برحيل القائد المناضل الشاعر والكاتب الجنوبسوداني إدوارد لينو وور أبيي (1946-2020)، وهو يغالب المرض الذي اشتد عليه بإحدى المشافي التي كان يتلقى فيها العلاج بدولة الهند صبيحة الأربعاء 15 نيسان/أبريل، انطوت إحدى الصفحات المشرقة من دفتر نضالات السودانيين في جنوب وشمالي البلاد عمومًا، فالرجل وبالرغم مما عاناه من ظلم رفاقه في تجربة الكفاح المسلح في الحركة الشعبية لتحرير السودان، إلا أنه ظل وفيًا لمعاني السودان الجديد، الذي حمل من أجله بندقيته مثلما كانت قصائده تجول في ساحات تنشد الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.
ولد إدوارد لينو وور أبيي بمدينة أبيي في 7 شباط/فبراير 1946، وتلقى تعليمه بمدينة بور حيث كان والده لينو وور أبيي يعمل معلمًا بالمدارس الابتدائية
ولد إدوارد لينو وور أبيي بمدينة أبيي في 7 شباط/فبراير 1946، وتلقى تعليمه بمدينة بور حيث كان والده لينو وور أبيي يعمل معلمًا بالمدارس الابتدائية، حيث درس الابتدائي والمرحلة المتوسطة لينتقل إلى مدينة الأبيض في أواسط السودان حيث درس الثانوي بمدرسة كمبوني الأبيض مما أعده للتأهل لكلية القانون بجامعة الخرطوم، والتي تم فصله منها لأسباب سياسية في العام 1973، حيث كان لينو ينشط ضمن طلاب الجبهة الديمقراطية بالجامعة.
اقرأ/ي أيضًا: فنانون تشكيليون يرسمون "جداريات" للتوعية بفيروس كورونا في جوبا
بعد أن تم فصله من الجامعة توجه لينو نحو مهنة التدريس، حيث عمل أستاذًا بمدرسة رومبيك الثانوية في الفترة من 1973 وحتى 1975، كما اشتغل فترة بالتجارة، قبل أن يلتحق بالعمل بهيئة التنمية الإقليمية التي تم أنشئت بموجب اتفاق أديس أبابا للسلام.
امتهن لينو مهنة الصحافة لمدة خمس سنوات عمل فيها محررًا في أكثر من أربعة صحف كانت تصدر آنذاك من أبرزها صحيفة نايل ميرور الإنجليزية ومجلة السودان الدولية.
كان لينو، ضمن آخرين من أوائل الذين التحقوا بالحركة الشعبية لتحرير السودان، منذ نشأتها في العام 1983، وخلال فترة تواجده بالخرطوم كان هو المسؤول عن التنسيق مع السلطات الإثيوبية بعد أحداث بور وخروج جون قرنق ومجموعة من رفاقه في طريقهم إلى الأراضي الإثيوبية، حيث قام بمهمة الاتصال بالسفير الإثيوبي بالخرطوم إسماعيل حسن، مع القائد الراحل أروك طون أروك، لتقوم الحكومة الإثيوبية بارسال طائرة هيلكوبتر إلى منطقة "تيرقل" في الحدود الإثيوبية السودانية في أيار/مايو 1983، لتقل الدكتور جون قرنق دي مبيور ورفاقه إلى داخل إثيوبيا لمواصلة تأسيس الحركة الشعبية لتحرير السودان.
كما ساهم الراحل لينو في تأسيس المكاتب الداخلية والخلايا السرية للحركة الشعبية قبل أن يلتحق بجناحها المسلح في العام 1978. وقبل التحاقه بالحركة الشعبية كان لينو يعمل تحت مظلة المؤتمر السوداني الإفريقي- ساك، وهو تنظيم يقوده مجموعة من المثقفين الجنوبيين آنذاك، لإخفاء علاقته بالحركة الشعبية، وخلال تلك الفترة وقبلها تعرض لينو للاعتقال أكثر من سبع مرات، وكان للراحل صلات بالحزب الشيوعي السوداني، قبل أن ينشط في تحالف جبهة تطوير الريف الذي كان هو أحد مرشحيه في الانتخابات.
