13-سبتمبر-2024
طوابير الطعام في العاصمة السودانية الخرطوم

طوابير الطعام في العاصمة السودانية الخرطوم

لا سبيل لآلاف العائلات في الأحياء الواقعة في المناطق الساخنة بالعاصمة الخرطوم سوى اللجوء إلى المطابخ الجماعية الممولة من غرف الطوارئ والمتطوعين، للحصول على الطعام في وضع يظهر تعمق الأزمة الإنسانية في السودان بعد (17) شهرًا من القتال بين الجيش والدعم السريع.

عامل إنساني: نحو خمسة ملايين شخص في العاصمة الخرطوم على بعد خطوة من مرحلة البطون الفارغة بسبب انعدام الغذاء 

نهاية تموز/يوليو الماضي كانت الأمم المتحدة عبر مبعوث الأمين العام إلى السودان رمطان العمامرة، تجري مفاوضات غير مباشرة بين القوات المسلحة والدعم السريع بحضور وفدي الطرفين في جنيف، لم تسفر عن نتائج على الأرض ولا تزال الشوارع والطرق محاطة بالترسانة العسكرية والتحقيقات الأمنية والقتل في بعض الأحيان لمجرد الشك في الانتماء إلى أحد الطرفين.

ورغم وصول قوافل الإغاثة إلى عدد من الولايات بما في ذلك العاصمة الخرطوم عقب الاتفاق الإنساني بين الجيش والدعم السريع، في مفاوضات جنيف منتصف آب/أغسطس الماضي، والتي جاءت برعاية أميركية وسعودية وسويسرية إلى جانب مراقبة الاتحاد الإفريقي والإمارات ومصر و"الإيقاد"، رغم هذا التقدم المحرز على "الورق بشكل كبير" وفق ما يصفه العامل الإنساني إيهاب السر، إلا أن الوضع في أحياء الخرطوم وأم درمان وبحري تكاد تنزلق إلى مرحلة الجوع.

كيف نمنع الموت جوعًا؟

ويقول إيهاب السر لـ"الترا سودان" إن هناك عدة ملاحظات مؤرقة فيما يخص الوضع الإنساني في العاصمة السودانية، أبرزها تزايد طوابير طالبي الطعام في المطابخ الجماعية التي يشرف عليها المتطوعون من غرف الطوارئ والناشطون في لجان المقاومة.

ويرى السر أن الطعام الذي توفره المطابخ الجماعية في الخرطوم خطوة لمنع الموت جوعًا، وحلول ابتدرها السودانيون بالعودة إلى ذاكرتهم التليدة في مثل هذه الأحوال، لكن المجتمع الدولي ينبغي أن يطور هذه التجربة، ولو عبر عملية الإسقاط الجوي للأغذية في المناطق الساخنة.

ويوضح إيهاب السر أن ما لايقل عن خمسة ملايين شخص في العاصمة السودانية يواجهون خطر الجوع، أو هم على مسافة قريبة من مرحلة الجوع الحاد في المدن الثلاث التي تشمل أم درمان وبحري والخرطوم، وأغلب المتأثرين بنقص الغذاء يعيشون في مناطق تسيطر عليها قوات الدعم السريع.

ويعتقد أن النهب والقتل والتشريد وتوقف الحياة العامة في مناطق سيطرة الدعم السريع عبر عناصرها الباطشة أثرت على كيفية استئناف المدنيين لحياتهم، واضطروا للبقاء بين أربعة جدران ينتظرون مساعدات شحيحة من المتطوعين، ولا يمكن الوصول إليهم عبر المنظمات الدولية التي تستغرق وقتًا في المفاوضات والبيروقراطية.

وحسب تقييم أجرته عدد من الوكالات الدولية العاملة في المجال الإنساني، كانت توقعت وصول الجوع إلى نحو (16) مليون شخص في ولايتي الجزيرة والخرطوم وفق تحذيرات صدرت مطلع هذا العام.

تقصير حكومي 

وكان المبعوث الأميركي إلى السودان توم بيرييلو، أشار إلى أن إغاثة الشعب السوداني أولوية بالنسبة للميسرين في جنيف، بما في ذلك إمكانية إسقاط الغذاء عبر الطيران، وهي عملية نفذت في بعض المناطق خارج العاصمة الخرطوم حسب تأكيدات المبعوث نفسه في مقابلة تلفزيونية الأسبوع الماضي.

ومن بين البنود التي أثارتها الأمم المتحدة عدم توزيع الإغاثة الموجودة في مستودعات قرب الموانئ الرئيسية شرق البلاد، وتحدث الفريق الأممي أمام الوفد الحكومي في جنيف في تموز/يوليو الماضي حول التقارير إلى عدم انسياب المساعدات للنازحين، بينما جاء رد الوفد الحكومي بأن العمليات الإنسانية مستمرة وجرى توزيع شحنات من حبوب الذرة والقمح. 

