03-نوفمبر-2024
الكارو في حرب السودان

الكارو في حرب السودان

مقطورة تتحرك بإطارين، تقودها الدواب، تتحرك بين الحقول ومنازل المزارعين، خاصة في ولاية الجزيرة. خلال الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، تحولت إلى وسيلة نقل شائعة بسبب انعدام السيارات، التي تعرضت إلى النهب، وشح الوقود إذا توفرت مركبات محدودة العدد.

تقول الشرطة إن قوات الدعم السريع نهبت نحو 150 ألف سيارة حتى نهاية العام الماضي، لكن الإحصائيات تشير إلى أن الرقم تضاعف ثلاث مرات 

تشير الإحصائيات حتى نهاية العام، إلى أن الشرطة تلقت بلاغات بنهب (150) ألف سيارة، أغلبها في العاصمة الخرطوم خلال الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع. أغلب من قيدوا البلاغات قالوا إن جنود يتبعون لحميدتي هم من أجبروا ملاك السيارات على الترجل منها، إما في الطرق البرية أو داخل الأحياء أو المنازل.

لجأ السكان إلى "مقطورة الدواب" أو "الكارو" كما يسميه السودانيون، خاصة سكان القرى، من يقيمون وسط المشاريع الزراعية، كونها من الحلول السهلة التي لا تتطلب توفير الوقود أو الطاقة الكهربائية، يكفي أن يكون الإطاران المطاطيان بحالة جيدة وملأى بالهواء.

يشمل عمل "المقطورة" الأسواق الشعبية لنقل السلع من الشاحنات إلى المستودعات، أو إلى المتاجر الصغيرة. على الأغلب، يمتهن عامل قيادتها من خلال وضع "اللجام" على  "الحمار" أو "الحصان". الأخير أعلى سعرًا لأنه يعمل في الطرق الوعرة، ولديه قدرة التحمل لساعات طويلة.

يقول مصعب محمد الهادئ الناشط في رصد انتهاكات ولاية الجزيرة  لـ"الترا سودان"، إن المقطورة أو الكارو ساعدت النساء والأطفال والمسنين والمرضى على تحمل رحلات النزوح، وإن كان يسير بشكل بطيء، في نهاية المطاف يصل إلى وجهته بأمان.

ويرى الهادئ أن قوات الدعم السريع، عندما تهاجم قرى ولاية الجزيرة يضطر السكان الى البحث عن هذه المقطورات البدائية، لأنها غير مستهدفة بالنهب من عناصر قوات حميدتي، فهي بطيئة وغير فعالة.

وتابع: "في بعض القرى منع السكان من استخدام الكارو بواسطة هذه القوات لغرض الانتقام فقط، وفي بعض الأحيان أطلقوا الرصاص على الدواب حتى يفقد النازحون وسيلة النقل التي بحوزتهم".

جرى استخدام المقطورة في بعض مناطق الجزيرة كوسيلة عمل مقابل الأجر المالي، وقال نازحون من قرى جنوب الجزيرة مثل قرية فارس إنهم غادروا منازلهم بدفع مئات الآلاف من الجنيهات لعمال وسائل النقل البدائية "الكارو"، لأنها كانت الخيار المتاح أمامهم للهرب من بطش قوات حميدتي.

وتوفيت ثلاث نساء على الأقل أثناء رحلات النزوح من شرق الجزيرة إلى محليات الفاو وحلفا الجديدة وكسلا، فارقن الحياة في طرق ترابية شبه صحراوية لانعدام الرعاية الصحية والغذاء المناسب، وهن في حالة على وشك المخاض.

أطلق عاملون في المجال الإنساني نداءات للمنظمات ووزارة الصحة الاتحادية لنشر سيارات الإسعاف على طرق النزوح، لإنقاذ المرضى والمسنين والأطفال والنساء الحوامل.

