03-سبتمبر-2024
مقتل الشاب الأمين محمد نور بكسلا

الشاب الأمين محمد نور الذي قتل بيد المخابرات في كسلا

تعكس حادثة مقتل الشاب الأمين محمد نور، في مدينة كسلا في مركز أمني يتبع لجهاز المخابرات العامة، تكرار نموذج قتل المعلم أحمد الخير أحد أيقونات ثورة ديسمبر على يد جهاز الأمن في عهد الفريق صلاح قوش.

سيناريو قتل المعلم أحمد الخير في ثورة ديسمبر تكرر في كسلا في وقت أكثر سوءًا من تلك الفترة 

ربما تكررت حادثة قتل المعلم أحمد الخير في شباط/فبراير 2019 بذات النسق والسيناريو في مدينة كسلا في مركز يتبع لجهاز الأمن وكأن الأيام تعيد نفسها، ألقى عناصر المخابرات على مسامع عائلات الضحايا روايات غير متماسكة وفق النشطاء في حقوق الإنسان حول أسباب وفاة الضحيتين.

تحت ضغط شعبي من المتظاهرين والرأي العام كان جهاز الأمن رفع الحصانة عن أكثر من (33) متهمًا من عناصره، في قضية قتل المعلم أحمد الخير مطلع شباط/فبراير 2019، اضطر مدير جهاز الأمن آنذاك الفريق صلاح قوش إلى ما يشبه الانحناء لعاصفة الاحتجاجات ومطالب الرأي العام، بتسليم المتهمين إلى النيابة العامة، وجرى نقلهم لاحقًا إلى العاصمة الخرطوم وقضت عليهم المحكمة بالإعدام في 30 كانون الأول/يناير 2020، ولم تُنفذ الأحكام القضائية رغم ايداعهم في سجن كوبر المركزي حتى اندلاع الحرب وأصبح مصير المدانين غير معروفًا.

توقيت حرج 

الأحد الماضي تكرر ذات السيناريو ولكن في وقت حرج بالنسبة للحكومة القائمة في الولايات الواقعة تحت سيطرة الجيش، ومع التظاهرات التي انتظمت في سوق كسلا وافق جهاز المخابرات على رفع الحصانة على المتهمين بقتل الشاب الأمين محمد نور.

تشمل لائحة هيئة الاتهام التي يمثل فيها نشطاء حقوقيون من كسلا،= حوالي سبعة عناصر أمنيين متهمون بقتل الشاب الأمين محمد نور، في مركز احتجاز أمني بالتعذيب المميت وفق تصريحات محتجين الأحد الماضي في أثناء الاحتجاجات.

يقول الناشط الحقوقي أحمد عثمان لـ"الترا سودان" إن قضية مقتل الشاب الأمين محمد نور في كسلا في هذا التوقيت، يسبب ضغطًا كبيرًا للحكومة والسلطات الأمنية، لأن المناطق الواقعة تحت سيطرة الجيش قد تتحول إلى اضطرابات شعبية على خلفية هذه الحوادث.

ويوضح عثمان أن السلطات الأمنية يجب أن تمارس أعلى درجات ضبط النفس خلال أداء عملها، كما أن المطلوب إلغاء الصلاحيات التي منحت للمخابرات في اعتقال وتفتيش المواطنين وحصرها على الشرطة، التي لديها قدرة معقولة من التعامل في مثل هذه الحالات.

وأضاف: "إذا كنت تشكك في شخص ما حول الانتماء إلى قوات مناوئة أو يشكل خطرًا على الأمن، يجب التعامل مع الأمر من خلال الخبرة التراكمية للأمن لا الاعتقال والتعذيب الوحشي".

يعتقد عثمان أن جهاز المخابرات اضطر نتيجة ضغوط كبيرة مورست عليه من المتظاهرين الذين أغلقوا السوق والشوارع الرئيسية في كسلا، ونتيجة عدم رغبة السلطات في التعامل بقوة مع هذه التظاهرات حتى لا تتعمق جرى تسليم المطلوبين ورفع الحصانة عنهم.

وأردف: "رغم ذلك فإن السلطات الأمنية في السودان لديها سجل حافل بعدم تنفيذ الأحكام القضائية بحق عناصرها المتورطة في الانتهاكات بحق المدنيين، ولم يشاهد السودانيون منذ سنوات طويلة القصاص بحق رجل أمن".

