19-نوفمبر-2024
مندوب روسيا في الأمم المتحدة ديمتري بوليانسكي

مندوب روسيا في الأمم المتحدة ديمتري بوليانسكي

قال ديمتري بوليانسكي مساعد السفير الروسي لدى الأمم المتحدة خلال مداولات مجلس الأمن الدولي، إنه ينبغي عدم وضع جميع الشرور في السودان على كاهل الجيش، مناشدًا مجلس الأمن بالعمل على مساعدة السودانيين للوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار.

شددت المسودة البريطانية التي فشل مجلس الأمن في تبنيها على ضرورة إنهاء هجمات الدعم السريع في الجزيرة والفاشر 

واستخدمت روسيا حق النقض "الفيتو" خلال جلسة مجلس الأمن الدولي ضد مشروع تقدمت به بريطانيا والسيراليون مساء أمس الاثنين، تتعلق بوضع تدابير لحماية المدنيين من بينها نشر قوات دولية وتوسيع دائرة اختصاص الملاحقة الجنائية للمتورطين في الانتهاكات بحق المدنيين في السودان، خلال النزاع المسلح الذي يدور منذ (19) شهرًا.

ورحبت حكومة السودان باستخدام روسيا لحق النقض بمجلس الأمن في مواجهة مشروع القرار البريطاني، وأشادت الخارجية السودانية في بيان =بالموقف الروسي الذي "جاء تعبيرًا عن الالتزام بمبادئ العدالة واحترام سيادة الدول والقانون الدولي ودعم استقلال ووحدة السودان ومؤسساته الوطنية"، طبقًا لما ورد.

بنود المسودة البريطانية 

ومن أبرز بنود مسودة القرار البريطانية التي قدمت لأعضاء مجلس الأمن الدولي من الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، وجرى التصويت عليها أمس الاثنين 18 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري خلال جلسة مجلس الأمن، برئاسة بريطانيا حاملة القلم للمجلس هذا الشهر، تعبير المسودة عن القلق إزاء انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان وانتهاكات القانون الإنساني الدولي ضد المدنيين التي ترتكبها أطراف النزاع، والواردة في توصيات الأمين العام بشأن حماية المدنيين في السودان.

وأدانت المسودة  الهجمات التي تشنها قوات الدعم السريع ضد المدنيين، التي وثقتها التقارير، بحيث تتضمن عمليات القتل بدوافع عرقية، والاغتصاب، والعنف القائم على نوع الجنس، وتدمير سبل العيش ونهب المنازل في ولاية الجزيرة والفاشر والجنينة وحولهما بدارفور.

كما أعربت المسودة البريطانية عن قلقها إزاء الهجمات ضد المدنيين والأهداف المدنية الحيوية، بما في ذلك المستشفيات والمرافق الإنسانية، وشددت على حرمة المباني الدبلوماسية خلال النزاع المسلح في السودان.

وأكدت المسودة على أن أنجع السبل لحماية المدنيين في السودان الوقف الفوري للأعمال العدائية، كما شددت المسودة على ضرورة حماية الأطفال ومنع الجرائم التي ترتكب ضدهم، قائلةً إن الانتهاكات المبلغ عنها بلغت نسبتها 480%، بما في ذلك القتل والتعذيب والتشويه والتجنيد والاختطاف والعنف الجنسي والاحتجاز.

ونصت المسودة  البريطانية على أهمية التحرك العاجل في ما يخص الحالة الإنسانية المتردية في السودان، لانعدام الأمن الغذائي بأشد المستويات في مناطق النزاع ، محذرة من خطر انتشاره في أنحاء أخرى من البلد.

ودعا  مشروع القرار جميع أطراف النزاع للامتثال للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان وحماية المدنيين، ووصول المساعدات الإنسانية، وشدد مشروع القرار على حماية العاملين في المجال الإنساني وحماية شحنات الإغاثة الإنسانية، والسماح بمرور الإغاثة الإنسانية عاجلاً وفقًا للقانون الإنساني الدولي.ومن بين بنود المسودة البريطانية التي ناقشها مجلس الأمن الدولي، مطالبة أطراف النزاع بحماية البنية التحتية المدنية.

