يقترب المسار السياسي في السودان من "مرحلة التحالفات الجديدة"، سيما بعد خطاب قائد الجيش الذي أعلن خروج العسكريين من العملية السياسية وذلك في الرابع من تموز/يوليو الجاري.
وبعد شهور طويلة أعقبت الانقلاب العسكري، تفرق الفاعلون السياسيون إلى "جزر معزولة"، بدءًا من قوى الحرية والتغيير "المجلس المركزي" التي رفضت بيان قائد الجيش، وفي الوقت ذاته اتجهت إلى محطة التأسيس للإعلان الدستوري الجديد.
مرحلة جديدة ولاعبون جدد يدخلون العملية السياسية
أما "مجموعة التوافق الوطني" التي تتكون من بعض الحركات المسلحة وأحزاب مدنية أيدت خطوة الجيش وطالبت بالمزيد من التوضيحات وبدأت في جولات سياسية داخلية لإدخال حلفاء جدد إلى صفها، ما يشير إلى أن المشهد القادم سيكون له صيغية تحالفية بين الأحزاب والحركات وتكتلات داخلية في ذات الوقت.
ويأمل المجتمع الدولي أن تبدأ "عملية تفاهمات" للوصول إلى تقارب وتكوين حكومة مدنية ذات توافق كبير بين السودانيين، تنفيذًا لمرحلة ما بعد "خطاب البرهان" بالخروج من العملية السياسية.
عملية التقارب بين المدنيين يراها المحللون "مهمة صعبة"، خاصة بين قوى ساندت الانقلاب العسكري وقوى وقفت ضده، بدًا بخطوات نهاية الأسبوع الماضي بلقاء "التوافق الوطني" وأبرز قياداتها مني أركو مناوي ومبارك أردول وانخرطوا في لقاء مع قيادات من الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، وعلى رأسهم أحمد سعد عمر وإبراهيم الميرغني.
وانتهى اللقاء بتشكيل لجنة مشتركة لصياغة الرؤى وربما الترتيب للإعلان الدستوري الذي على ضوئه سيتم تشكيل الحكومة المدنية.
بينما "الإعلان الدستوري" هو ذات الاتجاه الذي تمضي إليه "مجموعة المجلس المركزي"، بالتالي فإن ثمة توجه عام بين الفاعلين السياسيين على الترتيب لهذه الخطوة للاتفاق على تشكيل مؤسسات الفترة الانتقالية ذات مهام محدودة وصولًا إلى الانتخابات.
وربما تدخل قوى الحرية والتغيير "المجلس المركزي" إلى هذه المرحلة مستندةً على "اتفاق عام" بين مكوناتها بتشكيل حكومة كفاءات مستقلة غير حزبية، خاصة وأن الحكومة القادمة لن تكون ذات مهام واسعة مثل حكومة حمدوك التي علق السودانيون الآمال عليها لنقل البلاد إلى مرحلة الرفاهية ومحاسبة قادة النظام البائد. وقد توضح التطورات القادمة كيف أن الآمال تقلصت وانخفضت السقوفات أمام السودانيين الذين خرجوا في ثورة واسعة ولم يحصدوا "ثمار الثورات".
الفكي: يجب أن تبقى جميع الأطراف خارج الحكومة دون تمييز لطرف
ويقول العضو السابق في مجلس السيادة الانتقالي والقيادي في قوى الحرية والتغيير محمد الفكي سليمان لـ"الترا سودان"، إن أي اتفاق بين المدنيين يجب أن يكون على تشكيل حكومة كفاءات مستقلة لا تستوعب أي مكون حزبي أو أي طرف يدعي أحقيته بالاستمرار في الحكومة.
ويرى الفكي أن "رفض هذا الشرط ستجعل الأحزاب تطالب بحكومة حزبية، لذلك من الأفضل مغادرة جميع الأطراف والمشاركة فقط في تكوين حكومة كفاءات".
وبحسب التحركات السياسية بين الفاعلين فإن المرحلة المقبلة يتوقع أن تبرز تحالفات جديدة وقد تكون "اتفاقات اضطرارية" أكثر من كونها رغبة في التحول الديمقراطي بحسب توقعات المراقبين.
في ورشة قوى الحرية والتغيير "المجلس المركزي" التي عُقدت لخمسة أيام بالخرطوم، أوضحت وزير الخارجية السابقة ونائبة رئيس حزب الأمة مريم الصادق والتي شغلت هذا المنصب ضمن أنصبة قوى الحرية والتغيير في حكومة حمدوك -قالت إن "الحرية والتغيير أخطأت في إدارة علاقتها مع الحركات المسلحة، والأخيرة أيضًا ارتكبت أخطاء"، داعية إلى "بناء علاقة جديدة".
من خلال الإقرار الصادر من القيادية في قوى الحرية والتغيير نلاحظ كيفية بداية "إذابة الجليد بين بعض الحركات المسلحة وقوى الحرية والتغيير"، بالتالي الانتقال إلى "مرحلة التلاقي" وهذا هو المتوقع بالنسبة للمراقبين للمشهد السياسي.
وعلى ما يبدو أن الانتقال إلى مرحلة ما بعد "خطاب البرهان" هو انتظار التوافق بين الفاعلين في المشهد، سواء "مجموعة المجلس المركزي" أو "التوافق الوطني"، وبين الطرفين ستبرز أطراف جديدة تنضم إلى الفترة الانتقالية وهي أحزاب الاتحادي الأصل والمؤتمر الشعبين خاصة وأن بيان الجيش لم يحدد أطراف العملية السياسية وترك الباب مفتوحًا أمام الجميع.
التحركات شملت أيضًا شرق السودان بتكوين "هيئة قيادية" بدلًا من "تنسيقية نظارات البجا"، حيث ضمت زعماء إدارات أهلية من بعض الولايات وحتى الخرطوم، في خطوة قد تمهد للدخول في الملعب السياسي الجديد مستندةً على بيان البرهان.
محلل: الاتفاق بين "المجلس المركزي" و"التوافق الوطني" ممكن ووارد
يرى المحلل السياسي صلاح الدومة في حديث لـ"الترا سودان"، أن اتفاق قوى الحرية والتغيير "المجلس المركزي" و"مجموعة التوافق الوطني" وارد، وهناك تحركات من الطرفين في هذا الصدد.
وعلم "الترا سودان" أن هناك اجتماع مرتقب بين "مجموعة المجلس المركزي" و"التوافق الوطني" خلال الساعات القادمة لإجراء تفاهمات تقرب الطرفين.
ويرى الدومة أن المرحلة الحالية للتوافق، على أن تطرح القضايا التي تطالب بها الثورة لاحقًا، وذلك في إطار رده على سؤال مراسل "الترا سودان" عن مصير قضايا الثورة.