الترا سودان - فريق التحرير
أكد المفكر العربي عزمي بشارة أن ما جرى من تسوية سياسية في السودان بين قوى الثورة السودانية والعسكر من تقاسم للسلطة في المجلس السيادي، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية غير حزبية كان خطوة صحيحة، ليس لأنه المسار الأفضل للثورة، إنما لأنه كان المسار الوحيد الممكن والمتاح أمام السودانيين، مضيفًا، في لقاء حول مآلات الحراكات الشعبية في دول عربية عديدة، أنه لم يكن بمقدور أحد من الطرفين تصفية الطرف الآخر والقضاء عليه، فلا الثوار كانوا قادرين على اقتلاع النظام بمجمله ولا النظام كان قادرًا على القضاء عليهم، وما وقع في هذا البلد المتنوع الضاج بمشكلاته أن قسمًا من النظام وهو الجيش، قرر أخيرًا التخلص من الأجزاء التي كانت في الواجهة وتمثل النظام. ويضيف بشارة: "لا توجد تظاهرات تنتصر على الجيش، إما أن يحيد الجيش نفسه وتنتصر الثورة، مثلما حدث في تونس، أو يسحق الجيش الحراك كما حدث في سوريا، أما في السودان فقد تم التوصل لتسوية بتشكيل حكومة مدنية وتقاسم لمجلس السيادة".
شدد بشارة، أن مشكلة الاتفاق الذي تم في السودان بين العسكريين والمدنيين، هو أنه مؤسس على تسوية للوضع القائم سابقًا، لا كخطة للانتقال الديمقراطي
لبنان والعراق توأمان.. والسودانيون يواجهون خطر الجيش
وقدم بشارة في حديثه الذي بُث على التلفزيون العربي مساء الأثنين ضمن برنامج "حديث خاص"، ملاحظات وتنظيرات تتعلق بالواقع العربي وما يشهده من حراك في كل من السودان والجزائر والعراق ولبنان، واصفًا ما يجري في العراق ولبنان بالثورات الثقافية التي لها ما بعدها، لتماثلهما في رفض الطائفية والبحث عن مظلة الوطن الجامع، مشبهًا إياهما بالثورة الثقافية التي غيرت وجه أوروبا مرة وللأبد.
اقرأ/ي أيضًا: نزار النعيم.. وفاة غامضة لشرطي انحاز للثورة السودانية
وشدد بشارة، أن مشكلة الاتفاق الذي تم في السودان بين العسكريين والمدنيين، هو أنه مؤسس على تسوية للوضع القائم سابقًا، لا كخطة للانتقال الديمقراطي. لذلك هو وضع انتقالي لا يمكن التكهن بنتائجه، وهل سينجح في الوصول لغايات وأهداف الثورة أم لا؟
ويرى المفكر العربي أن أهم المخاطر التي تواجه الفترة الانتقالية في السودان برأيه هي مسألة طموح الجيش السوداني في السلطة، وهي من المسائل التي لم تحسم بعد، فهو جيش له تاريخ طويل من الانقلابات العسكرية والإطاحة بالتجارب التعددية، لذلك فهي قضية تحتاج للعمل عليها على عدة مستويات. فعلى المستوى الدولي هناك دور المجتمع الدولي في الضغط على قادة الجيش السوداني لجهة لجم أي رغبة لديهم في تولي الحكم، أما على المستوى السوداني المحلي فدور قوى الثورة والدور الشعبي سيكون له تأثير بارز في الانتقال بالفترة الحالية إلى مرحلة إنجاز انتخابات تعقبها.
وبحسب بشارة فإن الجيش السوداني فيه قسم لا يريد أن يحكم، لكن من الجانب الآخر فإن فيه تيارًا لديه الرغبة القوية في الحكم، وهو ما يعني أن التجربة السودانية ينتظرها عمل يومي دؤوب ومثابر من أجل مقاومة وتحجيم التيار الراغب من الجيش في حكم البلاد. ويرى بشارة أنه بجانب خطر رغبة الجش السوداني في الحكم، فإن الثورة السودانية مواجهة بمخاطر فشل الحكومة الانتقالية، فالبلاد هي من أقل البلدان في متوسط دخل الفرد السنوي مقارنة ببلدان المنطقة، إلى جانب أنها تعاني مشكلات لا توجد بأي بلد عربي آخر، ما يعطي النخبة العسكرية التبرير الكامل في الوثوب على كرسي الحكم في حال فشلت الحكومة المدنية.
