"ستيم تفاح..أوكامبو كلامك صاح" كان أحد الأهازيج التي ظل معارضو نظام البشير خاصة طلاب الجامعات يرددونه منذ العام 2008، عام اصدار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية حينها لويس مورينو أوكامبو مذكرة توقيف البشير. أخذ الموضوع من وجهة نظر اعلام حكومة البشير طابع المساجلة الشخصية بين البشير أو الحكومة السودانية وأوكامبو، بلغ ذروته بالخطاب الشهير للبشير الذي قال إن أوكامبو طلب تسليم المتهمين للجنائية الدولية، و"أنا كديس من السودان ما بسلمو" أي لن أسلمهم "قط" سوداني لو طالبوا به.
أصدر مجلس الأمن القرار رقم 1593 الذي قرر فيه إحالة ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، في سابقة في تاريخ مجلس الأمن.
مطار الفاشر
أظهرت الولايات المتحدة الأميريكية اهتمامها بما يحدث في دارفور منذ 2002 قبل وصول الأزمة إلى ذروتها في العام 2003، حين هاجمت فيه قوات حركة جيش تحرير السودان مطار الفاشر ودمرت الطائرات العسكرية الرابضة فيه. قبلها كانت الحكومة تقول أن ما كان يحدث في دارفور مجرد انفلات أمني وأعمال نهب وصراع قبلي بين المزارعين السود "الزرقة" والعرب الرعاة. في 2004 أعلنت الولايات المتحدة أن أحداث دارفور هي إبادة جماعية، بقرار من الكونغرس
اقرأ/ي أيضًا: تفاصيل محاكمة البشير.. رشاوى في خدمة المصالح السعودية والإماراتية
القرار 1593
أيضًا في 2004 أصدر الأمين العام للأمم المتحدة حينها كوفي عنان قرارًا يقضى بتشكيل لجنة دولية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور. الحكومة السودانية ايضًا شكلت لجنة وطنية لتقصي الجقائق استباقًا للجنة الدولية، وكانت نتيجة تقرير اللجنتين هي تحميل المسؤولية لكل الأطراف، وصعوبة تحديد إن كان ما يحدث في دارفور يرقى لوصف إبادة جماعية. بعدها في آذار/مارس 2005 أصدر مجلس الأمن القرار رقم 1593 الذي قرر فيه إحالة ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، في سابقة من نوعها في تاريخ مجلس الأمن.
التحقيق والاتهام
باشرت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقها ابتداءً من حزيران/يونيو عام 2005 ومع نهاية عام 2006 أعلن المدعي العام لدى المحكمة الجنائية العثور على أدلة تثبت حدوث عمليات قتل وتعذيب واغتصاب في إقليم دارفور خلال الفترة من 2003 ـ 2004، وتلا ذلك إعلان المحكمة الجنائية الدولية في فبراير/شباط 2007 توجيه الاتهام إلى أحمد هارون وزير دولة للشؤون الإنسانية وعلي كوشيب أحد قادة مليشيات الجنجويد، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. رفضت الحكومة السودانية التعامل مع المحكمة، حتى وجه أوكامبو اتهاما رسميا للبشير بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
اقرأ/ي أيضًا: ضحايا دارفور: تسليم المخلوع للجنائية سبيل السلام بالأقليم
المذكرة وردود الأفعال
بعد صدور المذكرة التي جاء في نصها " الأدلة التي قدمها المدعي العام تبين أن البشير قد دبر ونفذ خطة لتدمير جزء كبير من مجموعات الفور، والمساليت والزغاوة، لأسباب إثنية." هددت الحكومة السودانية كل من يؤيد تسليم البشير بالعقاب القاسي، وكان على رأس هؤلاء صلاح عبدالله قوش مدير جهاز الأمن والمخابرات حينها الذي قال في تصريح شهير "سنقطّع أوصال من يؤيد تسليم البشير".معظم الأحزاب الرئيسية اتفقت حينها على رفض تسليم، بما فيها الحركة الشعبية الحاكمة بالشراكة قبل انفصال الجنوب في 2011. كان الاستثناء هو حزب المؤتمر الشعبي بقيادة حسن عبد الله الترابي الذي قال "إن كان بريئًا فليذهب وليبرئ نفسه"، وأيدت المذكرة كل الحركات المسلحة ومعظم الجاليات السودانية المعارضة بالخارج.
استغل نظام البشير صدور المذكرة في تعبئة الشارع خلفه بشعارات السيادة الوطنية ومناهضة الإمبريالية، وظهر بعدها لقب "أسد أفريقيا" الذي اطلق على البشير. لاحقًا ظهرت كثير من التحليلات التي تعتبر أن مذكرة المحكمة الجنائية قد أضعفت فرص التحول الديمقراطي بالسودان؛ لأنها دفعت البشير للتشبث بالحكم ، والاصرار على تجميع كل السلطات تحت يده، تحسبًا لأي مؤامرة عليه من رفاقه في حزب المؤتمر الوطني الذين قد يقدمونه قربانًا لتحسين علاقتهم مع العالم، خاصة بعد التدهور الاقتصادي الكبير الذي أعقب الانفصال.
قيد صدور المذكرة بحق البشير حركته كثيرًا في السنوات التالية، إذ أن كل الدول الموقعة على ميثاق روما ، الذي تأسست بموجبه المحكمة الجنائية الدولية، ملزمة بتسليم كل مطلوب حال دخوله أراضيها. كان أكبر احراج تعرض له البشير هو تمكنه بصعوبة من مغادرة جنوب أفريقيا بعد القمة الأفريقية في 2015 بقرار من الرئيس جاكوب زوما، الذي يتعرض حاليًا لمساءلة بخصوص القضية. وفي 2017 شرعت المحكمة في إحالة الأردن لمجلس الأمن بسبب تقاعسها عن اعتقال البشير، وألغى الاتهام لاحقًا. وصورة عامة أصبح مجرد قيام البشير بزيارة خارجية وعودته سالمًا انجازًا يحتفل به النظام الذي سجد أحد مؤيديه شكرًا بعد عودة البشير من جنوب أفريقيا.
لحظة الحقيقة
بعد نجاح ثورة كانون الأول/ديسمبر في اطاحة البشير من الحكم، عادت قضية المحكمة الجنائية مرة أخرى لواجهة الأحداث. وكان المجلس العسكري الانتقالي الانتقالي الأول قد أعلن أنه لن يسلم البشير للجنائية الدولية، وسيترك الأمر للحكومة المنتخبة بنهاية الفترة الانتقالية. عمر زين العابدين عضو المجلس الذي أعلن ذلك تم اجباره على الاستقالة بضغط من القوى المدنية لاحقًا.
الآن أعلنت الحكومة على لسان عضو مجلس السيادة محمد الحسن التعايشي عزمها تسليم كل المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، استجابة لطلب حركات دارفور المسلحة التي اشترطت ذلك في جوبا. وسبق ذلك الحكم على البشير بالسجن سنتين في "إصلاحية كبار السن" على ذمة قضايا فساد مالي، ولا يزال يواجه تهمًا تصل عقوبتها للاعدام مثل قتل المتظاهرين، وتقويض النظام الدستوري، وفتحت النيابة العامة تحقيقًا بخصوص جرائم دارفور نفسها.
أعلن البشير على لسان محاميه محمد الحسن الأمين أنه يرفض المثول أمام المحكمة، وأن القضاء السوداني قادر وراغب في تحقيق العدالة في كل القضايا.
اقرأ/ي أيضًا:
السودان..تاريخ السلطة ومستقبل الديمقراطية