يعيش المدنيون في العاصمة الخرطوم، وضعًا إنسانيًا وصفه متطوعون يعملون في غرف الطوارئ بأنه "مؤلم"، وذلك جراء انعدام أساسيات الحياة حيث أصبح الحصول على قطعة الخبز بمشقة، فيما علِق العديد من المواطنين في مناطق الإشتباكات التي تشهد فيها الأحياء السكنية معارك حربية تجبر السكان على الإختباء تحت "الأسرة"، ومع ذلك قد تنعدم فرص النجاة من المقذوفات والمتفجرات.
وضع إنساني "حرج"
وسقط نحو خمسة آلاف قتيل من المدنيين منذ اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع في منتصف نيسان/أبريل الماضي، بينما يقول مسؤولون أمميون إن مئات الآلاف من السودانيين محاصرون في مناطق ينعدم فيها الغذاء، ووصلت مرحلة حرجة من الوضع الإنساني.
خبير في المجال الإنساني: حرب السودان لا مثيل لها في العالم لأنها تفتقر لأبسط معايير حماية المدنيين
وحُوصرت بعض العائلات العالقة في حي الشجرة جنوب العاصمة أكثر من أربعة أشهر، وعندما اشتدت وطأة الأزمة الإنسانية قررت الخروج قبل أسبوعين، وبالفعل تمكن المئات من المغادرة في ظروف أمنية معقدة مع استمرار الاشتباكات المسلحة بين الطرفين المتحاربين قريبًا من قواعد عسكرية تتبع للجيش جنوب العاصمة.
وقال أحد المغادرين من حي الشجرة، والذي نزح إلى مدينة ودمدني بولاية الجزيرة: "خرجنا جماعات في يوم واحد وتركنا بعض المواطنين؛ نتمنى أن نعود يومًا ونجدهم على قيد الحياة".
وفي ليلة واحدة شيع المواطنون في منطقة أمبدة الواقعة في أم درمان (18) من المواطنين قتلوا بالقصف المدفعي أثناء المعارك العسكرية، ومن بقي هناك قرر المغادرة إلى داخل أم درمان حيث الأحياء الآمنة نسبيًا، أو ترك العاصمة.
شبح مجاعة
يقول فوزي الذي ما زال يقيم في حي الكلاكلة منذ بداية القتال حتى الآن إن الوضع حرج للغاية، وفي بعض الأحيان لا يمكن الحصول على الطعام سواء عبر الشراء أو حتى الحصول على المال. ويعمل أفراد عائلتي على تحويلات مالية بين الحين والآخر عبر التطبيق البنكي، وهو الآخر يحتاج إلى شبكة إنترنت، وتضطر للذهاب إلى موقع آخر حتى تقوم بذلك.
"المجاعة" مصطلح قد تسمعه عندما تكون في الخرطوم لأن المشاهد التي أمامك تدل على ذلك، وفي بعض الأحياء هناك تكافل بين المواطنين بتجميع المطابخ وتجهيز الوجبات، لكن هناك أحياء البقاء خارج المنزل خطر جدًا - يضيف فوزي.
عالقون في الخرطوم "معًا"
ولجأ العديد من المدنيين في العاصمة الخرطوم مع استمرار المعارك إلى البقاء ضمن جماعات، ولا يمكن التكهن بما ستؤول إليه الأوضاع في نظر حيدر، والذي يقيم في مناطق الثورات في أم درمان، وهي معصومة عن القتال وتقع تحت مناطق سيطرة الجيش.
ويرى علي الحاج المستشار السابق في منظمة إنسانية دولية، في حديث لـ"الترا سودان"، أن القتال في السودان لا مثيل له في أي مكان في العالم، لأن المعايير الخاصة بحماية المدنيين لم تطبق على الرغم من توقيع اتفاق جدة في أيار/مايو الماضي للأغراض الإنسانية وحماية المدنيين.
خبير في المجال الإنساني: المجتمع الدولي يفتقر لأدوات الضغط على الطرفين المتحاربين
ويقول الحاج إن المجتمع الدولي يفتقر لأدوات الضغط على الطرفين المتحاربين، ولم يقم بواجبه كاملًا تجاه حماية المدنيين، ويكتفي بإطلاق التحذيرات. مضيفًا أن الوضع في السودان يتجه نحو الخروج عن السيطرة، ولن يتوقف عند هذا الحد، ويشكل خطرًا على البلدان المجاورة، والتي بدورها لم تفعل أيضًا ما يكفي لوقف القتال.
ويتوقع الحاج أن تكون هناك نقطة تحول خطيرة حال عدم توقف القتال في السودان الشهرين القادمين لأن الأمور لن تسير كما هي، وفي ظل رغبة كل طرف في الحسم العسكري سيفعل كل ما في وسعه لتحقيق ذلك، والضحايا هم المدنيون طبعًا - بحسب تعبيره.