21-يوليو-2024
برج الاتصالات في العاصمة الخرطوم

برج الاتصالات في العاصمة الخرطوم

تداول ناشطون على الشبكات الاجتماعية مقطع فيديو لحريق يقولون إنه مُفتعل من مبنى برج الاتصالات بمنطقة المنشية شارع النيل بالعاصمة الخرطوم السبت، فيما لم تعلق الحكومة على الحادثة حول مدى صحتها، واتهمت الدعم السريع في بيان رسمي  نشرته على منصة "إكس" "تويتر سابقاً" مساء السبت الطيران الحربي بشن غارات على برج الاتصالات شرق العاصمة السودانية.

يعبر السودانيون عن قلقهم من اختفاء معالم الخرطوم وتلاشي رغبة العودة إلى المنازل 

تقع منطقة شارع النيل وشرق العاصمة الخرطوم وكبري المنشية تحت سيطرة قوات الدعم السريع منذ اليوم الأول للحرب، ونشرت هذه القوات مقاطع فيديو على الشبكات الاجتماعية لجنودها وهم يستخدمون العبارات النيلية في النيل الأزرق، وهي مملوكة للشركات السياحية والتي لديها سلسلة مطاعم تطل على النيل.

لا يمكن ترميمه 

تم إنشاء برج الاتصالات منذ العام 2010 ويضم مكاتب الهيئة القومية للاتصالات وبعض المؤسسات الحكومية والشركات الحكومية، ويقول خبراء في تشييد المباني إن الحريق طالما أصاب الجزء الخرساني لا يمكن ترميم المبنى لاحقاً ما يعني فقدانه نهائياً.

فيما لم تعلق الحكومة على الحريق الذي ضرب مبنى برج الاتصالات، ومن المتوقع أن تصدر السلطات بيانًا للتعليق على هذا الحادث الذي يعني فقدان ملايين الدولارات التي تعادل القيمة السوقية للبرج.

وهذا العام شهدت الخرطوم تدمير عدد من المنشآت الحيوية، وسط تبادل الاتهامات بين الجيش والدعم السريع، والشهر الماضي أعلنت قوات المسلحة تدمير الدعم السريع أجزاء من جسر الحلفايا الرابط بين مدينتي الخرطوم بحري وأم درمان، فيما رمت الدعم السريع بالاتهام على الجيش.

كما نشب حريق هائل في محطة بحري الحرارية بالخرطوم بحري قبل شهرين، ولم يعلق أي طرف على الحادثة في المنطقة الواقعة تحت سيطرة الدعم السريع وتشير أصابع الاتهام إلى قوات حميدتي ومسؤوليتها في اضرام النار على المحطة التي تغذي العاصمة بالكهرباء.

استمرت النيران في محطة بحري الحرارية قرابة الأسبوع، والتي تقع في المنطقة الصناعية بالخرطوم بحري، وقضت على الكابلات الرئيسية في التوصيل والإمداد، بينما وجهت القوات المسلحة الاتهامات لقوات الدعم السريع بحرق المحطة، قالت قوات حميدتي إن الجيش شن غارات جوية على المحطة الكهربائية في بحري.

العام الماضي وتحديدًا في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2023، شاهد السودانيون صورة الجسر الذي انشطر إلى نصفين، نصف يتصل بأم درمان والنصف الآخر اكتفى بالبقاء في الخرطوم بحري، بينما يتحرك النيل بينهما شمالاً.

قطع أوصال الجسور 

جسر شمبات الذي شيدته حكومة الجنرال إبراهيم عبود العام 1962، وافتتح رسميًا في العام 1966، لم يكن السودانيون يعتقدون أن حربًا ستشتعل في بلدهم تدمر الجسور والمرافق الحيوية على قلتها.

مرة أخرى تبادل الطرفان المتحاربان الاتهامات حول الجهة التي تقف وراء تدمير جسر شمبات، بينما من ناحية عسكرية فإن الغرض من قطع أوصال الجسر وقف الإمداد الحربي المُنقول بين مدينتي الخرطوم بحري وأم درمان، حيث تقع مناطقها الرئيسية  تحت سيطرة الجيش منذ منتصف آذار/مارس الماضي.

كما امتدت الحرب المدمرة إلى جسر جبل أولياء الواقع على الخزان المائي للنيل الأبيض جنوب العاصمة الخرطوم، وتحدثت قوات الدعم السريع عن قصف جوي طال الجزء العلوي للجسر نهاية العام الماضي.

في حزيران/يونيو 2023، سيطرت قوات الدعم السريع على مباني ومعسكر الاحتياطي المركزي التابع لقوات الشرطة، وهي مقار عسكرية تضم قوات تحت إدارة وزارة الداخلية تعرف بشرطة الاحتياطي المركزي لديها قدرات قتالية وتدريبات نوعية على استخدام الأسلحة الثقيلة والعربات القتالية.

كما تحتفظ الدعم السريع بأكبر مقار عسكرية لها منذ سنوات في منطقة طيبة الحسناب جنوب العاصمة على مقربة كيلومترات من معسكر الاحتياطي المركزي، ووقوع هذين المعسكرين في منطقة واحدة جعلت قوات دقلو تتوغل إلى معسكر الاحتياطي المركزي والتي وقعت فيها أشرس المعارك الحربية خلال الحرب.

