13-أكتوبر-2020

توصلت الحكومة الانتقالية لاتفاق سلام مع بعض الحركات المسلحة بعد عام من المفاوضات (رويترز)

سبق لي أن كتبت قبل سنة أن أفضل مكان لعقد مفاوضات السلام هو السودان، فالحركات المسلحة دعمت ثورة كانون الأول/ديسمبر وشارك أنصارها في الثورة، لكن لأسباب ما فضل المفاوضون عقد تلك المفاوضات في جوبا. أية خطوة توقف الحرب في أية منطقة لا بد أن يكون مرحب بها، لكن المبالغة في الاحتفال بهذه الخطوة تعطي انطباعًا سلبيًا وتشكك في جدية الذي يتعاطون مع قضية السلام المعقدة.

سأقدم فيما يلي استعراضًا لما جاء في اتفاقية جوبا والمعوقات أمام تحقيق سلام شامل في السودان.

بنود اتفاقية السلام

احتوت عملية التفاوض على خمس مسارات هي: مسار دارفور، مسار النيل الأزرق وجنوب كردفان، مسار الشرق، مسار الوسط ومسار الشمال. تم توقيع على اتفاق لكل مسار على حدة وعلى اتفاق قومي شامل يطبق على تلك المناطق وعلى البلاد ككل. كان المسار الأهم هو مسار دارفور لاعتبارات عديدة، مثل عدد السكان، فداحة المظالم وتعقيدات المشكلات، ثم يتلوه في الأهمية مسار النيل الأزرق وجنوب كردفان.

تم التوقيع على ثمانية بروتكولات تشمل قضية الأرض والحواكير، والعدالة الانتقالية، والتعويضات وجبر الضرر، وبروتوكول تنمية قطاع الرحل والرعاة، وقسمة الثروة، وتقاسم السلطة، والنازحين واللاجئين والترتيبات الأمنية.

على المستوى القومي سيتم إعادة تقاسم السلطة الذي اتفقت عليه قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري

على المستوى القومي سيتم إعادة تقاسم السلطة الذي اتفقت عليه قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي في آب/أغسطس 2019. ووفقًا للاتفاق، سيتم تمديد الفترة الانتقالية إلى (39) شهرًا من تاريخ توقيع الاتفاقية، أي أنه سيتم تمديد الفترة الانتقالية فترة (12) شهرًا. ويمثل الحركات الموقعة على الاتفاقية ثلاثة أعضاء في مجلس السيادة الانتقالي، و خمسة أعضاء في مجلس الوزراء، و(75) عضوًا في المجلس التشريعي الانتقالي الذي لم يتأسس بعد. نسبة تمثيل الحركات المسلحة في مؤسسات السلطة الانتقالية الثلاث (25) %.

اقرأ/ي أيضًا: لامبيدوزا.. دالة المأساة الإفريقية

تمديد الفترة الانتقالية يعني تمديد رئاسة رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق الركن عبدالفتاح البرهان، بعد أن كان مقررًا انتهائها بعد تسعة أشهر من الآن، ستنتهي بعد (21) شهرًا، ويخوف البعض من أن ينضم أعضاء المجلس السيادي الجدد إلى المكون العسكري، وهذا يعني أن هذا المكون سيعزز قبضته على السلطة أكثر.

ولكل مسار من المسارات الخمس نصيب مختلف في السلطة المحلية. حصلت مكونات مسار دارفور على (40) % من السلطة المحلية، بينما حصلت السلطة الانتقالية على (30) %، وحصلت حركات دارفور الموقعة على (10) % بينما خصصت الـ(20) % المتبقية لأصحاب المصلحة. وتم الاتفاق على تخصيص (20) % من الوظائف في الخدمة المدنية والسلطة القضائية والنيابة العامة والسفراء والبنوك والشركات العامة لأبناء الإقليم.

