تعددت القنوات الفضائية السودانية في تخصصاتها وأهدافها ورسالتها الإعلامية خلال العقد الأخير. ظهرت قنوات تلفزيونية فضائية خاصة مثل قناة النيل الأزرق وشبكة الشروق كما ظهر عدد من الفضائيات الولائية مثل قناة البحر الأحمر وقناة كسلا وقناة نهر النيل، مع وجود بعض الفضائيات الخاصة مثل طيبة وقوون الرياضية وغيرها من القنوات، والتي بلغ عددها أكثر من ثماني عشرة محطة فضائية. إلا أن ذلك لا يعني أنها تحظى بذات القدر من المصداقية، ونفس درجة اعتماد المواطنين في السودان على أخبارها.
يتابع الشباب في السودان الإعلام العالمي أكثر من متابعتهم للمحلي
ما نشرته قناة الخرطوم الفضائية عبر شاشتها، حينما تم ضرب مصنع الأسلحة من قبل إسرائيل واحتراقه قبل عامين، كان كارثيًا. حتى أن العالم تقريبًا لم يسمع بهذا الخبر. أعلنت المحطة في اتصال لها مع والي الخرطوم السابق، عبد الرحمن الخضر، بعد الحدث مباشرةً أن ما حدث كان مجرد خلل تقني في المصنع وأنه لا علاقة لإسرائيل بضرب مصنع الأسلحة، بالرغم من تأكيد شهود العيان مشاهدة الطائرات. الأمر الذي أكدته وسائل الإعلام العربية والعالمية فيما بعد، ما أجبر المحطة لاحقًا على نفي ما بثته على لسان والي الخرطوم السابق. ولكن الإعلام العالمي ليس مسؤولًا عن السودان بقدر مسؤولية السودان عنه، وهذه هي المعضلة. سؤال آخر يطرح نفسه، أي المحطات تحظى بمتابعة أكبر في السودان، وسائل الإعلام المحلية أم العالمية؟ وما مدى اعتماد فئة الشباب من المثقفين والجامعيين على هذه الوسائل؟ في جولة بشوارع الخرطوم، طرحنا الأسئلة على أصحاب الشأن، أي الرأي العام.
وسائط أخرى
تفاوتت الإجابات ما بين متابع وغير ذلك. عدد كبير من الشباب مثلًا يتابع الأحداث السياسية العالمية أكثر من المحلية. بادرنا في هذا الإطار بسؤال الطيبب جمال عوض إن كان متابعًا لكل الأحداث السياسية العالمية؟ فأجاب قائلًا "أتابع الأحداث السياسية العالمية أكثر من السودانية"، ويرى عوض أن السبب في ذلك هو "ضعف تناول الإعلام السوداني للمادة وضعف مصداقيتها فالأحداث المحلية عبر وسائل الإعلام السوداني تكون تقليدية وبأسلوب خبري غير شامل".
اقرأ أيضًا: الشتائم على الفيسبوك.. أحّا!
ويقول عوض إنه يستطيع التعرف إلى أحداث العالم من خلال عدد من المواقع والوسائط الإعلامية بخلاف الجهاز الإعلامي الرسمي، كمواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية المتعددة، والتي لها أسلوب شيق في جذب الجماهير، فيمكن أن يتعرف القارئ على الأحداث عالميًا أيضًا بشكل غير مباشر، وهذا ليس حصرًا على الأحداث السياسية أو كلام السياسين فقط، بل يمكننا ذلك من خلال تعليقات أصحاب الرأي والنجوم، وعن طريق تفاعل مشاهير العالم مع الأحداث السياسية، ومشاركتهم بها، "بينما مشاهير الوطن كل اهتماماتهم حسب قناعتي لا تتعدى كرة القدم وحفلات المهرجانات".