منذ التحالقه بالحركة الشعبية تقلد ادوارد لينو جملة من المهام والمناصب من بينها كبير المسؤولين السياسيين، كما عمل مسؤولًا إداريًا بمنطقة النيل الأزرق التي كانت تقع تحت سيطرة الحركة الشعبية في العام 1987، ثم قائدًا عسكريًا لمنطقة كبويتا بشرق الاستوائية في العام 1989، كما انتقل لغرب الاستوائية كقائد ميداني في الفترة من 1990-1991، وتوجه للعمل أيضا في التونج ، واو، راجا قبل أن يتم تكليفه بتمثيل الحركة الشعبية في عدة مكاتب خارجية في كل من ألمانيا، الولايات المتحدة الأمريكية والشرق الأوسط. ومن أهم الوظائف التي تقلدها إدوارد لينو قبيل التوقيع على اتفاق السلام الشامل بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان كان هو ملف الأمن الخارجي بالحركة الشعبية.
اقرأ/ي أيضًا: رثاء الشاعر للشاعر.. فصيلي جماع في وداع إدوارد لينو: "دمع عتابك أخجلنا"
خلال الفترة الانتقالية التي تلت التوقيع على اتفاقية السلام الشامل تم تكليفه كأول رئيس لإدارية منطقة أبيي المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان، كما تم تكليفه بملف اللجنة الإشرافية المشتركة بين السودان وجنوب السودان لحين اندلاع الحرب الأخيرة بين الحكومة والمعارضة المسلحة في جنوب السودان في كانون الأول/ديسمبر من العام 2013.
إلى جانب إسهاماته السياسية، لإدوارد لينو اهتمام بالكتابة الإبداعية، فهو شاعر من طراز فريد، نشرت له دار رفيقي للنشر في العام 2017 ديوانًا شعريًا بعنوان "تحيا القردة" إلى جانب كتاب آخر بعنوان "جون قرنق الرجل الذي عرفت" وهو عبارة عن سيرة غيرية لزعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان الدكتور جون قرنق دي مبيور، الذي تربطه علاقة خاصة ومميزة بإدوارد لينو تمتد لفترات سابقة لتأسيس الحركة نفسها، ومؤخرًا صدر للينو كتاب يحكي عن طبيعة العلاقة بين دينكا نقوك ومجموعة المسيرية المجاورة لها في السودان.
الدكتور لام أكول: رحل إدوارد لينو الوطني العظيم وأحد أيقونات النضال بعد صراع طويل مع المرض، مخلفًا وراءه سجلًا نقيًا من إنكار الذات ووضوح الرؤية
ويقول الدكتور لام أكول أجاوين، الذي عمل مع إدوارد لينو في الخلايا السرية للحركة الشعبية بالخرطوم في ثمانينات القرن الماضي حيث كان أستاذًا بكلية الهندسة جامعة الخرطوم، في نعيه لإدوارد لينو: "لقد رحل إدوارد لينو الوطني العظيم وأحد أيقونات النضال بعد صراعٍ طويلٍ مع المرض، مخلفًا وراءه سجلًا نقيًا من إنكار الذات ووضوح الرؤية".
رحل لينو وهو مشبع بالرضى، فهو لم يساوم في قضية شعبه ولم يتراجع عما كان يؤمن به من بسالة، تحمل إهمال رفاقه بكل عزيمة، كان قلبه ينبض بالحياة، وكان شعلة تبعث الأمل في نفوس المتطلعين لبناء السودان الجديد، برحيله أيضًا تحققت آخر أمنياته التي بثها في قصيدته الموسومة بـ"الأم" التي يقول فيها:
النشوة التي أحن إلى عيشها
ولعمرى كله
أن ألاقى أمي
ألبى نداءها
وأبث فى رغباتها القوة
أحرارًا
أنا وأنت
لأستطيع بعدها أن أستلقى بسلام،
مشبعًا بالرضى
اقرأ/ي أيضًا:
مذكرة تتهم وزير المالية بالمحسوبية وتقريب منسوبي النظام البائد وتطالب بإقالته
جنوب السودان: تنامي خطاب الكراهية ضد الأجانب بعد إصابات بكورونا لموظفين أمميين