عادت خلافات الأجسام المكونة لتجمع المهنيين السودانيين، لتملأ الساحة من جديد بعد انتخاب سكرتارية جديدة للتجمع. وعادت أصوات الكثير من المهنيين والناشطين في الأجسام المهنية والنقابية لتعلو مطالبة بإصلاحات هيكلية وإدارية في جسم تجمع المهنيين ليكون ممثلًا حقيقيًا للمهنيين كاتحاد لجميع النقابات والأجسام المهنية. ومع تفاقم حدة الصراع لدرجة بروز بوادر انشقاق في جسم التجمع، يطل تساؤلٌ ملح؛ هل يخدم الصراع الحالي حول تجمع المهنيين أهدافًا نقابية؟ أم أنه مجرد صراع حول مكاسب سياسية؟
الكثير من عمليات الإحلال والإبدال في قيادات التجمع وبعض الاستقالات المفاجئة كانت تنبئ بوجود خلافات وإن كانت غير بائنة
لم تكن هذه المرة الأولى التي تطفو فيها خلافات الأجسام المكونة لتجمع المهنيين إلى السطح، فقد برز خلافٌ قبل عدة أشهر حول قانون حل وتشكيل الاتحادات المهنية، والذي أصدره المسجل القانوني بالاتفاق مع بعض قيادات تجمع المهنيين حينها، ما أدى لنشوب خلافاتٍ بين التجمع في مجلسه القيادي والأجسام المكونة له، لدرجة صدور بياناتٍ تطالب بمحاسبة بعض قادة تجمع المهنيين لتجاوزهم آراء ممثلي الأجسام المكونة للتجمع. كما أن الكثير من عمليات الإحلال والإبدال في قيادات التجمع وبعض الاستقالات المفاجئة كانت تنبئ بوجود خلافات وإن كانت غير بائنة. لربما كانت الخلافات الأخيرة هي الأكبر منذ التوقيع على الوثيقة الدستورية وتحول تجمع المهنيين من قيادة الشارع إلى إحدى مكونات التحالف الحاكم.
اقرأ/ي أيضًا: تجمع المهنيين.. هل هوى النجم أم خفت بريقه؟
وكان التجمع قد أعلن في بيان أنه أجاز إعادة الهيكلة، وسمى مناديب جدد في المجلس المركزي وتنسيقية قوى الحرية والتغيير، لتتوالى بيانات الرفض تباعًا من قبل بعض الأجسام المكونة لتجمع المهنيين، وقد عددت الأجسام أسباب رفضها للعملية بكون أنها جاءت معيبة ومخيبة للآمال بحسب بيان مهنيي الموارد البشرية. واتفقت باقي الأجسام بكون أنه تم خرق اتفاق سابق داخل مجلس تجمع المهنيين بإجراء هيكلة ولكن بمهام محددة، متهمةً السكرتارية الجديدة بالقفز على الاتفاق وتكوين سكرتارية جديدة. وعدم مناقشة تقارير أداء المكاتب وخطابي الدورة الميزانية، كما أوضح بيان لجنة أطباء السودان المركزية أن تجاوزًا قد حصل لبند الطعون. وبحسب تجمع مهنيي التنمية البشرية فقد تمت إجازة هيكلٍ تنظيمي جديدٍ دون تحديد وصفٍ وظيفي لها ودون قياس أداة الهيكل السابق. اتفقت كل الأجسام على وجود تكتلٍ سياسيٍ مسبق واعتبرته تجاوزًا لميثاق التجمع. خلقت هذه الخلافات حالة ضجيج في أوساط المهنيين والأجسام النقابية قيد التشكل، خاصةً وأن الكثير من التشكيلات المهنية التى لم يتاح لها فرصة الانضواء تحت مظلة تجمع المهنيين، كانت تنتظر بفارغ الصبر تسارع عمليات تقنين النقابات بعد تكوين الحكومة، لتحل هي محل التجمع وترث موقعه في التحالف الحاكم، ولكن لتباطؤ إجازة القوانين التي تنظم عمل النقابات فإن التجمع احتفظ بموقعه كممثلٍ وحيدٍ للمهنيين في تحالف السلطة، مما جعل الأجسام المهنية تنشغل بالصراع حول تجمع المهنيين بدلًا من توجيه جهودها في اتجاه تنظيم منسوبيها في أجسام موحدة، ومن ثم الضغط في اتجاه إجازة قوانين تنظم عمل النقابات، ومن ثم يمكن للنقابات المكونة أن تعيد تنظيم نفسها في تجمعات أو اتحادات عامة.
