04-أكتوبر-2019

لجان المقاومة والتغيير من العلامات الفارقة في الثورة السودانية (TheGlobepost)

برزت لجان المقاومة والتغيير- تعرف أيضاً بلجان الأحياء- كعلامة فارقة في مسار مجابهة السودانيين للنظام الإسلاموي البائد، فكانت بمثابة محور الارتكاز في نجاح ثورة كانون/أول ديسمبر 2018، التي اقتلعت نظام الدكتاتور عمر البشير الذي استمر في حكم السودان على مدار ثلاثة عقود. ويراهن العديد من الفاعلين السياسين في أن تلعب لجان المقاومة دوراً مفصلياً في تعزيز عملية الانتقال الديمقراطي التي تنخرط فيها البلاد عقب توقيع الاتفاق السياسي بين المجلس العسكري السابق وتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير.

برزت لجان المقاومة والتغيير– تعرف أيضاً بلجان الأحياء - كعلامة فارقة في مسار مجابهة السودانيين للنظام الإسلاموي البائد

منذ بداية حراك كانون أول/ديسمبر شارك عبد السلام منداس مع رفاقه في حي "أمبدة الجميعاب" بمدينة أمبدة غربي أمدرمان، في إنشاء تكوينات تمكنهم من تنسيق تسيير المواكب والمظاهرات الليلية، فكونوا "تجمع ثوار أمبدة" الذي يضم مجموعة من شباب وشابات أحياء مدينة أمبدة، ونظموا العديد من المسيرات والمواكب والتظاهرات الليلية حتى سقوط المخلوع.

اقرأ/ي أيضًا: السودان...الاتفاق السياسي وعودة خطاب الهامش

بعدها شرعوا في تكوين لجان الأحياء في المدينة، وعبرها تشكلت "تنسيقية لجان أمبدة" وأقامت اللجنة عدد من الندوات والفعاليات أبرزها ندوة بعنوان (مدنية بس) في ساحة الاعتصام بالقيادة العامة للقوات المسلحة، وندوة (الثورة إلى أين؟) بميدان المولد بأمدرمان، بجانب إقامة فعالية تأبين شهداء الثورة، والاحتفال بيوم السلام العالمي وإقامة ندوة بعنوان (السلام: خيار اجتماعي أم موقف سياسي؟) فضلاً عن مشاركة اللجنة في إطلاق مبادرة تأهيل مستشفى أمدرمان التعليمي، والمشاركة في حملة (حنبنيهو) لنظافة وتأهيل مستشفى أمبدة النموذجي، وصيانة ونظافة المدارس والطرق والمرافق العامة. 

لا تختلف قصة لجنة المقاومة بأمبدة الجميعاب كثيراً عن نظيراتها من أحياء مدن العاصمة المثلثة، ومدن الأقاليم الأخرى، بل حتى القرى والأرياف انتظمت في حراك تكوين لجان المقاومة، وانخرطت في التشبيك مع بعضها البعض.

كانت بداية تشكل لجان المقاومة بالاحتجاجات المحلية في الأحياء والقيام بمهام بمطالبات بسيطة مثل مطالب خدمات الكهرباء والمياه، ومثلت هبة سبتمبر 2013، التي لم يتورع النظام البائد عن قمعها بأشد الوسائل مخلفاً عددا كبيراً من الشهداء، مثلت نقطة تحول نوعية في مسار لجان المقاومة حيث "اكتشفت تلك اللجان فعالية التشبيك والاجتماعات المشتركة فيما بينها".

 كشفت تلك التشبيكات واللقاءات والمداولات التي تجري فيها عن حالة التضامن القوي بين اللجان ووحدة المصير إلى جانب تشابه المشكلات بين كل المناطق في البلاد، وأكسبها العمل المشترك قدرات جديدة وزخمًا نقلها من مجرد التأثير في الحي إلى التأثير في وطن كامل" بحسب ما يرى الناشط السياسي والمهتم بحركات المقاومة السلمية مجاهد ابراهيم الذي يقول: "راكمت المداولات المشتركة بين لجان المقاومة، يوماً بعد يوم، من القدرات والخبرات والمهارات الإدارية لديها، مما مكن من إقامة فعاليات وتظاهرات كبيرة، وتوج ذلك بإسقاط نظام البشير وعصبته بعد مواجهة عسكرية أمنية استمرت قرابة الستة أشهر، سطرت يومياتها على منصات التواصل الاجتماعي تحت الوسم #مدن_السودان_تنتفض". ويخلص إبراهيم إلى أن "لجان المقاومة في جوهرها هي طريقة المجتمع السوداني لفرض إرادته ومشاركته في العملية السياسية، فهي رفض لكل ما هو قائم من نظم وهياكل سياسية وحزبية."