وسيطرة الدعم السريع على مقار الاحتياطي المركزي جنوب الخرطوم، جاءت للتوغل صوب مصنع اليرموك الذي يقع في ذات المنطقة، وهو المصنع المتخصص في صناعة الذخيرة والمعدات القتالية والمملوك لمنظومة الصناعات الدفاعية بالجيش السوداني.

ورغم إعادة ترميم جسر خزان جبل أولياء الرابط بين أم درمان وجنوب العاصمة الخرطوم بواسطة الدعم السريع، لكن هذا المرفق الحيوي يبقى تحت تهديد الحرب وفق تحذيرات المحللين الاقتصاديين من أن البنية التحتية يجب أن لا تكون ضمن أدوات القتال.

الخرطوم الأكثر تضررًا

تعتبر العاصمة الخرطوم الأكثر تضررًا من تدمير البنى التحتية، حيث استقبل السودانيون النصف الثاني من العام 2023 بالأخبار المؤلمة التي تحدثت عن احتراق مبنى شركة النيل للبترول وسط العاصمة.

كما طالت العمليات الحربية مبنى فندق "كورنثيا" على ضفاف النيل الأزرق، وهو من أبرز المعالم التي تشتهر بها العاصمة الخرطوم لدرجة وضعها ضمن المعالم السياحية.

العمليات الحربية لم تترك مرافق الكهرباء التي تعاني من عجز في التوليد منذ سنوات، إذ أن عشرات الآلاف من الأعمدة وأبراج الضغط العالي داخل الخرطوم شُملت بالتدمير، كما فقدت العشرات من غرف التحكم التوصيلات والأجهزة جراء النهب.

أما مصفاة الجيلي الواقعة شمال الخرطوم بحري على بعد (70) كيلومترًا، فإن الأضرار لحقت بالخزانات العملاقة للوقود، وظل جسم المصفاة كما هو دون أي تدمير، ومع استمرار المعارك قد تكون المصفاة بأكملها مهددة بالفقدان.

يضم محيط المصفاة محطة قري الحرارية لتوليد الكهرباء، وهي من المراكز الرئيسية لإنتاج الطاقة على مستوى البلاد، كما يقع مصنع البتروكيماويات وهو المصنع الوحيد في البلاد، ومحطة الضخ الرئيسية للنفط ومساكن العاملين في هذه المرافق علاوة على مقر شركات توزيع الوقود ومستودعات التوزيع، وهذه المنطقة منشأة صناعية ونفطية بالكامل تقع تحت سيطرة الدعم السريع، وشن الجيش هجومًا قبل شهرين قبل أن يهدأ القتال مؤخرًا وسط أنباء عن بداية التحركات العسكرية في محيطها اليومين الماضيين.

تقديرات إعادة الإعمار 

وتذهب تقديرات أولية إلى أن خسائر البنى التحتية بسبب الحرب في السودان خاصة في العاصمة الخرطوم تقدر بـ (150) مليار دولار، ومن الصعب على أي حكومة خلال فترة ما بعد الحرب تدبير هذه التكاليف الباهظة في خزانة خاوية وفق محللين اقتصاديين.

تميزت ولاية الخرطوم مقر عاصمة البلاد منذ نيل السودان استقلاله في العام 1956 بوجود البنى التحتية إلى حد معقول، واليوم بعد (15) شهرًا من القتال بين الجيش والدعم السريع، يخشى المواطنون من اختفاء المعالم التاريخية والاقتصادية للعاصمة.

وناشدت الأمم المتحدة الطرفين المتحاربين بالتوقف عن تدمير البنى التحتية، فيما تقول القوات المسلحة إنها تراعي قواعد الاشتباك والحفاظ على المرافق العامة والخاصة خلال العمليات العسكرية.

درجت السلطات العسكرية على إغلاق الجسور بحاويات الشحن لمنع تقدم المحتجين السلميين نحو القصر الرئاسي وسط الخرطوم

وفي العاصمة الخرطوم لا توجد جسور متعددة تربط مدنها الثلاثة، وهي الخرطوم بحري وأم درمان والخرطوم والموزعة على النيل الأزرق والنيل الأبيض ونهر النيل، عندما يلتقي النيلان عند مقرن الخرطوم.

وخلال الاحتجاجات الشعبية المناهضة لانقلاب البرهان وحميدتي، بين أعوام 2021 و2022 ومطلع العام 2023، درجت السلطات العسكرية على إغلاق الجسور بحاويات الشحن لمنع تقدم المحتجين السلميين نحو القصر الرئاسي وسط الخرطوم.

وترتفع تعابير القلق وسط السودانيين من أن تطاول الحرب قد يؤدي إلى فناء العاصمة الخرطوم في ظل تعرض منشأة إلى التدمير شهريًا على الأقل، وهي وتيرة متسارعة في نظرهم وتثير خوفهم من أن العمليات الحرب قد توصد الباب أمام آمال العودة إلى منازلهم.