كان للصورة الأثر البليغ في الفيضانات التي ضربتْ أجزاءً واسعة من السودان، الأسابيع الفائتة، بسبب الأمطار الغزيرة التي هطلتْ في أجزاء واسعة من السودان، وكذا في الهضبة الإثيوبية. من الأثر البليغ للصورة، أن كان لها دورًا كبيرًا في عكس معاناة السودانيين للنطاقين المحلي وخارج السودان. والصورة في حد ذاتها، واحدة من وسائط انفعال العالم بكارثة السودانيين، الذي تبدّى في وسائل التواصل الاجتماعي، وفي حملات المناشدة والعون.
غرقت السوشيال ميديا هي الأخرى بفيضانات من الصور، نبضتْ كل صورة فيها بقصةٍ مختلفة
فور ورود أنباء بالفيضان، وما خلّفته من دمار وإغراق لممتلكات السودانيين، هبّ عدد وافر من مصورّي الفوتوغرافيا، لتوثيق هذه الكارثة، تحرّضهم المشاهد المأساوية، وإنسانيتهم قبل كل شيء، ثم هوايتهم للتوثيق الفوتوغرافي. وكان نتاج هذه الهبّة أن غرقتْ وسائل التواصل الاجتماعي هي الأخرى، بفيضانات من صور الفوتوغرافية. انفعل معها الكثيرون داخل وخارج السودان. واستطاعتْ أنْ تُلخّص المأساة. حيث نبضتْ كل صورة بقصةٍ مختلفة.
اقرأ/ي أيضًا: نهاية التعليم النظامي؟
من هؤلاء المصورّين الفوتوغرافيين حق الله الشيخ، ومحمد يوسف الفاتيابي. وكلاهما لديه تجربته في التصوير، لمدة تجاوزت الثلاثة عقود. الأول، حق الله الشيخ، مصوّر صحفي محترف، ونال العديد من الجوائز في هذا المجال. ومؤسس لعدد من الأجسام المعنية بالتصوير، ومدرّب لأجيال تخرجت على يد تجربته. أما محمد يوسف الفاتيابي، فهو الآخر يمتلك أستديو خاص به، وله تجارب معارض، وأفكار مختلفة في التصوير. وله شغف أيضًا بتصوير التجمعات.
التقى كل من حق الله الشيخ، ومحمد يوسف الفاتيابي، في أنّ كليهما وثّق بكاميراهُ الفيضانات والسيول التي أثرتْ في مئات السودانيين. وخلّفتْ عشرات القتلى، وآلاف المنازل المدمّرة جزئيًا وكليًا. بل إنّ أحياءً بكاملها غمرتها المياه، ولم يخرج منها أهلوها إلا بأرواحهم، وثيابهم التي كانت تستر أجسادهم، وقت ذروة الفيضان على مناطقهم.
يؤكد حق الله، على نحو قاطع، بأنه لولا الصورة الفوتوغرافية، والإعلام بشكلٍ عام، لما علم الناس بكارثة الفيضانات التي ضربت السودانيين في الأسابيع الماضية. ويمضي في إفادته لـ "ألترا سودان"، بأن دافعين حملاه ليضع الكاميرا على كتفه للتوثيق، أولها مهنيته ومسؤوليته الإعلامية باعتباره مصوّر صحفي محترف. أما الدافع الثاني، فهو الفيضان الذي حرّك فيه الإنسانية. ويُضيف بأن غالب المصوّرين المحترفين الذين شاركوه التوثيق كان يُحرّكهم هذين الدافعين.
حق الله الذي شملت جولته التوثيقية للفيضانات مناطق الشقيلاب بأم درمان غرب الخرطوم، والكلاكلة القبّة جنوب الخرطوم. وكذا مناطق وا وسي، ود رملي، والتُمانيات شمال الخرطوم بحري. صادفته جملة من المشاهد الإنسانية المؤلمة، والتي قال بأن الصورة في مرات عديدة لم تستطع عكسها. لكن يعود للقول إنه استطاع نقل مشاهد من الكوارث والضرر والمآسي التي ألمّتْ بالسودانيين في تلك المناطق.
ينطلق حق في إضافة مردودات صوره التي انتشرتْ في وسائل التواصل الاجتماعي، أو عبر صفحته الشخصية، فيقول: "الجانب المشرق والإنساني في عدد من الصور التي التقطتها، أنها وصلت لخيّرين في مناطق متفرقة في السودان وخارجه، عادتْ بالمساعدات. وهناك العديد من الذين تواصلوا معي لإيصال مساعداتهم للذين التقطتهم الكاميرا".
الصور التي التقطها حق الله الشيخ، ومحمد يوسف الفاتيابي، تتوزع في غالب تفاصيلها المأساة والكارثة بصورة ناطقة
المتأمل في الصور التي التقطها حق الله الشيخ، ومحمد يوسف الفاتيابي، تتوزع في غالب تفاصيلها المأساة والكارثة بصورة ناطقة. لكن في ذات الوقت لا تغيب عنها الجماليات، والإنسانية. فتجد الأهالي يساعدون بعضهم في نقل حاجيات وأثاثات بعضهم من البيوت التي طالها غمران المياه. وفي بعضها يحضر الأطفال في لهوهم البريء، وهم يساعدون أهاليهم الكبار، في النقل والتحويل. أو في دفع المراكب التي تحوّلت لوسيلة نقل في شوارع الأحياء التي ملأتها السيول والفيضانات بالمياه إلى آخرها.
تجربة محمد يوسف الفاتيابي، وهو يتحدث لـ "ألترا سودان"، فيها الكثير من محطات التقاطع مع تجربة حق الله الذي تجمعه صداقة ومحبة الكاميرا. فقد شملتْ تجربته في توثيق الفيضانات أحياء خرطومية مثل الكلاكلة، اللاماب، وفتيح العقليين، وثلاثتها أحياء جنوب الخرطوم، تضررت بصورة واسعة. وتهدّمت فيها مئات المنازل عن كلها، أو جزئيًا.
الفاتيابي الذي تكثر في صوره، مناظر الأطفال والحيوانات، يقول إن أبرز ما لفت نظره مشاهد مساعدة الأطفال لأهاليهم، وسؤال بعضهم له ببراءة طفولية: "هل سنجد ممتلكاتنا وأثاثاتنا في مكانها، لو عاد المياه إلى البحر؟". وهو سؤال تكرر عنده أكثر من مرةٍ. كما لفت نظره مشهد كلب كان يقعي في مجرى ملأه الفيضان، كان مقامًا له وبقية كلاب الحي.
محمد الفاتيابي: أنا سعيد بكوني قمت بعمل لقي صدى عند الآخرين وتفاعلوا معه
ينطلق الفاتيابي في التأكيد كون أنّ الصور التي التقطها وزملائه المصورين، كانت سببًا في إعانتهم وجلب المساعدات لهم من مناطق متفرقة من السودان، أو حتى خارج السودان. ويذكر بغير تفاصيل العديد من الهواتف من خيّرين، تطلب منه دلّهم على أسرةٍ التقطت كاميراهُ صورةً لمنزلهم وهو يتهاوى. بل إنّ أمرًا بات عاديًا عنده أن تتواصل معه واحدة من القنوات الفضائية خارج السودان للاستئذان في نشر صورةٍ له. وفي أحيان تُنشر من غير استئذان، لكنه في الحالين يبدي سعادته كونه قام بعمل لقي صدى عند الآخرين وتفاعلوا معه.
اقرأ/ي أيضًا