ويشير عثمان إلى أن الإفلات من المحاسبة والعدالة ظل ديدن الأجهزة الأمنية  والعسكرية في السودان منذ سنوات طويلة، ولذلك تنشأ الصراعات المسلحة في السودان مطالبة بالعدالة وحرب منتصف نيسان/أبريل 2023 نتيجة تقاصر العدالة وصعود التعامل الأمني والعسكري بحق المدنيين.

خطوة نحو العدالة

وكان المئات شيعوا الشاب الأمين محمد نور إلى مقابر "الحسن والحسين" بمدينة كسلا، وجرى استلام الجثمان من المشرحة عقب تنفيذ السلطات الأمنية اشتراطات المتظاهرين بمثول المتهمين أمام العدالة، بموجب موافقة مدير المخابرات العامة جرت عملية رفع الحصانة فورًا.

ويقول طارق حسن أحد الناشطين الإنسانيين في شرق السودان إن صلاحيات الاعتقال يجب أن تكون محصورة على الشرطة وفق معلومات استباقية عن الأسباب التي تستدعي احتجاز المدنيين وتوفير العون القانوني لهم داخل أقسام الشرطة، وقال إن التعامل الأمني مع المدنيين في القضايا التي تعتبر أغلبها "ملفقة" أثبت فشله السنوات الماضية.

وأردف: "الآن الشبكات الاجتماعية تُسلط الضوء على الانتهاكات، ومهما أفلت المتهمون بقتل المدنيين أو ممارسة الانتهاكات بحقهم فإن الإفلات من العدالة لا يدوم طويلًا".

ويعتقد أن استجابة المخابرات وتسليم المتهمين إلى النيابة خطوة شجاعة تستدعي تقديم المزيد من الإجراءات لخلق علاقة مرنة بين المواطنين والأجهزة العسكرية والأمنية، وقال إن صمود المتظاهرين في كسلا هو الذي أدى إلى تحقيق "جزء قليل" من العدالة بإحالة المتهمين إلى القانون.

تقع مدينة كسلا في شرق البلاد وتجاورها غربًا ولاية القضارف فيما تقع ولايتي سنار والجزيرة على الحدود معها وهما تحت سيطرة قوات الدعم السريع، وتقول الأجهزة الأمنية إنها تكثف الإجراءات الوقائية في الولايات الواقعة تحت سيطرة القوات المسلحة، لمنع تسلل عناصر الدعم السريع أو الجماعات المتعاونة معها.

ناشط: حادثة كسلا قد تغير طريقة التعامل الأمني في مثل هذه القضايا

تراكم الانتهاكات 

وعقب موافقة جهاز المخابرات على مثول المتهمين أمام العدالة، أنهى المتظاهرون في كسلا الاحتجاجات وأعلنوا فتح الشوارع وإزالة المتاريس، بينما كُلف محامون بتمثيل المجني عليه في هيئة الاتهام على أن تبدأ المحكمة إجراءات التقاضي.

يقول طارق حسن إن حادثة كسلا قد تغير طريقة التعامل الأمني في مثل هذه القضايا، خاصة وأن الأمور لم تعد تحتمل المزيد من الانتهاكات بحق المدنيين مع تفاقم قضايا النزوح والتدهور الإنساني والاقتصادي.

وتابع: "الناس يشعرون بأن ثورة ديسمبر كسرت حاجز الخوف والتوجس من الأجهزة الأمنية وتعامل السلطات مع التظاهرات في كسلا السبت والأحد الماضي وضعت فيه نوع من الحكمة حتى لا تتحول الحادثة إلى مجزرة كما حدث في كسلا تشرين الأول/أكتوبر 2020 عندما أطلقت قوات الدعم السريع النار على المتظاهرين وقتلت خمسة أشخاص".

ويعتقد طارق حسن أن طريق العدالة يجب أن يسلكه الجميع من خلال الصمود وعدم اليأس والسلمية وتراكم المطالب والتظاهر في الشوارع أو استخدام الشبكات الاجتماعية، جميع هذه الوسائل تؤدي إلى تحقيق العدالة في البلدان التي تعاني من الاضطرابات السياسية والأمنية.