خلال خطاب ألقاه الفريق أول ركن ياسر العطا، عضو مجلس السيادة الانتقالي ومساعد القائد العام للجيش السوداني، تم تسليط الضوء على خطط القوات المسلحة بعد الفوز في الحرب السودانية، حيث أعلن العطا عدم وجود "حاضنة سياسية" خلال فترة التأسيس. وفي السياق، كشف العطا عن الخطط المستقبلية لحكومة السودان، التي ستديرها سلطة عسكرية بالكامل دون تدخل سياسي، مما يثير تساؤلات حول مدى خطورة هذه الخطوة وكيفية استجابة الأحزاب السياسية لها؟
القيادي في "تقدم" شريف محمد لـ "الترا سودان": حديث الفريق ياسر العطا أمس الأول حمل مغالطات عديدة، والعسكر يريد الاستيلاء على السلطة، ليس مستندًا على شيء، سوى احتكار المؤسسة العسكرية للعنف والسلطة.
ويقول القيادي في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم"، شريف محمد عثمان، إن حديث الفريق ياسر العطا أمس الأول حمل مغالطات عديدة، بحيث تحدث عن فترة ما بعد انتهاء الحرب، مؤكدًا أن الجيش يعمل على فترة تأسيسية جديدة تمتد لسنوات دون حاضنة سياسية، واعتبره عثمان أنه يمضي في طريق من سبقه من قادة عسكريين في الاستيلاء على السلطة، ليس مستندًا على شيء سوى احتكار المؤسسة العسكرية للعنف والسلطة.
وأوضح القيادي في حديثه مع "الترا سودان" أن الحديث عن غياب حاضنة سياسية تكرار لذات أكاذيب قادة المؤسسة السابقين، وعلى سبيل المثال، انقلاب (89)، حين ذكر المخلوع البشير أنه لم يكن لديهم ارتباط بأي جهة سياسية، مشيرًا أن الأيام كشفت أن تدبير ذلك الانقلاب كان من قادة الجبهة الإسلامية، وهذه الحرب هي من تدبير هذا التنظيم، وقادته منخرطون في القتال، والتنظيم يعمل بكل السبل لقطع الطريق أمام أي حل سياسي.
واعتبر حديث العطا تكرارًا لذات الأكاذيب بحسب ما أفاد، مشيرًا أن قادة التنظيم يتشاركون ذات الخطاب السياسي المحطم للسودان. ويضيف أن حديث العطا يظهر عدم المعرفة بمسببات الصراع في السودان وتاريخه، والمشروع الذي من شأنه أن يجنب السودان هذه السلسلة المتصلة من الحروب والدمار. ووصف مشكلات السودان بالأعمق من وجود حاضنة سياسية.
وأضاف أن معالجة قضايا الحروب تستوجب البحث في مسببات الحروب في السودان، فهذه الحرب لا يمكن قراءتها وكأنها نبتت من العدم، بل أنها تمثل مشهد فشل الدولة وفشل القادة العسكريين، الذين استولوا على السلطة على مدى أكثر من (50) عامًا من عمر استقلال السودان، وفشلهم في المحافظة على مؤسسات الدولة، مما أدى في النهاية إلى تكوين جيوش موازية واستمرارهم في ذات النهج من صناعة هذه الجيوش .
وشدد شريف محمد، على ضرورة إعادة بناء السودان على أسس جديدة، ووضع قضية إنهاء الحروب ومسبباتها ووحدة السودان أرضًا وشعبًا كأولوية، وقضايا إعادة بناء الجيش وصياغة عقد اجتماعي يوحد السودانيين والسودانيات كمدخل لبناء السودان من جديد.
