لطالما تحدثت العديد من الأحزاب السياسية في جنوب السودان، بما فيها حزب الحركة الشعبية لتحرير السودان الحاكم حاليًا، عن تمسكها بأهمية تمثيل النساء في المؤسسات التشريعية والتنفيذية، وفي جميع المؤسسات الحكومية، بل وتجدها تذهب مجتمعة لما هو أبعد من ذلك بحيث تقوم بوضع نصوص صريحة في وثائق الحزب و في الدستور القومي تتحدث عن تخصيص نسبة معينة لتمثيل المرأة ، بدأتها الحركة الشعبية بـ(25)% و مؤخرًا حددتها اتفاقية السلام المنشطة بنسبة (35)%، وإذا ما افترضنا بحكم الممارسة أن تلك الأحزاب ظلت تتلاعب بنسبة تمثيل المرأة في السابق لأنها تعتبرها هبة وعطية منها، فما هو المبرر الذي يقف وراء التلاعب بالنسبة التي نصت عليها اتفاقية سلام متعددة الأطراف، بمشاركة أطراف محلية وإقليمية ودولية، كما حدث مع تعيين أعضاء الحكومة الانتقالية وتعيين حكام الولايات الذي جاء مجحفًا جدا بالنسبة للنساء اللائي حصلن على مقعدٍ واحد خصصته المعارضة للسيدة سارة كليتو بتعيينها حاكمة ولاية غرب بحر الغزال، في الوقت الذي قامت فيه الحكومة بتكليف ستة رجال في نسبتها المحددة بالاتفاقية، مما يعني إنها قد أخذت اثنين من مقاعد النساء في مخالفة صريحة لبنود اتفاقية السلام.
هذا أمر محزن أن تلوذ الأجيال الشابة من النساء اللائي اخترن الوقوف إلى جانب الحكومة ودعمها؛ بالصمت وهن يشاهدن كيف تضيع حقوقهن أمام أعينهن
إن النظرة لقضية تمثيل النساء في هياكل السلطة الانتقالية وبقية المؤسسات الحكومية كمسألة خاصة بالنساء وحدهن، هو الذي فتح المجال أمام الحكومة بالتحديد لتسوية معادلاتها الداخلية على حساب تمثيل النساء، وذلك بعد أن حصلت كوادرها النسوية من اللائي شاركن في التفاوض على اتفاقية السلام على مقاعدهن، طالما يعتبرن أن وجودهن في الحكومة يعكس التمثيل الدائم للنساء في الحزب أو على مستوى جنوب السودان وفقًا لذلك التحليل، مثلما أن الاستجابة لأي حديث أو مطالبة موسعة بمشاركة النساء، قد يخلق لهن منافسات محتملات يهددن بقائهن السياسي في المستقبل، بسبب إدراكهن بأنهن لا يمثلن القيادة الحقيقة للنساء كافة، لتكتمل بذلك مظاهر عملية الصمت والتواطؤ في مقابل الاستمرار وعدم الجهر بالرأي في حال وقوع أي انتهاكٍ لحقوق النساء المتضمنة في اتفاقية السلام. إن هذا لأمر محزن، أن تلوذ الأجيال الشابة من النساء اللائي اخترن الوقوف إلى جانب الحكومة ودعمها في كل صغيرة وكبيرة، بالصمت، وهن يشاهدن كيف تضيع حقوقهن أمام أعينهن سدى.
اقرأ/ي أيضًا: مليونيات 30 حزيران/يونيو تعيد للثورة زخمها وتطالب بالسلام
من جانبٍ آخر، لعب غياب الحركة النسوية المستقلة والمدركة لكامل حقوقها في جنوب السودان دورًا كبيرًا في أن تنحصر اهتمامات منظمات المجتمع المدني النسوية الموجودة بالبلاد ، في المطالبة بمشاركتهن في المفاوضات ووضع الاستراتيجيات النظرية، دون تحديد الأولويات المطلوبة. ولذلك تكون تحركاتهن في إطار النخب النسوية المتعلمة، حيث يرغبن في الحصول على شراكات مع المنظمات الدولية في وضع تلك البرامج، بدون الانخراط في عملية تثقيف مدني حقيقية وسط النساء على امتداد البلاد وتمليكهن حقوقهن في المشاركة العامة، تلك هي الوسيلة الوحيدة الناجعة لبناء تحالفٍ واسعٍ وحركة ضغط نسوية حقيقية تنشط في إطار حركة حقوقية واسعة تنتهي لاحترام حقوق الإنسان الرئيسية، وتتجاوز الاحتفاء بالأيام الدولية والمواكب الاحتجاجية الغاضبة التي تخرج للبرلمان وضريح جون قرنق كلما وقع حدث طارئ، وتنتهي عند نشرة الأخبار المسائية في الإذاعات المحلية، دون أن تدفع باتجاه انصاف النساء و تحديد أجندتهن القومية على مستوى الحكومة والأحزاب السياسية في جنوب السودان.
لن تلتفت الحكومة لتلك الأصوات التي تطالبها بالالتزام بتنفيذ بنود الاتفاق الخاصة بتمثيل النساء، وذلك بسبب الانفصال الكبير ما بين المجتمع المدني والتنظيمات النسوية داخل الأحزاب
لن تلتفت الحكومة في الوقت الحالى لتلك الاصوات التي تطالبها بالالتزام بتنفيذ بنود الاتفاق الخاصة بتمثيل النساء وفقًا للنسبة التي خصصتها لهن الاتفاقية، وذلك بسبب الانفصال الكبير ما بين الجهود التي يقوم بها المجتمع المدني والتنظيمات النسوية في الكتل والمجموعات النسوية داخل الأحزاب، والتي تستخدم ذات الكرت من أجل الصعود السياسي الشخصي، وتلك قضية تتطلب فتح "نفاجات" للحوار الموضوعي الذي يبدأ داخل المؤسسات السياسية، من أجل تحويل طاقة الضغط الفردي إلى حراكٍ تضامنيٍ في نطاقٍ أوسع، ينتهي بتسليم مذكرات للأطراف الموقعة وللشركاء الإقليميين والدوليين، وقبلها بالجلوس إلى القيادات السياسية والبرلمانية مجتمعة.
اقرأ/ي أيضًا
لجان مقاومة تعتذر لوزير الصحة وتصف المعتدين عليه بالمخربين
جوبا: مخاوف من انهيار الترتيبات الأمنية لغياب التمويل والإرادة السياسية