وتم الاتفاق في مسار النيل الأزرق وجنوب كردفان على إعطاء المنطقتين حكمًا ذاتيًا. أما في مسار الشرق فقد تم الاتفاق على إعطاء مؤتمر البجا المعارض والجبهة الثورية المتحدة للعدالة والتنمية (30) % من السلطة المحلية في ولايات الشرق الثلاث، وعلى تخصيص ما نسبته (14) % من الوظائف في الدولة لولايات شرق السودان. وخصصت (10) % من السلطة المحلية لكل من مساري الوسط والشمال.

تضمنت بروتكولات السلام أيضًا تخصيص نسب معينة في الثروة لكل من الأقاليم في تلك المسارات. ففي مسار دارفور تم الاتفاق على تخصيص نسبة (40) % من صافي عائدات الدولة من الموارد المعدنية والنفطية في دارفور لصالح الإقليم ولمدة (10) سنوات. كما تم الاتفاق على أن تدفع الحكومة المركزية مبلغ (750,000,000) دولار امريكي سنويًا ولمدة (10) سنوات تحول لصندوق دعم السلام والتنمية المستدامة في دارفور لتمويل تنفيذ اتفاق السلام في دارفور.

اقرأ/ي أيضًا: السودانيون واتفاقات السلام.. فصام المصطلح والدلالة

وفي مسار النيل الأزرق وجنوب كردفان تم الاتفاق على منح المنطقتين حق التمتع بـ(40) % من مواردهما لمدة (10) سنوات. وتم الاتفاق على أن تدفع الحكومة (348) مليون دولار أمريكي للتنمية في الشرق.

اتفق الفرقاء في مسار دارفور على اعتماد آليات عدالة انتقالية لتوفير سبل الإنصاف للضحايا

واتفق الفرقاء في مسار دارفور على اعتماد آليات عدالة انتقالية لتوفير سبل الإنصاف للضحايا والمساءلة القانونية لمرتكبي أعمال العنف ذات الصلة بالنزاعات في دارفور. كما اتفق الطرفان على إنشاء لجنة للحقيقة والمصالحة في غضون (60) يومًا من تاريخ توقيع هذا الاتفاق. وأكد الطرفان استعدادهما للتعاون الكامل غير المحدود مع المحكمة الجنائية الدولية بخصوص الأشخاص الذين صدرت بحقهم أوامر القبض، ويشمل ذلك من بين أمور أخرى تيسير مثول المطلوبين أمام المحكمة الجنائية الدولية والالتزام بقرار مجلس الأمن رقم (1593) لسنة 2005، والذي بموجبه تمت إحالة حالة دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية. تلتزم الحكومة بإصدار العفو العام في الأحكام الصادرة والبلاغات ضد القيادات السياسية وأعضاء الحركات المسلحة بسبب عضويتهم فيها، وذلك بعد إجراء الدراسة القانونية اللازمة عبر الأجهزة المختصة فور التوقيع على اتفاق السلام.

وفي الترتيبات الأمنية، تم الاتفاق على تشكيل قوات مشتركة تحت اسم "القوة الوطنية لاستدامة السلام في دارفور"، مهمتها حفظ الأمن وحماية المدنيين ونزع السلاح في الإقليم، على أن تتكون هذه القوة من الجيش والشرطة والدعم السريع وقوات من حركات الكفاح المسلح. كما نصّ اتفاق الترتيبات الأمنية على إعادة دمج قوات الحركات المسلحة وتسريحها تدريجيًا، وفي فترة مدتها (39) شهرًا، تُقسم على ثلاث مراحل؛ (12) شهرًا و(14) شهرًا و(13) شهرًا.

وحول هيكلة القوات المسلحة، اتفقت الأطراف على إجراء إصلاحات تدريجية في تلك القوات، بما يضمن تمثيل كل الأقاليم، وخاصة المهمشة، وفي كل الرُتب بما في ذلك العليا منها. كما نص الاتفاق على عقيدة عسكرية جديدة.