من البديهي جدًا أن وضع التجمع السياسي الحالي مهما دام فانه لن يتجاوز حد الفترة الانتقالية
تجمع المهنيين -كما نعلم جميعًأ- نشأ في ظروفٍ معينة وبتحالفاتٍ معينة، وكان في مرحلةٍ ما يمثل صوت الشارع. وكان الكسب السياسي الذي ناله تجمع المهنيين لاحقًا والذي أدى لوضعه الحالي كجزءٍ من التحالف الحاكم، نتيجةٌ مباشرةٌ لسير الأحداث. لكن من البديهي جدًا أن وضع التجمع السياسي الحالي مهما دام فانه لن يتجاوز حد الفترة الانتقالية. وبعدها قد يستمر كأي تجمعٍ مدنيٍ يجمع بين أصحاب مصالحٍ ورؤىً مشتركة، أو قد يذوب بديهيًا في التجمع المهني الجديد الذي سينشأ نتاج اتحاد النقابات المكونة؛ إن أرادت الأجسام المكونة له ذلك.
اقرأ/ي أيضًا: خفايا وأسرار "حميدتي" مكانها النيابة العامة
وبما أن التجمع الآن لا يمثل كل المهنيين بقدر تمثيله الأجسام المكونة له؛ فإن الصراع حول هذا الجسم في تقديري هو مجرد تضييقٍ لمواعين الفعل النقابي نتاج كسلٍ وعدم مقدرةٍ على المبادرة في ظل معطيات وخياراتٍ واضحةٍ جدًا، فالنقابات تكتسب شرعيتها بإجماع أعضاء جمعياتها العمومية عليها، وبالتالي فإن الخطوة التي تسبق تقنين عمل النقابات تحتاج عملًا ونشاطًا أكبر باعتبار أن الغاية من قوانين الدولة هو تنظيم عمل النقابات بصورة عمومية دون التدخل في لوائحها الداخلية، وما هو ملاحظٌ الآن أن الكثير من الفئات العمالية لم تصل لمرحلة وجود جسمٍ متفقٍ عليه من قبل كل الأعضاء كجسمٍ تمهيديٍ للنقابة، ففئات مهمة مثلًا فئة الأطباء والصحفيين والبياطرة والمهندسين، ستحتاج إلى الكثير ليصل أعضاؤها إلى حالة الاتفاق قبل قيام جمعياتٍ عموميةٍ تختار لجان نقاباتها وهو ما يدعو للقلق. مثلًا فإن أساتذة جامعة الخرطوم بالتوازي مع الحراك الثوري كانوا قد أنشأوا لجنةً تمهيديةً لمبادرة استعادة النقابة، قامت اللجنة بعمل دراسات ومقارنات بين النظم الأساسية للنقابات السابقة لاستكشاف مدى ملاءمتها للتغيرات الآنية، ومن ثم قامت اللجنة بتصميم مقترح نظامٍ أساسيٍ بعد مشاورة الجمعية العمومية، ومن ثم تمت إجازته من قبل الأساتذة بجمعيةٍ عموميةٍ عامة، وتم تكوين لجنة تسييرٍ مهمتها الأساسية الإعداد لانتخابات مجلس النقابة، وتبقى فقط أن تتم إجازة قوانين تنظيم النقابات لتكسب النقابة وضعا قانونيًا بعد أن اكتسبت شرعيتها بتفويض الجمعية العمومية.
محاولة تغليف صراعٍ بين مجموعاتٍ سياسيةٍ بقشورٍ مهنيةٍ قد يضر بالتأكيد أو على الأقل يبطئ من عملية تكوين النقابات المهنية
من الواضح أن الصراع الحالي يدور حول المكاسب المعنوية التي اكتسبها جسم التجمع بفعله على أرض الواقع أثناء الحراك، والتى مكنته من أن يكون إحدى القوى المحركة للفترة الانتقالية، وهو بالتالي صراعٌ سياسيٌ أكثر من كونه مهني. ولذا فإن محاولة تغليف صراعٍ بين مجموعاتٍ سياسيةٍ بقشورٍ مهنيةٍ قد يضر بالتأكيد أو على الأقل يبطئ من عملية تكوين النقابات المهنية، وذلك بخلق انشقاقاتٍ بين أصحاب المهن بدرجةٍ تحول دون اتفاقهم حول جسمٍ موحدٍ يمثلهم. يمكن للتجمع بفعل طبيعة تكوينه المهني باعتباره واحدًا من مكونات التحالف الحاكم، أن يقوم بدورٍ أكبر بالمساهمة في تنظيم تكوين النقابات والأجسام المهنية، لكن في أي حال فإن الأجسام التي ستنشأ عن اتحاد الأجسام النقابية الشرعية هي ليست تجمع المهنيين الحالي.
اقرأ/ي أيضًا