20-مارس-2020

حاتم إلياس المحامي (سونا)

 

منذ تعيينه في العاشر من شباط/فبراير الماضي، في منصب الأمين العام لمجلس حماية حق المؤلف، والحقوق المجاورة، والمصنفات الفنية والأدبية، وحتى الخميس الماضي، أصدر حاتم إلياس، عددًا من القرارات.

كان الحظر يتم بطرائق مضحكة في أحايين كثيرة. الحظر يبدأ من العنوان. هل تتخيّل أن كتابًا يتم حظره فقط لأن عنوانه: موعدٌ في المساء

أكثرها لفتًا لاهتمام المهتمين بالتأليف والكتابة والتفكير في السودان، قراراتٍ ثلاثة: إلغاء حظر جميع الأعمال السردية السودانية، التي تمّ حظرها في عهد الإنقاذ المخلوع. وثانيًا: السماح بتداول ونشر مؤلفات محمود محمد طه، زعيم الحزب الجمهوري الذي أعدمه الرئيس المخلوع الأسبق جعفر النميري (أيار/مايو 1969 – نيسان/أبريل 1985) في أواخر أيام حكمه، قبل خلعه. وثالثًا: حل اللجان التي كان يستعين بها مجلس المصنفات الفنية والأدبية في حظر الكتب.

اقرأ/ي أيضًا: نور الهدى و"دار عزة".. ثلاثة أولاد و579 كتابًا

وقالت الأمانة العامة لمجلس المصنفات الأدبية والفنية في بيانٍ لها بأنّ حظر الأعمال اعتمد على إسقاطٍ سياسي على المؤلفات أو كاتبيها، واعتمدت على مواقف لا علاقة لها بالمعايير الإبداعية وشروطها، وفي ذلك مخالفة صريحة لقانون حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة والمصنفات الأدبية والفنية لسنة 2013المؤلفات التي تمّ حظرها طوال الثلاثين عامًا هي سنوات حكم الإنقاذ، تجاوزت العشرات إلى المئات. ويصفها حاتم إلياس بالكثيرة جدًا، ويقول لـ "ألترا سودان": "الكتب التي وجدتها محظورة امتلأ بها مخزن المجلس الكبير عن آخره. ويغلب على المحظور السياسي أكثر من الأدبي".

يضيف حاتم إلياس، مدللًا على أنّ حظر الكتب والمؤلفات كان لأسباب فيها من الغرابة ما فيها: "الحظر يتم بطرائق مضحكة في أحايين كثيرة. الحظر يبدأ من العنوان. هل تتخيّل أن كتابًا يتم حظره فقط لأن عنوانه: موعدٌ في المساء". يعتقد حاتم إلياس أنّ مجلس المصنفات الفنية والأدبية كان طوال حكم الإنقاذ أداة قمعٍ غير واعية، وأنّ الإنقاذ استخدمت المثقفين ضد بعضهم البعض. وإنّ تقارير حظر الكتب ما كان يقوم بها موظفو الدولة، بل المثقفون أنفسهم. يفسّر حاتم: "المثقفون هم من قاموا بهذه المجازر، وليس الموظفين. وللأسف مثقفون بطشوا بمثقفين". ويصف حاتم إلياس هؤلاء المثقفين الذين تعاونوا مع الانقاذ بأنّهم: "أعلنوا أنفسهم تعبيرًا سلطويًا مباشرًا للثقافة. وكانوا ممثلين للسلطة".

فك الحظر عن مؤلفات الأستاذ محمود محمد طه، قابله العديدون باحتفاء جيد. بسبب كونها واحدة من الكتب التي لم يختلف حالها عن صاحبها وحزبه السياسي من بعده، لكنها وبعد منعٍ وحظرٍ تجاوز الثلاثين عامًا تجد طريقًا للسماح. وبرأي حاتم إلياس، الأمين العام الجديد، لمجلس المصنفات الفنية والأدبية: "السماح لكتب محمود محمد طه، من أكبر انتصارات الثورة، ومن انتصارات الدولة المدنية الحديثة، في الوقت الذي يُعاد فيه طرحه ضمن المجددين في الفلسفة الإسلامية في الأردن والمغرب عبر المدارسات والندوات. مثلًا سمير أمين الماركسي المصري أشار إلى محمود محمد طه". 

اقرأ/ي أيضًا: فرانسيس دينق.. خمسة عقود في ملاحقة سؤالات الهُوية

ويتوغّل حاتم إلياس في تفسير قمع الإنقاذ كنظام سياسي للكتابة والتفكير والتأليف، بكون الإنقاذ نفسها غير مثقفة. ولم تكن مشروعًا ثقافيًا. بل إنّ ما أسمته الإنقاذ مشروعًا حضاريًا بحسبه، "ليس مشروعًا ثقافيًا، وإنما كان استثمارًا في الخطاب الديني، لدرجة تكريه الناس في الدين نفسه".

وشهدت الأوساط الفنية والثقافية والفكرية السودانية، طوال حكم الإنقاذ الذي امتدّ لثلاثة عقود، أسوةً بأوساط الفاعلين السياسيين، قمعًا ممنهجًا، وعنفًا ليس له مماثلٌ في تاريخ الدولة السودانية الحديثة. وشهدت بدايات التسعينات وما بعدها نزيفًا حادًا للمبدعين السودانيين، وكذا هجراتٍ محمومةٍ لمئات الأسماء التي كانت فاعلةً في مشاهد الأدب والتفكير والسياسة. لكن حاتم إلياس يُقرّر بأنّ معاداة الإنقاذ للمثقفين وأصحاب التفكير وقمعهم هو ذاته السبب الكبير الذي أدى فيما بعد لسقوطها. "المثقفون هم من قاد المظاهرات، وهم من سعّر جذوتها بالهُتاف. فالخطاب الذي كان محرّضًا للثورة كان ثقافيًا، ولم يكن سياسيًا محضًا". 

يُخطط حاتم إلياس، فيما تبقى من الفترة الانتقالية لحكومة ما بعد الثورة، أنْ يُعيد تشكيل اللجان التي تعمل بمجلس المصنفات الفنية والأدبية، بجانب صياغة قانونٍ جديدٍ للمصنفات. ويقطعُ بأنّ أي مؤلّفٍ وكتاب مسموحٌ له بالنشر، وليس من سببٍ يُبرّر الحظر، إلا إثارة الكراهية والعنصرية والدعوة للعنف.

حاتم إلياس: من العيب على الثورة أن تظل كتب محمود محمد طه مطاردة وممنوعة من أخذ الصفة القانونية

ويمضي بأنّ المصنفات "يجب أن تشجع الدعوة للكتابة والتأليف والفكر، وأن تكون حامية له، ولحق المؤلف ماديًا وأدبيًا. وألا تتحوّل إلى بوليس ثقافي". ويعتقد حاتم إلياس بأنّ أي شخص إذا رأى في الأفكار التي يحويها كتاب أو مصنّف أنها لا تتوافق معه أو تهدده فالأفضل أن يذهب إلى المحاكم والقضاء، وليس إلى مجلس المصنفات الفنية والأدبية، ذات الطابع الإجرائي. ويختم: "من العيب على الثورة أن تظل كتب محمود محمد طه مطاردة وممنوعة من أخذ الصفة القانونية".

 

اقرأ/ي أيضًا:

محمد جمال الدين.. رجّ المقدّس في غناء الحقيبة

فضيلي جمّاع.. المشي على حبل الكتابةِ المشدود