إنهاء هجمات الدعم السريع 

وطالبت المسودة البريطانية أيضًا قوات الدعم السريع الوقف الفوري لهجماتها على الفاشر وشمال دارفور وولاية الجزيرة وفي جميع أنحاء السودان، ونصت المسودة على وقف الفوري للأعمال العدائية ودخول الأطراف المتحاربة في حوار للاتفاق على تدابير خفض التصعيد بهدف الاتفاق العاجل على وقف وطني لإطلاق النار.

كما دعا مشروع القرار البريطاني أطراف النزاع المسلح للوفاء بالالتزامات التي تعهدا بها في إعلان جدة.

فشل مجلس الأمن الدولي في اتخاذ قرار جماعي بشأن مشروع القرار البريطاني خلال جلسته أمس الاثنين، عقب استخدام روسيا حق النقض "الفيتو" الذي عرقل المسودة، ما يعني احتمالية إعادتها مرة أخرى إلى المجلس، وقد تسبق ذلك مفاوضات خلف الغرف الدبلوماسية بين الدول المؤثرة في قرارات مجلس الأمن الدولي.

في ذات الوقت فإن وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض خلفًا للرئيس جو بايدن المنتمي إلى الحزب الديمقراطي، قد يقلل من تسويق المسودة البريطانية مجددًا بشأن السودان، خاصة وأن ترامب ليس على وفاق مع لندن حسب خبراء دبلوماسيين، مع الوضع في الاعتبار أن الطاقم الأميركي المعني بملف السودان في الخارجية الأميركية سيغادر موقعه مطلع العام القادم.

وذكر ديمتري خلال جلسة مجلس الأمن التي جرت الاثنين حول مشروع قرار تقدمت به بريطانيا وسيراليون لحماية المدنيين في السودان، أن روسيا تتفق مع الأعضاء في مجلس الأمن على  أن الصراع في السودان يتطلب حلًا سريعًا وعاجلًا.

لعبة القوى الاستعمارية 

وأشار إلى أن السبيل الوحيد لتحقيق وقف إطلاق النار في السودان هو أن  يتم بطريقة متسقة ومنفتحة، بدلاً من فرض آراء بعض الأعضاء في مجلس الأمن على السودانيين من خلال قرارات المجلس، مع إضافة أفكارهم التي تعود إلى فترة ما بعد الاستعمار فيما يتصل بمستقبل البلاد.

وشدد قائلًا: "لا ينبغي للمجلس أن يصبح لعبة في أيدي القوة الاستعمارية السابقة الراغبة في تسجيل نقاط مع الجالية السودانية في المملكة المتحدة".وقال المندوب الروسي في مجلس الأمن الدولي، الذي عقد اجتماعه أمس الاثنين في نيويورك، إن المشكلة الرئيسية في المسودة البريطانية هي أنها تستند إلى فهم خاطئ فيما يتصل بمن يتحمل المسؤولية عن حماية المدنيين في السودان، وضمان السيطرة على حدود البلاد وأمنها. 

وتابع بالقول: "هناك أيضًا تصور خاطئ فيما يتصل بمن يحق له اتخاذ القرارات بشأن دعوة القوات الأجنبية إلى السودان، وفي نهاية المطاف فيما يتصل بمن ينبغي لمسؤولي الأمم المتحدة أن يتفاعلوا معه من أجل معالجة المشاكل القائمة وترتيب المساعدات". 

وأردف: "لا شك لدينا في أن حكومة السودان وحدها هي التي ينبغي لها أن تلعب هذا الدور؛ ولكن من الواضح أن حاملي القلم البريطانيين يحاولون حرمان السودان من هذا الحق". ونوه إلى أن صياغة المسودة البريطانية  بأكملها، لم تدخر أي جهد لحذف أي ذكر للسلطات الشرعية في السودان من الأحكام الرئيسية في المسودة.