وفي ذات الاتجاه يمضي الناشط السياسي وعضو حركة (قرفنا) عز الدين حريكة، الذي يرى أن "لجان المقاومة هي محاولة لكسر احتكارية التكوينات السياسية النخبوية التقليدية، من الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، للعمل العام، خاصة في المجالات المتعلقة بممارسة السلطة واتخاذ القرارات وصناعة السياسات العامة أو التأثير فيها".

ويعتبر حريكة أن أهم ما يميز لجان المقاومة هو توفرها على صيغة قاعدية ذات جاذبية في إشراك وتنظيم الأفراد على المستوى الجغرافي مع ضمان استقلاليتها، ويشير حريكة إلى أن هنالك قيمة إيجابية تضيفها اللجان لتعزيز فرص الانتقال الديمقراطي، ويرجع ذلك إلى أن فكرة لجان المقاومة تضمن فعالية المجتمع الداعم للانتقال من مستواه القاعدي، من خلال ترسيخ أسس الممارسة الديمقراطية بين الأفراد ولا سيما في ناحية السلوك والقيم، منوهاً إلى أن غياب المجتمع الداعمة للديمقراطية أحد مسببات عدم قِصر فترات الحكم التعددي في السودان وضياع فرص الانتقال الديمقراطي.

اقرأ/ي أيضًا: الولايات السودانية.. سقط النظام وبقيت أزماته

ويرى عز الدين حريكة أن مهام لجان المقاومة حتى ذات الطابع الخدمي منها، تؤدي على المدى البعيد إلى تقوية التكوينات المجتمعية القاعدية وزيادة قدرتها على التأثير على المجتمع والسلطة السياسية، بيد أنه يشير إلى بعض التحديات المرتبطة بطبيعة البيئة السياسية والفاعلين فيها، والتي يمكنها أن تضعف استقلالية اللجان، ويدعو عز الدين إلى تقوية عناصر اللجان وتزويدهم بالمعارف والمهارات التي تمكنهم من مواجهة التحديات.

مهام لجان المقاومة حتى ذات الطابع الخدمي منها، تؤدي على المدى البعيد إلى تقوية التكوينات المجتمعية القاعدية وزيادة قدرتها على التأثير على المجتمع والسلطة السياسية

في ذات السياق يعتبر عبد السلام منداس عضو لجنة المقاومة بأمبدة الجميعاب أن ضمان استقلالية اللجان يتطلب فك الارتباط مع حلفائها في مرحلة الثورة، "قوى إعلان الحرية والتغيير، وتجمع المهنيين السودانيين" ويدعو منداس إلى صياغة ميثاق من شأنه أن يمنع الأحزاب السياسية من التغول على لجان المقاومة.

وبحسب منداس فإن هنالك بالفعل محاولات سعت إلى اختراق لجان المقاومة، بغرض تحجيم دورها في الخدمات، أو تحويلها لقنوات عمل تروج لبرامج حزبية بعينها، فضلاً عن محاولات أخرى لتكوين لجان موازية، ولكنها باءت بالفشل، ويضيف: "ما زالت اللجان تعمل على توعية المواطنين، ورصد عناصر النظام البائد ومجابهة مشاريع التمكين والثورة المضادة، والمرحلة المقبلة تتطلب استقلالية لجان المقاومة حتى تتسنى لها ممارسة دورها في حماية مكتسبات الثورة ومراقبة أداء الحكومة الانتقالية."

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

المجال العام للحراك السياسي في السودان.. مُقاربة نَقدِية

جداريات الثورة السودانية.. الخرطوم تحتفي بشهدائها