ولفت إلى أن الفريق تحدث عن الخطط العسكرية التي تمضي كما هو مخطط لها، وعلى العطا أن يتذكر تاريخ 22 من أيار/مايو من العام الماضي، عندما تحدث عن هذه الحرب التي ستنتهي خلال أسبوعين، وكانت الحرب في ذلك التوقيت لا تزال على حدود ولاية الخرطوم، وفقدت الآن القوات المسلحة أربع ولايات، وتمددت الحرب إلى سبع ولايات أخرى، وتعهدت بالاستمرار والتوسع في عدد من الولايات التي تضم مئات الآلاف من النازحين، حيث وصلت المسيرات إلى ولايات نهر النيل والشمالية، الأمر الذي ينفي حديثه في العام الماضي وحديثه أمس الأول والتاريخ الحافل بالحروب.
أكد القيادي في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم"، على صحة موقفهم الرافض لهذه الحرب والداعي للسلام، وإنهائها عبر الحل السياسي التفاوضي. وأضاف العطا أن يتذكر أن الحرب اندلعت في جنوب كردفان في العام 2011، ولم تستطع القوات المسلحة إنهاء الحرب عبر فوهة البنادق، وكان هو قائد المنطقة العسكرية في تلك المنطقة لسنوات عديدة، وإن كانت سمته حسم عسكري وخطط عسكرية كما يدعي لكان من الأجدر استخدامها في تلك المنطقة، على حد قوله، لافتًا إلى أن هذه الحرب تمثل تهديدًا وجوديًا للسودان، واستمرارها يهدد وحدة السودان وسلامته وشعبه.
ويرى أن حديث الفريق ينافي حديث القائد الثاني في القوات المسلحة، والذي أدلى به قبل أسابيع من الآن، حيث تحدث الفريق كباشي عن التزام الجيش بالخروج من العمل السياسي كالتزام سابق كان قد أعلن عنه قائدهاالبرهان في العام 2022، حيث قال إن القوات المسلحة لن تشارك في مستوى من مستويات السلطة، مؤكدًا تعهدها بالخروج عن السياسة، وأنها ستلتزم بمهامها التي وصفها الدستور. وقال القيادي في "تقدم" إن خطورة الموقف تبرز هنا، حيث تتحدث القوات المسلحة بأكثر من لسان وأكثر من موقف، واصفًا الموقف بـ البالغ الخطورة، وهو عدم توافق حول تصور مستقبل إنهاء الحرب وما بعدها.
نسف ووصايا
أما القيادي في الحزب الشيوعي السوداني، كمال كرار، فيقول إن الحرب المشتعلة تعتبر قمة تجليات الصراع على السلطة، والمؤامرة على الثورة، واشتعالها ينسف أي فكرة عن أي وصاية لأي جهة على الشعب السوداني، ومستقبل الوطن وسلطته السياسية، وأضاف تحديد الجهة التي تحكم البلاد هو من شأن الشعب السوداني وليس شأن العسكر والمليشيات والهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" وجماعة "الموز"، على حد وصفه.
وأشار كرار في حديثه مع "الترا سودان" إلى أن القوى التي صنعت الثورة قادرة على الانتصار لها، وتحقيق إرادتها في بناء سلطة منتمية للثورة، بغض النظر عن أوهام البعض، الذين يروجون لما يسمى بالتأسيس وهم يريدون إعادة إنتاج النظام البائد وتصفية الانتقال، وقال إن عبارة "حاضنة سياسية" مصطلح مفخخ و"مضروب" ولا يُفهم معناه.
وأوضح القيادي في الحزب الشيوعي، أنه في ظروف التعددية السياسية الحزب الذي يحرز أصواتًا أكثر، هو من يحكم ويقرر بغالبيته في البرلمان، لكن بعد الثورة على نظام ديكتاتوري، تقع مهمة الانتقال على قوى الثورة، لتنفيذ برنامج الانتقال نفسه والاستعداد للانتخابات بعد اكتمال المهام.
رسائل وحاضنة
ويرى العميد الركن المتقاعد دكتور خالد محمد عبيدالله فضل السيد، أن حديث ياسر العطا، قائد المجموعة القيادية الميدانية الجوالة للعمليات الجارية، باعتباره مساعدًا للقائد العام، لا يٌنكر منصبه كعضو في مجلس السيادة، وله الحق في إرسال رسائل سياسية للمجموعات السياسية المناوئة للحرب، والتي تخدم مشروع تمرد الدعم السريع، فهو يقود الجيش لتحقيق الانتصارات ويُرسل رسائله السياسية.