بدوره، يقول أحمد فضل الله إنه مهتم بالأحداث السياسية سودانيًا وعالميًا، بالرغم من ساعات العمل الطويلة التي لا توفر له الوقت للتفرغ للمتابعة الكاملة لكل الأحداث. لكنه يؤمن "أنه جزء من كل وأنه المتلقي الذي ترسل الرسالة الإعلامية لأجله"، ولذا عليه معرفة ما يدور حوله. وللمتابعة الجيدة للأحداث يخصص وقتًا للتعرف على الأحداث العالمية.
الأكثر متابعة
يصارع الإعلام الاجتماعي وسائل الإعلام التقليدية في السودان
أحداث كثيرة تنوعت ما بين سياسية، كأحداث الربيع العربي، واقتصادية كتذبذب أسعار البترول والكساد الاقتصادي في دول شرق أوروبا، أو ارتفاع أسعار العملات. وهي أخبار لاقت رواجًا إعلاميًا كثيفًا.
وبما أن السودان جزءٌ من الوطن العربي، يتأثر بما يؤثر في العالم من أحداث سياسية فيه، برأي هنادي سليمان طالبة الإعلام، التي تقول "إن ما يحدث في الوطن العربي ينعكس على السودان من الناحية الاقتصادية والسياسية بشكل مباشر، وإن ما يحدث من ثورات في العالم العربي يعتبر شيئًا جديدًا على تلك الدول وبالتالي تكون المتابعة أقوى". أما المهندس الطيب عابدين فيرى أن السبب في زيادة متابعة أحداث الحراك على الصعيد العربي بالمقارنة بالمشهد السوداني السياسي، يرجع لارتفاع وتيرة الأحداث العربية وتلاحقها وارتباطها بتحركات وتغيرات مجتمعية كبيرة، أفرزت واقعًا سياسيًا جديدًا، وقد تبدلت حكومات وزعامات قديمة وتقليدية بالمقارنة مع رتابة المشهد السياسي داخل السودان لأعوام طويلة، وتقلص المناخ الجاذب للعمل والإعلام، كما تقلص التحرك السياسي في المجتمع، إضافة إلى تغطية وسائل الإعلام المحلية للحراك العربي ومتابعته بطريقة "شيقة".
بدورها، ترى جميلة محمد، طالبة كلية العلوم السياسية، أن "وسائل الإعلام المحلية لا تقل أهمية عن العالمية، وأنها تقدم تغطية للأحداث في البلاد بشكل شامل". وتضيف إلى الرأي الغريب هذا، أنها "تثق في الله ثم في شباب هذا الوطن المكافح وعدم استسلامه للغزو الفكري من قبل الإعلام العربي والعالمي الموجه للقضاء على السودان، وتقسيمه إلى دويلات". برأي جميلة أحد أبرز الأسباب في انفصال جنوب السودان عام 2011، هو "تناول الإعلام العالمي التابع لأمريكا وإسرائيل للمسألة، وهو إعلام له أجندات خفية" مؤكدة إصرارها على متابعة "الإعلام السوداني الصادق الشريف"، فيكفي مثلا قناة الشروق السودانية، التي "ساهمت في نهضة السودان وترسيخ وحدته واستقراره". جميلة، ورغم انفصال جنوب السودان، تعتقد أن السودان مستقر.
وشارك خالد منصور، خريج كلية التربية البدنية، جميلة في رأيها، بل تناول الموضوع من جهة أخرى تشمل الناحية الرياضية، حيث تحدث عن قناة قوون الفضائية السودانية المتخصصة في الرياضة، معتبرًا أنها "أفضل من القنوات العربية الرياضية لأن قناة قوون حسب وجهة نظره، تبث بالاشتراك مع التليفزيون الحكومي السوداني مباريات الدوري الممتاز السوداني بناء علي عقد طويل الأجل مع اتحاد الكرة السوداني". هذا كافٍ بالنسبة إليه. وكذلك، الجمود السياسي كافٍ بالنسبة إلى كثيرين. أما الخبر، في الحديث عن الميديا، فهو المهم. فهل من يهتم؟
اقرأ أيضًا: صحافة السودان.. آه يا أمن