ويقول الباحث في مجال الديمقراطية مجاهد أحمد لـ"الترا سودان"، إن الأوضاع الإنسانية في العاصمة الخرطوم أكثر ضراوة من أي منطقة أخرى، لأن المعارك العسكرية تتركز هناك بشكل كبير، كما إن قوات الدعم السريع التي تسيطر على غالبية الأحياء السكنية في مدينتي الخرطوم وبحري وثلث مساحة أم درمان، تعيق انسياب الأسواق والأنشطة التجارية، لذلك من الطبيعي أن يجوع الناس أمام ترسانة عسكرية لا تعترف بالمجتمع الدولي، ولديها حماية دبلوماسية إقليمية داخل مجلس الأمن الدولي.

ويرى مجاهد أحمد أن عدد الجوعى في العاصمة السودانية قد يصل إلى سبعة ملايين شخص نهاية العام، بالتالي ارتفاع الوفيات بسبب الأوبئة ونقص الغذاء والأمراض المزمنة التي تحتاج إلى تغذية مناسبة.

محمد بشير الخمسيني الذي كان لديه متجرًا صغيرًا قرب محطة حافلات جنوب العاصمة، لم يعد قادرًا على جني المال لتوقف شركة الاتصالات، فالرجل درج على بيع بطاقات شحن الهواتف وبعض القناني العطرية.

إفراغ المدن من الاقتصاد 

منذ بداية الحرب يجلس في منزله بلا عمل وفقدت عائلته مصدر المال جراء تحول رب العائلة إلى شخص عاطل عن العمل، وظل ينتظر قرابة الشهرين وعود من منظمات محلية بتسليم صناديق مليئة بالغذاء، لكن بلا جدوى لأنه لم يحصل عليها مع تقدم الوقت وفتك الجوع بأفراد أسرته.

واعتاد السودانيون خاصة سكان العاصمة على العمل في المهن الاضطرارية في القطاع الخاص الذي هيمن على الأنشطة الاقتصادية، وإذا ما استوردت كبريات الشركات السلع بملايين الدولارات، فإن العمال القادمين من الأحياء الفقيرة كانوا يشكلون شبكة لتوزيع السلع على الأحياء جميع هذه الطبقات فقدت عملها خلال الحرب، بعد أن أُفرغت العاصمة وجُردت من نشاطها المالي والاقتصادي.

يقول بشير الذي رحل إلى منطقة أم درمان الخاضعة لسيطرة الجيش لـ"الترا سودان"، إن الناس عادة ما يفرون إلى مناطق الجيش للحصول على العمل، لأن المناطق الآمنة في العادة تتوفر فيها فرص العمل.

وتابع: "تذكرت الإغلاق العام خلال جائحة كورونا في 2020، عندما أُجبرنا على التوقف عن العمل بسبب الإقفال العام للأسواق والأنشطة اليومية، بينما نعيش اليوم أسوأ من ذلك الوقت بمراحل".

ويرى أن الحرب ينبغي أن لا تمنع الأنشطة التجارية والاقتصادية، فإذا كنت غير مستعدًا لمراعاة أحوال المدنيين، يجب السماح بدخول الإغاثة وضمان توزيعها بشكل دوري على جميع المواطنين. وتابع: "لن تطعمهم ولن تتركهم يواجهون مصيرهم وتصوب البنادق على صدورهم".

باحثة: حرب السودان تصنف ضمن أسوأ الصراعات في إفريقيا، وجاءت في وقت تراجعت فيه أدوار فعالة للمنظمات الدولية بما في ذلك مجلس الأمن الدولي

انعدام الطرق الآمنة 

ومنذ اندلاع الحرب ربما المسارات الآمنة التي اتفق عليها الطرفان، قد تكون فقط من أجل الإجراءات الخاصة بإجلاء البعثات الدبلوماسية والأجانب من العاصمة الخرطوم، حتى خلال فترات الهدن المتفق عليها بين الجانبين لم يتمكن ملايين الأشخاص من ممارسة الحياة اليومية.

تقول الباحثة في المجال الإنساني والعون القانوني نهلة حسن إن حرب السودان تصنف ضمن أسوأ الصراعات في إفريقيا، وجاءت في وقت تراجعت فيه أدوار فعالة للمنظمات الدولية بما في ذلك مجلس الأمن الدولي لأن المصالح الاقتصادية تتحكم في العلاقة بين الدول المؤثرة في الأمم المتحدة.

وترى نهلة حسن في حديث لـ"الترا سودان" أن المجتمع الدولي تحرك مؤخرًا لإدخال الإغاثة بعد أن شعر بالحرج جراء التقارير الصادمة للجوع في الخرطوم وإقليم دارفور والجزيرة وكردفان، كما فشل في الضغط على الطرفين لضمان إنشاء الممرات الآمنة بما يتيح للمدنيين ممارسة الأنشطة اليومية.

وتضيف: "إذا كانت هناك أسواق وأنشطة ستوفر فرص عمل، والسودانيون درجوا على العمل الخاص منذ سنوات طويلة خاصة في الأسواق، كما أن المجتمع الدولي كان ينبغي أن يلعب دورا في الضغط على قوات الدعم السريع لعدم المساس بالمشاريع الزراعية وتهجير المجتمعات المنتجة، لكنه فشل في هذا الأمر لوجود تداخل وتأثير إقليمي ومصالح بين دول الإقليم والولايات المتحدة وبريطانيا".