تفاجأت الأوساط السودانية أمس الإثنين باللقاء الذي جمع رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول، عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مدينة عنتيبي الأوغندية. زيارة البرهان غير المعلنة لأوغندا جاءت بدعوة من الرئيس الأوغندي يوري موسيفني، ليتم اللقاء بين البرهان ونتنياهو، والذي وصفه الأخير بأنه أثمر عن اتفاق البلدين على بدء التعاون بما يقود لتطبيع العلاقات الثنائية. فيما كشف مصدر عسكري سوداني لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، عن دور أساسي للإمارات في تنسيق اللقاء، وعلم مسبق من القاهرة والرياض.
التزم مجلس السيادة ورئيسه البرهان الصمت حيال الواقعة ولم يصدر أي تعليق رسمي على الحدث، على غير عادة المجلس الذي كان نشطًا إعلاميًا في إبراز ما يقوم به أعضاؤه
مجلس السيادة.. صمت القبور
على عكس نتنياهو الذي أعلن مكتبه عن اللقاء فور حدوثه وغرد هو على حسابه الرسمي بتويتر عن مجرياته، التزم مجلس السيادة ورئيسه البرهان الصمت حيال الواقعة ولم يصدر أي تعليق رسمي على الحدث، على غير عادة المجلس الذي كان نشطًا إعلاميًا في إبراز ما يقوم به أعضاؤه، وقد درج محمد الفكي، عضو مجلس السيادة من الشق المدني والناطق الرسمي باسم المجلس، على إصدار نشرات على مدار اليوم عن أنشطة المجلس.
اقرأ/ي أيضًا: اتّفقا على التعاون وتطبيع العلاقات.. البرهان يلتقي نتنياهو بأوغندا
موقف حكومة "حمدوك"
حتى لحظة انتشار خبر اللقاء والتداول الواسع والنقاش الذي حظي به، لم تكن حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك قد أصدرت تعليقًا عليه، إلا في وقت متأخر من يوم أمس الاثنين، حيث قال الناطق الرسمي باسم الحكومة ووزير الثقافة والإعلام فيصل محمد صالح، في تصريح صحفي مقتضب إنهم في الحكومة تلقوا خبر لقاء البرهان بنتنياهو من وسائل الإعلام، وأضاف: "لم يتم إخطارنا أو التشاور معنا في مجلس الوزراء بشأن هذا اللقاء، وسننتظر التوضيحات بعد عودة السيد رئيس مجلس السيادة". بينما لم تصدر الحكومة موقفًا من اللقاء واكتفت بأنها تنتظر توضيحات المجلس. ولم تستبعد مصادر مقربة من الحكومة أن يكون "حمدوك" على علم مسبق باللقاء.
تسويق صفقة القرن
يأتي لقاء البرهان بنتنياهو في إطار تسويق لصفقة القرن التي تؤيدها وتدعمها كل من الإمارات والسعودية والبحرين ومصر، بينما رفضت الصفقة جميع القيادات الفلسطينية وحكومات عربية، حيث تضمنت أن تستحوذ دولة الاحتلال على جزء واسع من الأراضي الفلسطينية الحالية والبالغ مساحتها حوالي (22%) فقط من مساحة فلسطين، على أن تكون القدس عاصمة أبدية لإسرائيل ويمنح الفلسطينيون حق إقامة عاصمة رمزية لهم خارج القدس. وتشمل الصفقة التي قال عنها مراقبون، إنها تمنح دولة الاحتلال ما لم تكن تحلم به، حرمان اللاجئين الفلسطينيين من حق العودة وتوطينهم في بلدان إسلامية وعدم تعويضهم عما فقدوه تاريخيًا وما سيفقدونه جراء الصفقة، على أن تعوض البلدان العربية والإسلامية كل يهودي غادر أراضيها بعد قيام دولة الاحتلال، علاوة على تعويض دولة إسرائيل على "استيعابها" لهم.
وتمول صفقة القرن بواسطة كل من الإمارات والسعودية بمليارات الدولارات تذهب لكل من إسرائيل ومصر والأردن وما تبقى من أرض فلسطين التي ستضمها الصفقة لدولة الاحتلال. بينما لن تدفع إسرائيل والولايات المتحدة أي مساهمة في تمويل الصفقة.
وذكرت صحيفة واشنطن بوست نقلًا عن مصدرٍ عسكريٍ سوداني رفيع أن اللقاء بين البرهان ونتنياهو تم بتنسيق إماراتي سعودي مصري، في مقابل عمل هذه الدول الثلاث على رفع العقوبات الأمريكية عن السودان.
