واستمرّت الهجمات في أجزاء أخرى من غرب دارفور. في مورني، إذ قتلت قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها السكان أثناء فرارهم، ونهبت البلدة وأحرقتها يوم 27 يونيو/حزيران.
ومنذ أبريل/نيسان، فرّ أكثر من 300 ألف شخص إلى تشاد، الكثير منهم من غرب دارفور. حتى أواخر يوليو/تمّوز، سجّلت الأمم المتحدة تراجعا كبيرا في عدد النازحين الذين مازالوا في غرب دارفور، "وهو ما يُعزى إلى زيادة في مستوى النازحين داخليا الذين عبروا نحو تشاد".
واندلع أيضًا قتال بين القوات السودانيّة المسلّحة وقوات الدعم السريع في مناطق حضريّة أخرى في دارفور. في نيالا، عاصمة جنوب دارفور، تجدّدت الاشتباكات في أغسطس/آب، مما تسبب في مقتل 50 شخص على الأقلّ، وأجبر 50 ألفا على الهروب. في 13 سبتمبر/أيلول، قتلت غارة جويّة شنتها القوات المسلّحة السودانية على المدينة ما لا يقلّ عن 40 مدنيا. وقالت المنظمة الحقوقية: "عند كتابة هذا التقرير، تتحدث تقارير عن قتال عنيف في الفاشر، عاصمة شمال دارفور، مع تزايد المخاطر على حياة المدنيين".
العنف الجنسي.. سلاح الحرب
وقال تقرير "هيومان رايتس ووتش": "أثار خبراء الأمم المتحدة مخاوف بشأن تصاعد العنف الجنسي أثناء النزاع، بما في ذلك في الخرطوم ودارفور".
وقالت "المبادرة الإستراتيجية للمرأة في القرن الأفريقي"، وهي منظمة تُعنى بحقوق المرأة، في يوليو/تموز إنّها تحققت من أكثر من 70 حالة عنف جنسي وعنف قائم على الجندر في كلّ أرجاء البلاد، أغلبها من ارتكاب قوات الدعم السريع.
ووفق التقرير: "في الجنينة، اغتصبت قوات الدعم السريع والمليشيات العربيّة المتحالفة معها عشرات النساء والفتيات في المدينة بينما كان الناس يفرّون من القتال بين أبريل/نيسان ويونيو/حزيران".
وقالت ضحايا تحدثن إلى "هيومن رايتس ووتش" إنّ المهاجمين كانوا يُشيرون صراحة إلى أصلهنّ العرقي واستخدموا شتائم عرقيّة ضدّ المساليت وغير العرب بشكل عام.
وبحسب التقرير: "تسبّبت الهجمات على المنشآت الطبيّة والمنظمات التي تقدّم رعاية لضحايا العنف الجنسي، وكذلك إغلاق شبكة الاتصالات في الجنينة وضعف البنية التحتية في تشاد، حيث تفرّ العديد من الضحايا، في عرقلة حصولهنّ على الخدمات الطارئة، بما في ذلك الإدارة السريريّة لحالات الاغتصاب والدعم النفسي الاجتماعي. يؤدّي الوصم المستمرّ المرتبط بالعنف الجنسي أيضًا إلى تفاقم العوائق التي تحول دون الحصول على رعاية".
هل من حساب؟
وعاد التقرير، إلى ما قبل اندلاع الحرب، بالقول: "وقّع تحالف سياسي مدني سوداني يُسمّى "قوى الحريّة والتغيير" على اتفاق إطاري مع القادة العسكريين في ديسمبر/كانون الأول 2022، لكنّه لم يحظَ بتأييد المجموعات الاحتجاجيّة بسبب المخاوف من تراجع أهميّة المحاسبة". وأضاف التقرير: "أنشأ قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان لجنة للتحقيق في الانتهاكات، لكن فقط انتهاكات قوات الدعم السريع".
واستمر التقرير، بالقول: "غادر مسؤولون سابقون في عهد الرئيس عمر البشير، منهم أحمد هارون، المطلوب من قبل "المحكمة الجنائيّة الدوليّة" بتهم ارتكاب جرائم دوليّة في دارفور، السجن في الخرطوم بعد الهجمات".
وفي 13 يوليو/تموز، أعلن المدعي العام لـ"المحكمة الجنائيّة الدوليّة" أنّ مكتبه بصدد التحقيق في الفظائع الأخيرة في منطقة دارفور بالسودان كجزء من تحقيقاته الجارية في دارفور، ما يُبرز خطورة الانتهاكات الجارية.
لجوء لا ينتهي
وفقًا للأمم المتحدة، حتى بداية أغسطس/آب، فرّ قرابة مليون شخص من السودان إلى مصر وتشاد وأثيوبيا وجنوب السودان ودول أخرى منذ أبريل/نيسان، ويُشكلّ المواطنون السودانيون ثلثي هذا العدد. أمّا البقيّة فكانوا من مواطني جنوب السودان، بالإضافة إلى لاجئين وطالبي لجوء، بما في ذلك من إرتريا وأثيوبيا.
قالت ضحايا تحدثن إلى "هيومن رايتس ووتش" إنّ المهاجمين كانوا يُشيرون صراحة إلى أصلهنّ العرقي واستخدموا شتائم عرقيّة ضدّ المساليت وغير العرب بشكل عام.
واجه الفارّون تحديّات وقيودًا متعدّدة للوصول إلى مسارات قانونيّة آمنة. مع إجلاء السفارات لبعثاتها الدبلوماسية خارج البلاد في بداية النزاع، أفادت تقارير أنّ العديد منها تركت جوازات سفر السودانيين محتجزة في مقرّاتها أو ممزّقة، دون توفير بدائل لأصحابها، مما أعاق قدرتهم على الهروب.
وفي يونيو/حزيران، فرضت السلطات المصريّة على جميع السودانيين الحصول على تأشيرة لدخول البلاد، ما تسبّب في تقليص فرص الوصول إلى الأمان بالنسبة إلى النساء والأطفال والمسنّين الفارّين.
وقبل النزاع، كان السودان يأوي أكثر من 1.1 مليون لاجئ وطالب لجوء خلال 2021، أغلبهم من جنوب السودان.
عالم لا يتحرك
وقالت هيومان رايتس ووتش: "رغم خطورة الوضع في السودان، كانت الاستجابة الإقليميّة والدوليّة كانت دون المأمول. حتى الآن، لم يتخذ "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة"(مجلس الأمن) أيّ خطوات ملموسة لمعالجة النزاع أو تقييد قدرة الأطراف المتحاربة على الاستمرار في إلحاق الأذى بالمدنيين".