المخاطر التي يمكن أن تعيق تطبيق الاتفاقية

سيكون تطبيق هذه الاتفاقية مستحيلًا إذا لم تتوصل المنظمتان الأكبر بين الحركات المسلحة بقيادة عبدالعزيز الحلو وعبدالواحد النور إلى اتفاق سلام مع الحكومة. الحركة الشعبية بقيادة الحلو هي التي لها تواجد عسكري في جنوب كردفان، حيث تسيطر على سلسلة من الجبال. وحدث مؤخرًا تطور إيجابي بين السلطة الانتقالية وهذه الحركة بعد الاجتماع الذي عقده نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي" واالقائد عبدالعزيز آدم الحلو في جوبا في 8 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، حيث اتفق الرجلان على عقد ورش لمناقشة القضايا الخلافية قبل استئناف التفاوض ومن المقرر أن تعقد أول ورشة في 14 تشرين الأول/أكتوبر الجاري.

لعبدالواحد محمد نور تواجد عسكري في مناطق في جبل مرة، وتحدث بين الحين والآخر اصطدامات بين قواته من جانب وقوات الجيش السوداني والدعم السريع من جانب آخر. كان آخر تلك الاصطدامات ما أشار إليه بيان صدر عن الجيش السوداني في 28 أيلول/سبتمبر الماضي. عبدالواحد لا يزال مصرًا أن السلام لن يتحقق سوى من خلال مؤتمر يعقد داخل السودان وبمشاركة الجميع.

اقرأ/ي أيضًا: وقاحة مبدأ المساعدات مقابل التطبيع

وسيواجه تطبيق مسار الشرق مصاعب عند التطبيق، حيث تسبب حتى قبل التوقيع عليه في صراعات قبلية نتج عنها قتلى وخسائر في الممتلكات. كان شرق السودان قد توصل في 2006 بوساطة من حكومة إريتريا إلى اتفاقية سلام عرفت باسم اتفاقية سلام شرق السودان، حيث تم بموجبها تمثيل مكونات جبهة الشرق في السلطة المركزية وأعطيت منصب مساعد رئيس جمهورية ووزيري دولة. يشعر الذي وقعوا على اتفاقية 2006 أنهم استبعدوا الآن وأن اتفاق مسار الشرق سيكون على حسابهم. وقد تشعر الحكومة الإريترية التي رعت ذلك الاتفاق بشعور مماثل حيث لم تشارك بأي وفد في حفل التوقيع على اتفاقية جوبا. لقد أشرت في مقال لي نشر في كانون الأول/ديسمبر الماضي في "سودانايل" بضرورة استصحاب اتفاقية الشرق في مفاوضات جوبا فتجاهلها سيفاقم التوترات بين مكونات الإقليم.

الكلفة المالية الباهظة للاتفاقية في بلد عاجز عن توفير احتياجات مواطنيه الأساسية قد تعيق تنفيذها

هناك سبب آخر قد يعيق تنفيذ هذه الاتفاقية، وهو كلفتها المالية الباهظة في بلد عاجز عن توفير احتياجات مواطنيه الأساسية. تطبيق هذا الجانب من الاتفاقية سيعتمد على سخاء المانحين والتزامهم بوعودهم. وهناك بنود أخرى مثل النسب المتفق عليها في الخدمة المدنية لسكان الأقاليم التي عقدت الاتفاقية بخصوصها، فتطبيق هذه النسب سيواجه أيضًا عقبات فنية ضخمة لا تتعلق فقط بالكفاءة، وإنما بإيجاد الشواغر الوظيفية.

الفشل في تطبيق الاتفاقية سيعني انتكاسة لعملية السلام، وسيكون له تأثير سلبي على مسار الفترة الانتقالية. إذا لم يتوصل الحلو ونور إلى اتفاق سلام مع السلطة الانتقالية، فإن الاتفاق حتى لو تم تطبيقه سيكون سلامًا ناقصًا ومع الثقل الأكبر نسبيًا للموقعين على هذا الاتفاق من الذين كانوا قد وقعوا مع نظام البشير، فإن اتفاقهم أيضًا سيكون من النوع ذاته، يوفر بعض التهدئة والزخم السياسي لكنه لن ينجز السلام الشامل.

اقرأ/ي أيضًا

وداعًا للانقلابات العسكرية في السودان

المشهد السياسي ما بعد اتفاق السلام.. كيف سيكون؟