كما لو كانت منطقة غير مأهولة من قبل، تقف أحياء الخرطوم اليوم بلا حركتها المعتادة؛ لا سيارات ولا عربات "توكتوك" لا طوابير أمام المخابز لا إنارة، تكاد جميعها تكون متوقفة بفعل النزاع المسلح بين الجيش والدعم السريع الذي يقف على أعتاب الشهر السادس.
نازح: إلى أين سأعود؟ إلى منزل منهوب وسيارة يمتطيها مسلحون وباب منزل مشرع الأبواب منذ أشهر أمام اللصوص
في حي الامتداد جنوب الخرطوم والذي كان يضم مبنى جهاز المغتربين وبعض الكليات الجامعية، ثمة شاحنات للدعم السريع تتحرك تشق الطرقات، وتناثرت "بقية المنهوبات" من منازل السكان خاصة حي العمارات الذي يقع على بعد كيلومترات من هناك.
هل سنعود؟
قد تطمس الحرب معالم الخرطوم إذا استمرت طويلًا، ومع ذلك في هذا الوقت إذا أبرم الجنرالان اتفاقًا في محادثات السلام في جدة قد يكون استعادة الوضع عسيرًا على السودانيين، وفي رواية متداولة تقول "لن تجد تلك الأريكة القديمة كما كانت".
بالفعل هل سنعود إلى منازلنا؟ يتساءل نادر الذي يبلغ من العمر (45) عامًا، ولكن ما هو مصير الشوارع والأعمدة والكوابل المتقطعة والخدمات المتوقفة وحتى بقايا الجثث التي لم تدفن؟! بمعنى آخر يلح نادر في السؤال عما إذا كان السودانيون سيخططون يومًا لإدارة ظهرهم إلى الخرطوم التي احتضنتهم لسنوات طويلة في شارع النيل والمقاهي و"القهوة السودانية" بمذاق الجنزبيل، وحتى الحلويات "والباسطة السودانية حلوة المذاق". هكذا يعيد شريط الذكريات يوميًا أمام نظره في مدينة نزوحه بود مدني.
بداية الحرب
سُمع دوي المدافع منتصف نيسان/أبريل الماضي لم يكن في البال لدى الغالبية من سكان العاصمة أنها بمثابة صافرات الإنذار إيذانًا بمغادرة مدينتهم ربما لسنوات، وظن البعض أنها اشتباكات محدودة سرعان ما ستهدأ. ولكن توسعت العمليات العسكرية إلى المطار والقيادة العامة ووادي سيدنا وسلاح المهندسين، عندها تأكد الناس أنها الحرب عندما حلقت الطائرات ترمي بالقنابل على قوات الدعم السريع التي تفتقر لسلاح الطيران - يقول محسن (27 عامًا) الذي يقطن حي الامتداد جنوب الخرطوم.
يضيف لـ"الترا سودان": "كانت السيارات تطلق أبواقها في السماء وهي تغير مساراتها التي اتبعتها صبيحة اليوم الأول للقتال وكأنها تتعامل مع احتجاجات سلمية، أغلقت الطرقات لم يكن يدري السائق أن الحرب اشتعلت ولن يعود إلى هذا الطريق وقد يغادر الخرطوم إلى الأبد".
كانت سوسن (26 عامًا) على موعد مع "الترزي" لتفصيل ملابس قبيل أيام قليلة من عيد الفطر في سوق سعد قشرة بالخرطوم بحري شمال العاصمة، وذلك بالتزامن مع بداية القتال صبيحة منتصف نيسان/أبريل الماضي، حيث سمعت أصوات المدافع ولم تكترث، ثم شاهدت الناس يركضون بسرعة، ولم تكترث حتى أغلقت أبواب المتاجر، حينها بدأت تتيقن أن الأمور خرجت عن السيطرة وعادت مسرعة إلى المنزل تاركة غالبية أغراضها الخاصة، واليوم تتواجد في ملجئها الإجباري خارج البلاد.
منازل مشرعة الأبواب
من شارع يضج بالحياة جوار سوق سعد قشرة إلى شارع تنتشر فيه عصابات النهب وأشلاء المعارك العسكرية وبقية الأصول المنهوبة وكلاب ضالة ومبانٍ شبه مدمرة، وسوق يخلو من كل شيء تقريبًا كبقايا مدينة ضربها الزلزال.
قد تبدو العبارات المستخدمة من الطرفين المتحاربين إزاء القتال في العاصمة الخرطوم غير كافية لإعادة الاطمئنان إلى سكانها الذين فروا والذين يقضون يومهم تحت دوي المدافع، عما إذا كانت العودة ستكون وشيكة.
قال نادر: "كيف أعود إلى منزل منهوب لم يتبق فيه سوى أرضية رخام بارد جدًا، وسيارتي يقودها مسلحون قد يغادرون بها العاصمة في أي وقت؛ ما الذي سأفعله بعد العودة وباب المنزل الذي قد يكون مشرعًا؟".
تتفق معظم التحليلات والتوقعات على أن القتال سينتهي بالتفاوض، لكنها تختلف متى سيكون ذلك، ويشعر السودانيون بأنهم مكثوا سنوات تحت دوي المدافع وانهيار العاصمة والمدن التي تشهد القتال مثل الجنينة وزالنجي ونيالا والأبيض وبعض القرى. ويطرق السياسيون أبواب دول الإقليم بحثًا عن موقف يساندهم في مناهضة القتال في السودان، بينما هناك سؤال يطرح بشدة، عما إذا كان الجنرالان سيكونان موضع ثقة وقت السلم عندما يتوقف النزاع المسلح بالتفاوض؟