مع اشتداد الاشتباكات المسلحة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، قرر الكثير من المواطنين مغادرة البلاد، تاركين خلفهم حيواتهم وبيوتهم التي مستها الحرب.
وبحسب إحصائيات للأمم المتحدة، تسببت الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في نزوح أكثر من مليون شخص، بعضهم غادر البلاد إلى إثيوبيا ومصر وتشاد عبر الحدود البرية في ظل توقف حركة الطيران، واشترطت مصر وإثيوبيا حيازة الذين يودون الدخول إلى أراضيها فرارًا من الحرب، على وثيقة سفر.
كشف العديد من المواطنين الذين حاولوا مغادرة البلاد، عبر المعابر الحدودية إلى مصر وإثيوبيا، عن صعوبات واجهتهم بسبب احتجاز السفارات الأجنبية لجوازاتهم
وكشف العديد من المواطنين الذين حاولوا مغادرة البلاد، عبر المعابر الحدودية إلى مصر وإثيوبيا، عن صعوبات واجهتهم بسبب احتجاز السفارات الأجنبية لجوازاتهم التي كانت قيد إجراءات التأشيرة قبل بدء الحرب. وأتلفت بعض السفارات وثائق السفر التي بحوزتها، فيما نقلت سفارات أخرى الوثائق إلى مناطق آمنة، وبعضها تركتها في المباني التي أغلقت أبوابها جراء الحرب.
الشاب "س" الذي فضل حجب اسمه، هو أحد مئات السودانيين العالقين في البلاد نتيجة لاحتجاز جوازه في إحدى السفارات الغربية. حكى "س" لـ"الترا سودان" تفاصيل المعضلة التي واجهته نتيجة لعدم تحصله على الجواز المحتجز لدى السفارة البريطانية، ما تسبب في أن يعلق في السودان غير قادر على السفر إلى خارج البلاد.
ابتدأت قصة "س" مع السفارة البريطانية في نيسان/أبريل المنصرم، قبيل اندلاع الحرب في العاصمة الخرطوم، حيث قدم طلبًا للحصول على تأشيرة عبر وكالة تعمل في هذا المجال.
يقول "س" لـ"الترا سودان" إنه عقب تقديمه لطلب التأشيرة ودفع الرسوم، طلب منه القدوم إلى مقر السفارة في الخرطوم، حيث أخذت بصمته وصورته، كما صوّروا جوازه بالكامل، ومن ثم أخذوه منه عقب ذلك، واحتفظوا به معهم، وأخبروه بأن التأشيرة ستستغرق فترة أسبوعين، وأنهم سيحتفظون بالجواز طوال هذه المدة. وعبر هذا الشاب عن استغرابه من أخذهم الجواز عقب تصويرهم كل صفحاته.
ومع بداية الاشتباكات في الخرطوم، فقد هذا الشاب الاتصال بالوكالة التي قدّم عبرها للتأشيرة، ومن ثم تواصل مع عدد من الشباب الذين يمرون بنفس المعضلة، إذ علق العديد من السودانيين في مناطق الاشتباكات نسبة لاحتجاز جوازاتهم في السفارة البريطانية وغيرها من السفارات.
وكشفت مصادر دبلوماسية لوسائل إعلام، عن تدمير السفارة الفرنسية والأمريكية لجوازات السودانيين التي كانت بحوزتها، فيما أجلت العديد من السفارات طواقمها قبل إعادة الجوازات التي بحوزتها إلى أصحابها، ما تسبب في أن يعلق المئات من السودانيين الذين يحاولون مغادرة البلاد عقب اندلاع المواجهات العنيفة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني.
وروى سودانيون لـ"سي إن إن" إنهم لا يستطيعون الهروب من القتال الدائر في بلادهم، لأن جوازات سفرهم عالقة داخل السفارات الأوروبية. وتقطعت بالعديد من السودانيين السبل.
وكانت السفارة الهولندية في الخرطوم قد ردت في تويتر على تساؤل بشأن جوازات السفر العالقة لديها، وكتبت: "نأسف بشدة للوضع الحالي الذي تعيشون فيه، لقد أجبرنا على إغلاق السفارة وإجلاء موظفينا"، وأضافت: "لسوء الحظ، هذا يعني أنه لا يمكننا الوصول إلى جوازات سفركم. ننصحكم بتقديم طلب للحصول على جواز سفر جديد عبر السلطات المحلية"، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة على الرد غير الحساس لوضع السودانيين الذين تسببت في خسارتهم وثيقة السفر التي تسمح لهم بمغادرة البلاد التي أجلت السفارة طاقمها منها نسبة لخطورة الأوضاع.
وأوضح "س" في رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى السفارة البريطانية في الخرطوم، المعضلة التي يمر بها، وردت السفارة البريطانية على هذا الشاب الذي ما يزال عالقًا في السودان، بعد أسابيع طويلة ومجموعة من المراسلات والاتصالات.
وقالت السفارة في بريد إلكتروني أرسلته لهذا الشباب وغيره من العالقين، إنهم قد أرسلوا جوازات السودانيين إلى نيروبي في كينيا، وأنه يتعين عليه التصرف لاستلام جوازه من هناك، أو الدفع لخدمات الإرساليات ليستلمه في مصر أو إثيوبيا، رغم معرفتهم بأنه لا يستطيع مغادرة البلاد بسبب احتفاظهم بجوازه - بحسب ما أوضح لـ"الترا سودان".
طلبت السفارة البريطانية من أصحاب الجوازات المحتجزة لديها استلامها من نيروبي في كينيا على الرغم من ظروف الحرب التي يمرون بها في السودان
وعبّر هذا الشاب في حديثه لـ"الترا سودان"، عن انزعاجه من هذه المعاملة، قائلًا إن السفارة تعلم الظروف التي يمر بها بسبب الحرب، وهي الأقدر على إرسال الجواز لنقطة أقرب مثل بورتسودان أو حتى مصر، بحكم مسؤوليتها من تسليم الجواز لصاحبه في أقرب فرصة ممكنة، خاصةً في فترة الحرب المستعرة في عدد من المدن.
يقول لـ"الترا سودان": "لحسن الحظ وبالصدفة المحضة شاءت الأقدار أن تكون صديقة لي متواجدة في نيروبي، وقد رتبت معها لاستلام الجواز وإرساله إلى مصر، حيث سيمر بطريق طويل عبر الباصات السفرية المغادرة من القاهرة إلى أسوان، ومن ثم عبر معبر أرقين لأستلمه في السودان"، ويضيف بنبرة ساخرة: "إنها قصة طويلة".