مساومة أم ابتزاز؟
يتضح من خلال ردود الفعل الضعيفة للشق التنفيذي في الحكومة السودانية، أن المساومة جرت بين الولايات المتحدة وإسرائيل والمحور العربي الداعم للتطبيع وبين حكومة السودان التي لم تستقر بعد في مقاعدها، وما تزال تواجه بأزمات اقتصادية وعدم استقرار أمني إلى جانب خطر قادة الجيش والدعم السريع المقربين من الإمارات والسعودية على الفترة الانتقالية، حيث من المرجح أن تكون حكومة السودان بشقيها المدني والعسكري قد استجابت لضغوط محور التطبيع.
وربطت مصادر بوزارة الطاقة السودانية أزمة الوقود الحالية بالضغوط التي تمارسها هذه القوى على حكومة السودان ليتم هذا اللقاء وتبدأ بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، خصوصًا مع حالة الرفض الأوروبي لصفقة القرن.
تبييض صورة العسكر
يعاني الشق العسكري في الحكومة الانتقالية السودانية منذ مجزرة فض الاعتصام في 3 حزيران/يونيو 2019، حالةً من العزلة والرفض والنفور داخليًا من قبل السودانيين ودوليًا من قبل معظم الدول الغربية، ولم يتمكن البرهان من زيارة أي دولة غربية سوى روسيا إلى جانب دول الإقليم الإمارات والسعودية ومصر الداعمين لصفقة القرن.
وتأتي فرصة دعوة البرهان لزيارة واشنطن في مقابل لقائه بنتنياهو الذي جرى بالأمس، بمثابة طوق النجاة للقادة العسكريين السودانيين، المواجهين بتهم جرائم الحرب في دارفور وقتل المتظاهرين وفض اعتصام القيادة العامة، كما أنها فرصة لكل من الإمارات والسعودية ومصر لتقديم حلفائها من العسكر السودانيين إلى العالم وتبييض صورهم.
تشويه متعمد للثورات
ظلت معظم الحكومات السودانية المتعاقبة تخفي رغبتها في القيام بتطبيع علاقات السودان مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، حتى أن الديكتاتور الأسبق جعفر النميري أخفى تفاصيل لقائه مع أرئيل شارون، حينما ناقشا في الثمانينات خطة ترحيل يهود الفلاشا من إثيوبيا لإسرائيل عبر الأراضي السودانية، بينما أنكر حزب الأمة أن يكون زعيمه التاريخي عبد الرحمن المهدي، هو من زار إسرائيل سرًا لطلب دعمها، ورجح الحزب في معرض دفاعه بأن يكون الشخص الذي زار دولة الاحتلال هو أحد قادة الحزب دون تكليف رسمي.
بينما بدت الحكومة التي جاءت بها ثورة كانون الأول/ديسمبر، وحدها من امتلكت جرأة لقاء رئيس وزراء دولة الاحتلال علنًا، في مشهد بدا فيه أن محور الثورة المضادة قد وجد مثالًا وفرصة للإساءة للثورات، من خلال الضغط على السودان، لتكون حكومته أول من يطبع علنًا مع تل أبيب، من بين الدول التي شهدت موجات تغيير وانتقال ديمقراطي عربيًا.
تركة النظام البائد
استخدم النظام البائد القضية الفلسطينية طيلة فترة حكمه للسودان بشكل أفقدها مناصريها لحد كبير، فمعظم من فقد تضامنه من السودانيين مع القضية الفلسطينية والمؤيدون للتطبيع مع دولة إسرائيل، يحاولون تبرير موقفهم بالمقولات التي يروجها محور "الاعتدال العربي"، عن أن الفلسطينيين أنفسهم لديهم علاقات مع إسرائيل، وأن العلاقات معها ستفيد السودان وما إلى ذلك، في تعزيز لحقيقة أنهم يؤيدون التطبيع نكاية في النظام البائد الذي كان يستغل القضية الفلسطينية ليكتسب ميزة على حساب معارضيه.
إلا أن المفارقة في المسألة تكمن في أن معظم قطاعات الشعب السوداني التي ثارت ضد النظام البائد وأسقطته، كانت تعلم أنه يستغل القضية الفلسطينية لدعم شرعيته فقط، وأنه ليس لديه موقفٍ مبدئي ضد الاحتلال، وذهب النظام البائد أبعد من ذلك حينما أعلن في أواخر سنواته بالحكم على لسان وزير خارجيته الأسبق إبراهيم غندور، عن أنه لا يمانع إقامة علاقات مع إسرائيل، بينما ردت إسرائيل بأنها غير مهتمة بإقامة علاقات مع السودان.
اقرأ/ي أيضًا:
مبادرة "الحارسات" تنظم وقفة احتجاجية وتطالب بإقالة مدير عام ديوان الضرائب
"علي عثمان" ينكر حديثه بشأن كتائب الظل والنيابة تقول أنها تملك أدلة موثقة