ووصف ديمتري موقف بريطانيا بالسخيف وغير مقبول، خاصة في ضوء حقيقة أن حكومة السودان تمثل بلادها في المنظمات الدولية، وتنسق العمليات الرئيسية في الدولة، وتشارك في توزيع المساعدات الإنسانية؛ وفي المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، يبحث السودانيون أنفسهم عن اللجوء والحماية.

وقال إن موقف بريطانيا والذي تبناه بعض الأعضاء في مجلس الأمن مجرد محاولة لإعطاء أنفسهم الفرصة للتدخل في شؤون السودان، وتسهيل مشاركتهم في المزيد من الهندسة السياسية والاجتماعية في البلاد.

استبدال بعض العبارات 

وزاد قائلًا: "هذا هو الحال على وجه التحديد في ربيع عام 2023، عندما أدت محاولات فرض قرارات لم تحظ بدعم سكان البلاد إلى إرساء الأساس للمأساة التي وقعت في السودان".وقال المندوب الروسي، ‏إن الدوافع الحقيقية وراء مشروع القرار تتضح أيضًا من خلال حقيقة مفادها أن الدعوات السابقة التي وجهها مجلس الأمن لقوات الدعم السريع لإنهاء حصار الفاشر وغيرها من المدن قد استبدلت في نص مشروع القرار بلغة مشوهة جديدة توحي بأن المقاتلين يجب أن يوقفوا هجماتهم ضد المدنيين فقط. وعلى هذا، فإن القرار يدعونا في الأساس إلى تشجيع استمرار الأعمال العدائية.

وأفاد مساعد السفير الروسي أن هذه الطريقة ستقود روسيا لعدم التردد في مواصلة استخدام حق النقض، لمنع مثل هذه السيناريوهات التي قد تكون لها عواقب وخيمة على أشقائنا الأفارقة.

ورفض مساعد السفير الروسي اقتراح مشروع القرار البريطاني  باستخدام آليات خارجية لضمان المساءلة عن أعمال العنف، مشيرًا إلى أن هيئات مثل المحكمة الجنائية الدولية عجزت بالفعل فيما يتصل بالسودان وغيره من الأوضاع. 

وأشار إلى أن روسيا على قناعة بأن إدارة العدالة، ينبغي أن تظل من اختصاص الحكومة السودانية وحدها ولا تقبل التجزئة.وقال المندوب الروسي إن مجلس الأمن طلب مؤخرًا من الأمين العام للأمم المتحدة تقريرًا يتضمن توصيات بشأن حماية المدنيين في السودان، ويشير التقرير بوضوح إلى أن الظروف ما زالت غير ناضجة لنشر قوات دولية في البلاد. 

وأضاف: "من جانبنا، نود أن نضيف أن هذا هو الحال بالفعل، فلا يوجد اتفاق لوقف إطلاق النار، ولا تفاهم بشأن المكان المحدد الذي سيتم فيه نشر هذه القوات في البلاد، وما هي الأغراض التي قد تكون لها".

وأوضح ديمتري أن طلب قوات دولية ينبغي أن يكون نابعًا من القيادة السودانية، وعلى المدى البعيد لا نستبعد ذلك، لكننا مقتنعون بأننا إذا بدأنا هذا العمل الآن متجاهلين رأي السلطات السودانية فلن يؤدي إلى شئ جيد، ولفت إلى أن  جهود حفظ السلام السيئة التصميم خلال المرحلة النشطة من الصراع الداخلي، والتي هي كبيرة جدًا من حيث الجغرافيا، يمكن أن تؤدي إلى كارثة كاملة. 

وأكمل قائلًا : "إذا تحقق هذا السيناريو، فإنه قد يؤدي إلى تقويض ثقة السودان في الأمم المتحدة إلى الأبد، والتي تضررت سمعتها بالفعل بشكل خطير بسبب الأنشطة غير المتسقة لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة الانتقالية في السودان - اليونيتاميس - والتي تم إنهاء عملها بالفعل.