وقال محمد في حديثه مع "الترا سودان" إن الحاضنة التي يتوقعها مساعد القائد العام هم من شاركوا في معركة الكرامة، والمتمثلة في المستنفرين والمقاومة الشعبية، والبرائين، وبالتالي فإن كل من تضرر من الحرب، سواءًا بالنزوح أو التشريد، يكون أكثر حرصًا على بقاء القيادة العسكرية للتصدي للمعتدي وتعويض المتضررين."
مصطلحات سلبية
ويقول الأمين السياسي لحركة المستقبل للإصلاح والتنمية، هشام عثمان الشواني، إن حديث العطا مفهوم لكنه غير مكتمل، مضيفًا أن موقفهم من الحرب الحالية التي تستهدف الدولة ووجودها يتلخص في ضرورة التفاف الجميع حول المؤسسة العسكرية الوطنية، لأنها تمثل الدولة ضد "المليشيا" وأعوانها السياسيين الذين يسعون لتقويض السيادة الوطنية، حسب قوله.
هشام الشواني لـ"الترا سودان" : لا حاجة لمصطلح "حاضنة" مرة أخرى، فهو مصطلح سلبي جدًا، ويعني وجود شلة سياسية محددة أو كيان سياسي محدد في تحالف هجين مع المؤسسة العسكرية
ويفيد الشواني في حديثه مع "الترا سودان"، أنه حتى عندما يحين دور المرحلة السياسية، فإنها ستكون تأسيسية فعلاً، ولكنها لا تقوم على الجيش، بل تقوم على توافق وطني عريض وعميق وحقيقي حول إبعاد السلطة من الصراع السياسي، ووقف التنازع السلطوي خلال المرحلة الانتقالية.
ويضيف أنه لا حاجة لمصطلح "حاضنة" مرة أخرى، ويعتبره مصطلحًا سلبيًا جدًا، ويعني وجود شلة سياسية محددة أو كيان سياسي محدد في تحالف هجين مع المؤسسة العسكرية ينال بموجبه السلطة، مثلما حدث في الوثيقة الدستورية لعام 2019. وأردف: "الجيش الوطني لا يحتاج لحاضنة سياسية، فهو ينتمي لكل السودان وكل السودانيين".
يذكر أن الفريق أول ركن ياسر العطا، عضو مجلس السيادة الانتقالي ومساعد القائد العام للجيش السوداني، قال في خطاب جماهيري بأمدرمان، إن القوات المسلحة ستدخل في فترة تأسيسية بعد الانتصار في الحرب السودانية، مؤكدًا على استمرار التقدم في العمليات العسكرية بالشكل المخطط له.
أكد العطا أنهم لن يتراجعوا، مشددًا على أن النصر هو الخيار الوحيد، وأضاف: "يستشهدوا عشرة، يستشهدوا مية، يستشهدوا ألف، يستشهدوا مليون، يستشهدوا عشرة ملايين، يستشهدوا الثمانية وأربعون مليون سوداني، ليبقى الأطفال ويعمروا هذه الأرض، ولكن لن نركع لدول الشر ولعرب الشتات".
وأشار العطا إلى زوال "الجنجويد"، مؤكدًا أنهم بعد الانتصار المتوقع سيدخلون في فترة تأسيسية تمتد لعدة سنوات، ولكن دون حاضنة سياسية، معلنًا أن الحاضنة ستكون الشعب السوداني والمقاومة الشعبية.
وختم قائلاً: "سنعيد بناء الدولة السودانية على أسس وطنية صحيحة، وسنضمن المحاسبة لكل من يخطئ، فالمؤسسة العسكرية تخدم السودان بشجاعة وتحمل مسؤولياتها تجاه الشعب السوداني بكل جدية".