11-ديسمبر-2019

الشرطة تطلق الغاز المسيل للدموع في الستاد (السودان الآن)

لسنين طويلة ظل شبح أحداث بورسعيد في مصر والتي راح ضحيتها عدد كبير من الشهداء يحوم في سماء الرياضة السودانية، لأن الأسباب الموضوعية لقيام أحداث العنف في المواعين الرياضية في السودان قائمة، وهناك أصحاب مصلحة حقيقية في أن تظل الرياضة هي مصدر الاحتقان في المجتمع السوداني، فذلك على الأقل يسهُل عليهم استخدام واستغلال جماهيريتها لإرباك المشهد العام في البلاد متى ما أحبوا.

ما حدث في لقاء القمة الأخير بين الهلال والمريخ، كان من الممكن جدًا أن يُعيد مأساة مجزرة بورسعيد وبصورة أكثر بشاعة

ما حدث في لقاء القمة الأخير بين الهلال والمريخ، كان من الممكن جدًا أن يُعيد مأساة مجزرة بورسعيد وبصورة أكثر بشاعة، وما ينبغي علينا أن نقوله هو أن الأحداث لم تبدأ عند الدقيقة (84) من عُمر اللقاء، وفي لحظة المخالفة التي ارتكبها كابتن الهلال عبد اللطيف بوي والتي بموجبها استحق البطاقة الحمراء، وإنما كانت الأسباب متجذرة في تفاعلات الوسط الرياضي الذي تمثل فيه أركان  كثيرة أحد أكبر محددات الفوضى وسنن خلقها وتغذيتها.

اقرأ/ي أيضًا: الدعم السريع.. حصاد دولة ما بعد الاستقلال

فالكاردينال رئيس الهلال، يبدو أنه لم ينس لمجموعة ألتراس التشجيعية أنها أفسدت عليه احتفاله المصنوع ومدفوع القيمة، والذي كان يعول عليه كثيرًا كمسحوق تجميل لوجه سيرته الذاتية التي طالتها الاتهامات مُجددًا، فأراد أن يقتص لنفسة بقرار حرمان المجموعة التشجيعية من دخول ملعب الهلال على الرغم من أن الفريق كان على بعد أيام من كلاسيكو أمدرمان الذي تلعب فيه القوة الجماهيرية الدور الكبير.

لم يتوقف انتقام رئيس النادي عند هذا الحد ليتواصل للاستعانة بالقوات الأمنية حتى تمنع قيام البروفة التشجيعية للمجموعة، مستعينًا بوصفة المصري "شوبير" وتحريض الإعلام المساند لسياساته في الهلال.

"طبيخ" الفوضى كان هنالك أكثر من فم ينتظره لاستثماره في خدمة أجندة كثيرة تقاطعت في شارع الرياضة، ليخرج أحد أعضاء مجلس المريخ مختلقًا الرواية من بنات أفكار ظنه بأن ذلك يمكن أن يخدم ناديه في لقاء القمة، مدعيًا أنها تفلتات قام بها ألتراس الهلال ضد رواد نادي المريخ، في حين أنه غض الطرف متعمدًا عن الحطب الذي رمته مجموعة من مشجعي المريخ بدخولها ستاد الهلال قبل لقاء القمة بتعاون متعمد بينها وصاحب المصلحة الأولى في استهداف ألتراس الهلال.

وفي هذا المقام الفوضوي لا يُمكِن بأي حال من الأحوال أن نتجاوز الوقود الحقيقي لنار الاحتقان الرياضي والمتمثل في خطاب الكراهية الذي تتم رعايته في الصحافة الرياضية في طرفي القمة الكُروية، وبحماية سُلطوية لأقلام لم تصمت ولم تقل خيرًا  أبدًا في شأن التنافُس الرياضي الذي كان من المفترض أن يُصدِّر روحه المتسامحة لبقية الأوساط.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا وجب على الحكومة السودانية إدانة الاستيطان؟

من يقرأ صحافة الخرطوم الرياضية ويتأمل في محتواها يفهم تمامًا من هم أصحاب المصلحة الحقيقية في وجود حالة الاحتقان هذه، والمُفضية للأحداث التي وقعت في لقاء القمة الأخير.

ظل خطاب الكراهية هو العنوان العريض في الصحافة الرياضية السودانية التي تستهدف زيادة معدلات التوزيع والكسب اللا أخلاقي من وراء مخاطبة شيطان الحميّة للناديين، بينما يستفيد آخرون كانوا على سدة الحكم يُعجبهم أن تكون الرياضة عبارة عن ملهاة تصرف المواطن عن قضاياه الحقيقية، فشكل لها الحزب الحاكم الأمانات، وهي من تتحكم وتختار مجالس الإدارات ورؤسائها بالمعايير والقدرات التي تهبط بالخطاب الرياضي إلى درك مشتعل.

ولا تقف حلقات صناعة الفوضى في الوسط الرياضي في حدود ما يفعله خطاب الكراهية الذي يصنعه الإعلام الرياضي وإنما يتكامل ذلك بالاستخدام المفرط للقوة من قبل الجهات الأمنية، كما شهدناه في اللقاء الأخير والذي لم تتكرم إدارة الإعلام في الشرطة بمجرد بيان توضح فيه ما جرى، باعتبار أنها كانت طرفًا أصيلًا في ما جرى، وكأنها ترى بأن الأمر لا يستحق التوضيح، وليُترك الوسط الرياضي نهبًا لتحليلات التخمين ونظرية المؤامرة.

الاتحاد العام لكرة القدم كجهة منظمة للنشاط الرياضي غير معفي تمامًا من هذه الفوضى بل يعتبر هو أول من ألقى الحجر الذي أشعل فتيل الفوضى

الاتحاد العام لكرة القدم كجهة منظمة للنشاط الرياضي غير معفي تمامًا من هذه الفوضى بل يعتبر هو أول من ألقى الحجر الذي أشعل فتيل الفوضى بعدم قدرته على إقناع متابعي منافساته بمستوى التحكيم ومستوى التنظيم الكافيين، لتأتي مساهمته في فوضى مساء سبت القمة الفوضوية عبر تصريحات رئيس اللجنة المنظمة الفاتح باني، التي توعد فيها جماهير ونادي الهلال بالعقوبة حتى قبل أن تجتمع اللجنة المختصة وتقدم تقريرها عن الأحداث، وهي تصريحات تمضي على قدم الاستواء مع خطاب الكراهية الذي تنتجه الصحافة الرياضية.

الدولة العميقة التي صنعها النظام البائد تم اختبار وجودها في أكثر من حدث كان الغرض منه جر الشارع السوداني لحالة الفوضى في أحداث الثامن من رمضان وفي كل أحداث اغتيالات الشهداء، فهزمت بالسلمية التي دفع كلفتها نفر من أنضر شباب السودان، وبالتالي لن يكون الوسط الرياضي، والذي كان فصيلًا أصيلًا في الثورة وقائدًا لها، وقودًا لهذه المؤامرة ومعاركها العبثية.

 

اقرأ/ي أيضًا

الثورة السودانية.. حراكُ مستلهٌم من إرثٍ تليد

نظام التعليم بالسودان وترسيخ التفاوتات الاجتماعية