"لا تتعارك الأسماك أثناء مرور قارب الصيد"، هذه العبارة يرددها بعض هواة الغوص في البحر الأحمر قريبًا من مدينة بورتسودان الواقعة شرق البلاد، يمنحك مثالًا لطبقة في السودان لديها اهتمامات بالبحر والمحميات في الجزر وتحت سطح الماء.
لشخص يعيش في مدينة ساحلية مثل بورتسودان، ينبغي أن يزور البحر بين الحين والآخر، وربما يتطلب ذلك معدات للغوص أو الركوب على زورق مطاطي للترويح والاستكشاف، وهذه الأشياء لا تتوفر لدى الغالبية من سكان هذه المدينة الساحلية، والتي تعتمد على العمل في شحن البواخر وتفريغها بأجر زهيد.
إذا شاهدت صور محمية جزيرة سنقنيب السودانية على البحر الأحمر فهي أُخذت بواسطة هواة أرادوا اكتشاف كنوز مهملة في وطنهم
وسط أجواء قليلة البرودة تميل إلى الاعتدال، تجرد "منصور" من ملابسه ليبدأ رياضة الغطس في البحر الأحمر. هذه الرحلات ليست مجانية لأن هذا الشاب وصل إلى مدينة بورتسودان على متن شاحنة يحمل فيها أدوات الغطس، كما أنه من هواة التخييم على الرمال.
يحب هذا الشاب الثلاثيني الأجواء الطبيعية والمناظر الخلابة، ومهمته هذه المرة زيارة جزر على البحر الأحمر تقع ضمن المياه السودانية على هذا البحر، والذي يضم محمية "جزيرة سنقنيب السودانية"، والتي يعتبرها المحللون الاقتصاديون والمستثمرون في السياحة بأنها "ثروة مُهملة".
وربما العوالم المثيرة عن محمية "سنقنيب" لم يتم روايتها بعد، مثل مشاهدة الدلافين التي تزور المحمية بين الفينة والأخرى، أو أنواع الحيتان التي تتردد إلى المحمية الواقعة في البحر الأحمر داخل الحدود السودانية.
وانتشرت صور للمحمية السودانية في البحر الأحمر على الشبكات الإعلامية الأعوام الأخيرة، وقد لا تصدق إن هذه المناظر موجودة في السودان، لكنها الحقيقة.
الصور المنتشرة لسياح محليين نظموا رحلات إلى هناك، في محاولات فردية للكشف عن ما وراء المحمية الخلابة بالألوان المائية.
وقال منصور: "الصور المنتشرة عن المحمية لا تعد ترويجًا ممنهجًا للسياحة بواسطة الجهات المختصة، بل هي مغامرات أفراد أرادوا اكتشاف كنوز مهملة في وطنهم".
ويضيف منصور الذي ينتمي إلى طبقة فوق الوسطى في الوضع المالي لـ"الترا سودان"، إنه جاء من الخرطوم عقب حصوله على عطلة أسبوعين من العمل في استثماراته الصغيرة، لأنه من هواة الغطس، فهو دائمًا يحب قضاء الوقت بين أمواج البحار.
يحلم هذا الرجل بالتنقل عبر القارب في البحر الأحمر لأيام أو أسابيع، لكن تصميم قاربه لا يساعده على ذلك فهو مجهز للإبحار لوقت أقل، ولا يصمد أمام الأمواج العاتية في العمق.
ويتابع: "كلما زادت الطموحات تقابلها بالإنفاق المالي، فإذا أردت قارب حديث مجهز للرحلات البحرية ويضم غرفة ومقصورة جميلة وسائق ومحرك جيد، فإن هذا الأمر قد يكلف عشرات الآلاف من الدولارات".
ويأمل السائحون من هواة الغطس في البحر الأحمر على الساحل السوداني شرقًا، المكوث لساعات طويلة في عمق البحر، لكن بالنسبة لبلد ما يزال يرزح تحت خط الفقر وافتقار للبنية التحتية، فإن هذا الأمر "ينظر له على أنه ترف".
ويقول نزار وهو من هواة الغطس ويسافر إلى البحر الأحمر سنويًا لـ"الترا سودان"، إن الغطس من أفضل الرياضات التي تحقق نتائج مذهلة إلى جانب تغيير نمط حياة الأشخاص إلى الأفضل والشعور بالاسترخاء.
ويختم هواة الغطس في البحر الأحمر يومهم بالذهاب إلى مطاعم تقدم أطباق السمك على الساحل، ميزتها أنها تعمل على مدار اليوم وحتى منتصف الليل.
هذه الوجهات السياحية لا تجد حظها في الترويج السياحي بواسطة الجهات الحكومية، كون هذه الولاية تواجه اضطرابات أمنية واجتماعية بين الحين والآخر، بينما يقول نزار إن "البحر الأحمر كنز مفقود".
ويضيف: "رياضة الغوص في البحر الأحمر، أو حتى ارتياد هذه المواقع السياحية رغم تواضعها وكونها تفتقر للبنية التحتية مثل شبكة المواصلات والإنترنت والإقامة الفندقية، فإنها مستقبلًا قد تدر على السودان مئات الملايين من الدولارات".
تعد المناطق الساحلية على البحر الأحمر مركزًا للاهتمام الإقليمي والعالمي للأغراض الأمنية والعسكرية
وتعد المناطق الساحلية على البحر الأحمر مركزًا للاهتمام الإقليمي والعالمي للأغراض الأمنية والعسكرية، أو حتى عبور السفن في طرق التجارة الدولية، بينما يرى محللون أن السودان ما زال بعيدًا ربما عن معرفة أهمية هذا المرفق الاستراتيجي.
ويقول محللون إن السودان يفتقر لتنمية المناطق الحدودية، وظل عرضة لتغول دول الجوار على أراضيه، بينما تحافظ البلدان على حدودها بـ"تنميتها اقتصاديًا واجتماعيًا".