يقول ياسر فتح العليم الذي تابع حركة النزوح بين شرق الجزيرة، مرورًا بمنطقة البطانة، إن الأوضاع الإنسانية حرجة. فقد دفعت هجمات الدعم السريع عشرات الآلاف من المدنيين على النزوح. حتى القرى الآمنة والتي لم تصلها هذه القوات فضلت المغادرة بدلًا من انتظار دورها في الانتهاكات المروعة التي أرتكبت بحق المواطنين، واستباحة مناطق بأكملها، ودفع سكان قرى كاملة إلى النزوح بقوة السلاح.

وتابع: "أخبر بعض جنود حميدتي المواطنين في قرى مثل السريحة والعزيبة، لا تحرصوا على إغلاق أبواب منازلكم، لن تجدوا القرية عندما تعودون يومًا ما، لقد شعر الرجال بالصدمة من المآسي التي شاهدها الأطفال والنساء".

يقلل عبد العليم من الإحصائيات التي أصدرتها الأمم المتحدة بنزوح 45 ألف شخص من مناطق شرق الجزيرة نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2024، على خلفية الهجمات الانتقامية لانشقاق قائدها أبو عاقلة كيكل وانضمامه للجيش. ويقول إن الإحصائيات لا تقل عن 180 ألف شخص، لأن الحملات الانتقالية شملت 45 قرية وست مدن كاملة مأهولة بعشرات الآلاف من النازحين.

انقلبت الأوضاع رأسًا على عقب في الجزيرة، خاصة الجزء الشرقي عقب إعلان قائد الدعم السريع في الولاية أبوعاقلة كيكل الانحياز إلى القوات المسلحة. ونقل مجموعة صغيرة من المقاتلين للقتال إلى جانب الجيش، منذ 20 تشرين الأول/أكتوبر 2024.

تطورت الأحداث شرق الجزيرة، وسيطر الجيش على مدينة تمبول إحدى المدن الرئيسية، مستغلًا انتشار قوات منحازة إلى كيكل. سرعان ما ردت قوات الدعم السريع بهجوم مباغت واستعادت المدينة، وخسر الجيش قائده العسكري برتبة عميد وهو من أبناء منطقة البطانة.

وتعارض بعض الأصوات على الرغم من مناصرتها القوات المسلحة، خطوة انحياز كيكل، وذلك بناءً على ردود الأفعال التي صدرت من قوات حميدتي بالحملات الانتقامية، فهذه الأصوات ترى أن الحفاظ على حياة آلاف المدنيين أفضل من الذهاب نحو صفقة مع شخص قد يكون مطلوبًا للعدالة في المستقبل.

أفاد عضو في مؤتمر الجزيرة "الترا سودان" أن الهجمات الانتقامية لقوات الدعم السريع شملت حرق المحاصيل الزراعية في منازل المواطنين والحقول

ويعتقد عبد العليم أن وكالات الأمم المتحدة، غير قادرة على التعامل مع الآثار الناتجة عن انتهاكات الدعم السريع شرق ولاية الجزيرة، وحتى المحليات تواجه حركة نزوح فوق طاقتها القصوى، بالتالي الحل في إنشاء مخيمات تتبع للأمم المتحدة لحماية المدنيين من بطش قوات الدعم السريع، والتي قد تلاحق الفارين في قرى البطانة.

وقال مؤتمر الجزيرة وهو مرصد لمراقبة الانتهاكات في الولاية، إن هجوم الدعم السريع على شرق الجزيرة أسفر عن مقتل (300) شخص في مدينة تمبول، وقتل حوالي (130) شخصًا في قرية السريحة وتشريد السكان من عشرات القرى.

أفاد عضو في مؤتمر الجزيرة "الترا سودان" أن الهجمات الانتقامية لقوات الدعم السريع شملت حرق المحاصيل الزراعية في منازل المواطنين والحقول، وتدمير ألواح الطاقة الشمسية التي تعتمد عليها مضخات المياه في القرى، نتيجة انقطاع الكهرباء بسبب العمليات العسكرية، "لقد أرادوا إنهاء الحياة بالكامل في تلك القرى، حتى لا يفكر سكانها للعودة مرة أخرى" يضيف العضو.