04-يونيو-2024
سفينة تحمل علم روسيا في البحر الأحمر بالسودان

العلاقات بين روسيا والسودان

مرة أخرى تعود العلاقات بين السودان وروسيا إلى سطح أحداث ساخنة محليًا وإقليميًا، فيما يبدو أن الجيش السوداني قرر التوجه شرقًا لترجيح كفته ميدانيًا في الحرب ضد الدعم السريع بتوطيد علاقات مع موسكو مقابل المساعدات العسكرية.

دبلوماسي: البحر الأحمر ممر تجارة دولية والمجتمع الدولي لن يصمت 

مساء الاثنين، توجه نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي مالك عقار إلى موسكو لبحث العلاقات بين البلدين بحسب إعلام مجلس السيادة، وتأتي جولة المسؤول الثاني في الدولة عقب تصريحات أدلى بها الأسبوع الماضي، بعدم تنفيذ دعوة أميركية للذهاب إلى منبر جدة بالمملكة العربية السعودية للتفاوض مع الدعم السريع وجلب السلام.

جاءت التطورات بين السودان وروسيا بعد سلسلة طويلة من المباحثات بين البلدين، بدأها العسكريون قبل عامين عندما زار النائب والحليف السابق لرئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو موسكو، بالتزامن مع الحرب الروسية على أوكرانيا.

جاءت زيارة حميدتي لبحث العلاقة مع روسيا، وعندما سأله الصحفيون في مطار الخرطوم لدى عودته إلى البلاد عن مصير القاعدة العسكرية الروسية أجاب قائلًا : "إذا كانت مصلحتنا في ذلك لن نتردد".

زيارة نائب رئيس مجلس السيادة إلى موسكو تعني أن البلدين قررا إحياء العلاقة القديمة مرة أخرى، والمُضي بعيدًا في ذلك بالاتفاق على مسودة إطارية وفق ما نقلت وسائل الإعلام، وينص أحد البنود على أن لدى كل طرف الحق في التراجع عن اتفاق إنشاء القاعدة الروسية في البحر الأحمر.

يبرر العسكريون السودانيون التوجه نحو روسيا للحصول على المساعدات العسكرية كون السودان محظور دولياً من الحصول على الأسلحة المصنوعة في الغرب، بما في ذلك استخدام التكنولوجيا المتقدمة في إدارة المعارك العسكرية.

في ذات الوقت فإن تطورات السودان مع روسيا حول القاعدة العسكرية والتي تنص حسب مسودة الاتفاق الإطاري على نشر (300) عسكري روسي في القاعدة، تأتي في ظل اضطرابات إقليمية في مياه البحر الأحمر بسبب هجمات الجماعات الحوثية.

لم يذكر السودان صراحة عما إذا كان سيحصل على المساعدات العسكرية من موسكو مقابل القاعدة العسكرية الروسية، على طريقة واحدة مقابل واحدة دون أن تضطر الحكومة السودانية إلى دفع أموال إضافية مقابل هذه المساعدات.

بالمقابل فإن المجتمع الدولي والإقليمي وفي صدارته الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، بما في ذلك المملكة العربية السعودية ومصر، قد لا تجد في التوجهات السودانية شرقًا شيئًا يبعث على الإطمئنان.

بالتزامن مع هذه التطورات أجرى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن اتصالًا هاتفيًا مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، ناقش تطورات الوضع في السودان اليوم الثلاثاء.

في نيسان/أبريل الماضي كان مسؤول السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي قد أكد أن الجيش لديه علاقات مع وزارة الدفاع الروسية، بينما تتواصل الدعم السريع مع قوات فاغنر، المسؤول الأوروبي قام بشرح الأبعاد الدولية للحرب في السودان، وكيف أن الطرفين يحاولان الحصول على العتاد الروسي بشكل أو بآخر، وربما ذهب إلى هذا التحذير لاعتقاد أن هناك تطورات قادمة، وقد تكون أزمة القاعدة الروسية في البحر الأحمر، لأنه لم ينس أيضًا من التحذير أن الحرب السودانية قد تشكل خطرًا على أمن البحر الأحمر.

يُعتبر أمن البحر الأحمر من القضايا التي تشكل أولوية قصوى لدى المملكة العربية السعودية أيضاً، والتي استضافت مؤتمرات إقليمية للدول المطلة على البحر الأحمر العام الماضي من بينها السودان.

يفسر الباحث في العلاقات الدولية عمر عبد الرحمن القلق الأوروبي بشأن الأمن في البحر الأحمر ووصول روسيا إلى هذا العمق الإستراتيجي، لأن بروكسل لديها حركة التجارة بين آسيا وأوروبا، وتشكل مصدر الأموال بين القارتين لاقتصادات صناعية عملاقة، وأي تأثير على هذا الوضع يعني توقف هذا النشاط العالمي.

في 2021 ألغى السودان اتفاقًا مبدئيًا مع روسيا كان ينص على إنشاء قاعدة لوجستية عسكرية في البحر الأحمر، جاء هذا القرار أثناء مشاركة القوى المدنية في السلطة الانتقالية، مارست هذه الجماعات الضغوط على العسكريين للتراجع عن الاتفاق إلى جانب دول إقليمية كانت أكثر عزيمة في إبعاد موسكو عن ممر مائي يتحكم في مصير اقتصادات الدول.

يقول محلل دبلوماسي سابق بوزارة الخارجية السودانية مشترطاً عدم ذكر اسمه، إن التوجه السوداني نحو روسيا ليس تصميمًا نهائيًا بقدر ما أن النظام الحاكم في فترة ما بعد البشير بقيادة العسكريين يحاولون صنع مناورة مع الولايات المتحدة الأميركية، إذا تعرضوا إلى ضغوط فإن باب الاتفاق يظل مواربًا في البند الذي يمنح حق التراجع عن الاتفاق في المسودة الموقعة.

وأضاف: "ربما يحاول العسكريون تحسين الوضع الميداني من خلال تطوير العلاقات مع روسيا، بالحصول على مساعدات عسكرية ترجح كفة الجيش، كما أن بعض الدول الإقليمية ترسل إمدادات عسكرية للدعم السريع دون مواربة، وفي هذا الصدد ربما قررت الحكومة القائمة في بورتسودان التلويح بالعصا لبعض الوقت".

ويرى الدبلوماسي أن السودان حاليًا غارق في حرب مستعرة، والمجتمع الدولي لا يقدم حلول تجعل الجيش يشعر بالرضا حيال المحادثات، لأن الدعم السريع تسيطر على أجزاء واسعة من العاصمة الخرطوم، بالتالي فإن المتوقع وفقًا لتطور الأوضاع بين روسيا والسودان، إطالة أمد الحرب إلى حين تحسن وضع القوات المسلحة ميدانيًا ومن ثم الذهاب إلى التفاوض.

حينما زار الرئيس المعزول عمر البشير موسكو في العام 2017، وطلب علانية الحماية من الرئيس فلاديمير بوتين من الولايات المتحدة الأميركية، لم يمكث في السلطة سوى أشهر قليلة، وسرعان ما جاءت ثورة ديسمبر التي أطاحت به، فهل يصمد العسكريون أكثر من البشير في استعادة "الود القديم" مع روسيا؟ ربما تكون الدروب القديمة وعرة مع مرور الوقت.