فرض القيود ليس عبثًا 

وأوضح مساعد السفير الروسي، أن بلاده تختلف تمامًا مع الرواية التي يروج لها القائمون على هذه الورقة حول الوضع الإنساني المزري وتجاهلهم المتعمد لآراء وبيانات الوكالات السودانية المعنية، مشيرًا إلى أن وكالات الأمم المتحدة الإنسانية وشركائها الغربيين بحاجة إلى تجديد ذاكرتهم فيما يتعلق بالمبادئ الإنسانية التوجيهية للأمم المتحدة، بما في ذلك الطبيعة غير المسيسة لأي مساعدة. 

ونوه إلى أنه من غير المناسب المطالبة بأن يفتح السودان جميع حدوده أمام وصول المساعدات الإنسانية، مع عدم استخدام المعابر الحدودية العديدة التي توفرها سلطات الدولة لتقديم المساعدات.

ورأى ديمتري لدى مجلس الأمن الدولي، أن فرض بورتسودان للقيود ليس عبثاً؛ ولهذا السبب فقد كانت تلوح بخطر إرسال الأسلحة عبر الحدود لإطعام المتمردين. وأردف قائلًا: "الأفضل معالجة الأسباب الجذرية لمخاوف الشعب السوداني، بدلاً من المطالبة بحدود شفافة ونحن نعتقد أنه من الأهمية بمكان أن يتم الاتفاق على أي خطوات في المجال الإنساني حصريًا مع السلطات السودانية المركزية". 

عقوبات أحادية 

واتهم مساعد السفير الروسي لدى الأمم المتحدة واشنطن ولندن بالمواصلة في استغلال الأمر لتحقيق أغراضهما الخاصة، ومن خلال العقوبات الأحادية غير القانونية، تعملان ببساطة على عرقلة جهود قيادة البلاد لتقديم المساعدة للشعب.

وحث ديمتري مجلس الأمن الدولي على إلقاء نظرة رصينة على الطريقة التي يتعامل بها مجلس الأمن مع المسألة السودانية. فبدون التفاعل البناء والجاد بين كل أعضاء مجلس الأمن والحكومة السودانية، وبدون الرغبة الصادقة في مساعدة السودانيين على التغلب على الصعوبات، فإن أي قرارات يتخذها المجلس محكوم عليها بالفشل، داعيًا إلى تجنب أسلوب ممارسة الضغوط المتزايدة. 

قال المندوب الروسي، إن المبعوث الشخصي للأمين العام رمطان لعمامرة يواصل جهوده

وقال ديمتري، إن المبعوث الشخصي للأمين العام رمطان لعمامرة يواصل جهوده، وأردف: "يتعين علينا أن نمنحه الوقت والفرصة السياسية للتحدث إلى كل أولئك الذين قد يكون لهم بعض النفوذ على التسوية"، سواء كانوا لاعبين داخليين أو خارجيين.

وشدد على ضرورة التخلص مما أسماه بـ"المعايير المزدوجة"، موضحًا أنها تبدو فادحة بشكل خاص في حالة السودان. فعندما يتعلق الأمر بالسودان، تنادي بعض البلدان بصوت عال بوقف إطلاق النار، وتطالب الجانبين بوقف العنف وحماية المدنيين، بينما في حالة قطاع غزة، تعطي هذه البلدان ذاتها "تفويضًا مطلقًا" لـ"إسرائيل" حتى تواصل التصعيد، متجاهلةً الانتهاكات الصارخة للقانون الإنساني الدولي من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي. 

وختم مساعد السفير الروسي مرافعته في مجلس الأمن الدولي بالقول: "على نحو مماثل، تعطي هذه البلدان الأولوية لحق إسرائيل في الدفاع عن النفس وحماية مواطنيها، ولكن عندما يتعلق الأمر بالسودان، فإنها تنكر بطريقة أو بأخرى نفس الحق لحكومتها وتتهم الجيش السوداني بكل الشرور".

ودعا ديمتري مجلس الأمن الدولي، إلى التخلي نهائيًا عن التفكير الاستعماري الجديد، ومحاولات خلق الفوضى بشكل مصطنع في البلدان التي تنتهج سياسات مستقلة، من أجل الاصطياد في مياهها العكرة.