25-يوليو-2024
قصف الطيران الحربي في ولاية الجزيرة

تطورات متسارعة تلاحق الأزمة السودانية على خلفية البيان الصادر من وزارة الخارجية الأميركية بالإعلان رسمياً عن مفاوضات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في جنيف منتصف آب/أغسطس القادم. تُناقش هذه المفاوضات المساعدات الإنسانية وإمكانية وقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد.

باحث: مفاوضات جنيف ستكون بشكل مباشر بين الجيش والدعم السريع

وزير الخارجية الأميركية، أنتوني بلينكن، سيكون حاضراً إذا أرسل الجيش والدعم السريع وفوداً بمستوى رفيع في محادثات جنيف، في مسعى من واشنطن لتشجيع الجنرالين على قيادة عملية التفاوض وفق التسريبات التي نشرتها "فورين بوليسي" الأميركية.

تأتي مفاوضات جنيف الشهر المقبل في ظل معارك تدور على الأرض وانعدام الممرات الآمنة لوصول الغذاء إلى المدنيين، وتعرض الملايين إلى خطر الجوع ووصول (700) ألف شخص إلى حافة المجاعة وفق تقديرات الأمم المتحدة.

تسارع الأحداث

الأحداث تسارعت أيضاً في الساعات الماضية، وكشفت وسائل إعلام محلية عن زيارة مرتقبة مطلع آب/أغسطس القادم للمبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، توم بيرييلو، ومدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، سامانثا باور، للقاء قادة الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وتقديم دعوة مفاوضات جنيف رسمياً.

يرى المراقبون السياسيون أن النقطة الإيجابية في مفاوضات جنيف هي الإعلان الأميركي بأن المحادثات ستبدأ من البنود المتفق عليها بين الجيش والدعم السريع في منبر جدة، بما في ذلك اتفاق 11 أيار/مايو 2023 بين الطرفين المتحاربين في السودان، والذي ينص على إخلاء القوات العسكرية للمرافق المدنية ومنازل المدنيين، والسماح بحركة التنقل ودخول الإغاثة، بما في ذلك القوافل التجارية، إلى جميع المناطق.

توم بيرييلو ونائب وزير الخارجية السعودي
التقى المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييلو نائب وزير الخارجية السعودي على هامش اجتماعات جيبوتي التي تتعلق بالأزمة في السودان (وكالة الأنباء السعودية)

هذه النقطة، في نظر الباحث السياسي مصعب عبد الله، قد تشجع الجيش على الانخراط في مفاوضات جنيف لطالما كان هذا بنداً اشترطته القوات المسلحة أكثر من مرة للذهاب إلى التفاوض. ويقول عبد الله لـ"الترا سودان" إن المسهلين الأميركيين والسعوديين ربما فطنوا إلى هذه النقطة لمنح بعض الحوافز للجيش للذهاب نحو التفاوض.

واستبق المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، توم بيرييلو، زيارته إلى السودان بزيارة إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، شملت المملكة العربية السعودية، وناقش مع المسؤولين الدبلوماسيين في الرياض المعنيين بالشأن السوداني عملية المفاوضات في جنيف.

مساران لا ينفصلان

تتركز مفاوضات جنيف على مساري المساعدات الإنسانية ووقف إطلاق النار، مع توقعات بأن المحادثات ستكون بين الجيش والدعم السريع بشكل مباشر، وليس تفاوضاً غير مباشر كما حدث في جنيف منتصف هذا الشهر.

ويقول الباحث في الديمقراطية والسلام، مجاهد أحمد، لـ"الترا سودان" إن المفاوضات في جنيف بين وفد الجيش ووفد الدعم السريع ستكون مباشرة برعاية أميركية سعودية إلى جانب الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وممثل من الهيئة الحكومية للتنمية الدولية "الإيقاد".

باحث: محادثات جنيف ستضع على الطرفين المتصارعين في السودان مقترحات بناءة لوقف إطلاق النار للأغراض الإنسانية قد تكون الفترة محدودة من شهر إلى ثلاثة أشهر

ويرى أحمد أن محادثات جنيف ستضع على الطرفين المتصارعين في السودان مقترحات بناءة لوقف إطلاق النار للأغراض الإنسانية قد تكون الفترة محدودة من شهر إلى ثلاثة أشهر قابلة للتجديد.