اقرأ/ي أيضًا: محاكمة المخلوع.. طلب برفع حصانة المراجع العام وهيئة الدفاع تهاجم الإعلام
وحذر المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات من أن الجيوش العربية لا يجب اختبارها مطلقًا بحالة الفراغ أو الفوضى التي يمكن أن يقود إليها ضعف الحكومات المدنية، فهي باستمرار جاهزة للانقضاض على السلطة تحت دعوى الفراغ الذي تحدثه حالة عدم وجود حكومة أو وجود حكومة ضعيفة.
أربع مهام رئيسية تواجه قوى التغيير السودانية
ويلخص بشارة نجاح الفترة الانتقالية في السودان في أربع مهام رئيسية، هي القدرة على لجم طموح الجيش في الحكم بجهود محلية ودولية، وإنهاء حالة الانقسام الحالية بين قوى التغيير المتشاكسة، التي تم إبعادها كالتيار الإسلامي الشبابي الذي انحاز للثورة، والقوى التي أبعدت نفسها بنفسها كالحزب الشيوعي السوداني، وذلك لضمان خلق حالة توافق وطني عام يؤمن للسودانيين العبور من المرحلة الانتقالية. وحل مشكلة الحركات المسلحة التي ظلت تحمل السلاح ضد النظام السابق، بتحقيق سلام شامل ودائم، وأخيرًا اجتياز معضلة الأزمة الاقتصادية المستفحلة.
بيٌن بشارة في ختام حديثه أن ما أسماه هو بـ"الثورات الإصلاحية" في التجارب العربية سيكون موضوعًا لكتاب قادم يعكف على تأليفه
مساهمة العرب الديمقراطية في التراث الإنساني
وأشار بشارة في معرض تعليقه على تجارب كل من السودان والجزائر ولبنان والعراق إلى أن الشعوب العربية منذ العام 2011 قدمت للمنظرين وللعالم مساهمتها الفريدة التي اختصت بها وحدها، وهي أنها اجترحت ثورات من نوع جديد ومغاير، مشيرًا إلى أن التغيرات الثورية سابقًا كان لها نمطان فقط، فإما هي ثورات إصلاحية من الأعلى يقوم بها جزء من النظام الحاكم وينجح في تحقيقها والوصول إلى نظام ديمقراطي وهي الأكثر احتمالًا للوصول لنظام حكم ديمقراطي، أو ثورات من الأسفل تطيح بكل النظام وتقيم شرعيتها الثورية كما حصل في الثورتين البلشفية والصينية، وهي الأقل احتمالًا في الوصول لنظام حكم ديمقراطي. بينما كان ما قدمه العرب في مساهمتهم للإنسانية هو ما أسماه بشارة بـ"الثورات الإصلاحية" وهي بخلاف الثورات الرومانسية، يمكنها أن تتوصل إلى إقامة نظم حكم ديمقراطية، لأنها تتوسل الطرق السلمية، وتوظف ذات المساحات التي تتيحها الديمقراطية لتحقيق أكبر قدر منها. مستشهدًا بشعار الثورات العربية الأشهر "الشعب يريد إسقاط النظام" بأنه يعتبر طلبًا من الشعوب للأنظمة لتتنحى، ففي الأخير من سيعلن تنحي النظام ليسوا هم قادة الثورة، وإنما كما شاهدنا في تونس ومصر والسودان والجزائر والآن لبنان جزئيًا، هم جزء من قادة النظام القديم نفسه. وبين بشارة في ختام حديثه أن ما أسماه هو بـ"الثورات الإصلاحية" في التجارب العربية سيكون موضوعًا لكتاب قادم يعكف على تأليفه.
اقرأ/ي أيضًا
مستقبل شباب الإسلاميين بعد الثورة.. أشباح الماضي تطارد الجيل الجديد
في خميس "البل".. تجميد حسابات لشركات شقيق المخلوع ونافع وحميدة وإعفاء مسؤولين