وأردف: "لا يمكن للطرفين سوى القبول مع وضع المقترحات التي بحوزتهما بغرض تطوير الاتفاق الإنساني ووقف إطلاق النار، لكن لا مجال للرفض أو مغادرة المفاوضات لأن المجتمع الدولي يشعر بالصدمة من تقارير المجاعة في السودان".

ويقول مجاهد أحمد إن الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة الأميركية على وشك الذهاب نحو الانتخابات وملف السودان له علاقة بالتقاطعات الدولية، لذلك الإدارة الأميركية تريد الوصول إلى اتفاق في السودان لإنهاء الحرب.

ويقول أحمد إن مفاوضات جنيف ستضع آليات لمراقبة وقف إطلاق النار ولن يُترك الطرفان كما تُركا في الهدن التي وُقعت بينهما في منبر جدة دون آلية مراقبة على الأرض.

ويشير إلى أن آليات التحقق تطورت في ظل استخدام الأقمار الاصطناعية بواسطة الولايات المتحدة ومنظماتها على الأرض، وأي طرف يقوم بخرق وقف إطلاق النار سيتكبد عقوبات تطال الطرفين.

وتفاقم الوضع الإنساني في السودان مؤخراً بنزوح أكثر من عشرة ملايين شخص داخل وخارج البلاد، كما وضعت الحرب مستقبل الأجيال على المحك بتوقف التعليم وفقد ثلاثة ملايين شخص عملهم في القطاع الخاص وتضرروا مع عائلاتهم.

كما اتخذت دول الجوار والإقليم التي لجأ إليها السودانيون إجراءات مشددة بحق اللاجئين، إما بوضع القيود على الإقامة والتحرك والعمل أو إبعاد الآلاف منهم. وفي ظل هذا الواقع الذي يصفه الناشطون السودانيون بالمأساوي، فإن امتداد رقعة الحرب داخل البلاد تعصف بالاستقرار في الولايات الآمنة نسبياً التي نزح إليها الملايين.

آليات جديدة للمراقبة

لن تقتصر المفاوضات في جنيف على مناقشة الوضع الإنساني بالتفاصيل العامة، بل ستمتد النقاشات إلى أدق التفاصيل المتعلقة بوصول الغذاء إلى المدنيين، حسب العاملة والمحللة في مجال العمل الإنساني نهلة حسن، التي تقول لـ"الترا سودان" إن مفاوضات جنيف صُممت لإيصال الغذاء إلى ملايين الأشخاص في السودان، وأي طرف يعرقل هذه المحادثات سيكون مصيره العقوبات الدولية والعزلة في ذات الوقت.

وتقول نهلة حسن إن الولايات المتحدة الأميركية تريد البدء من النقاط التي توقفت عندها المفاوضات في منبر جدة، لأن الاتفاقات الموقعة بين الطرفين المتصارعين ملزمة ولا تسقط بالتقادم، وهي مواثيق قانونية اعتمدتها الأمم المتحدة أيضاً.

محللة في المجال الإنساني: مفاوضات جنيف فُرضت على الجيش والدعم السريع، ولا سبيل لرفضها أو مقاطعتها

وتابعت: "مفاوضات جنيف فُرضت على الجيش والدعم السريع، ولا سبيل لرفضها أو مقاطعتها، بما في ذلك مستوى التمثيل الذي سيكون على مستوى رفيع، وربما سيعرف الوسطاء مدى جدية الطرفين في المحادثات من خلال مستوى تمثيل الوفدين. إذا كان منخفضاً كما حدث في مفاوضات جنيف السابقة وجدة، فإن هذا يعطي مؤشرات على عدم وجود تمثيل رفيع لديه القدرة على بذل التعهدات وتنفيذها".

وتردف نهلة حسن: "الولايات المتحدة ألمحت إلى ضرورة التمثيل الرفيع للوفدين المفاوضين حتى تضمن تنفيذ الالتزامات بناءً على القرارات التي يتخذها رؤساء وأعضاء الوفدين".

تدخل حرب السودان في شهرها الـ (16) منتصف الشهر القادم، وفي ذات الوقت تبدأ محادثات وقف إطلاق النار والمساعدات الإنسانية. يعتقد رعاة المفاوضات أن المسارين قد يحققان وقف الحرب نهائياً في وقت لاحق من خلال إجراءات بناء الثقة وتعزيز ثقافة السلام بدلاً من الخطاب العسكري المرتفع.