بعد مرور (60) عامًا في مجال الصحافة، رحل في العاصمة المصرية القاهرة، رئيس تحرير صحيفة الأيام السودانية، والخبير الإعلامي محجوب محمد صالح ، الثلاثاء 13 شباط/فبراير 2024، عقب علة مرضية لم تمهله طويلًا. وربما قرر الصحفي السوداني محجوب محمد صالح الرحيل في وقت يكاد السودانيون يتنفسون تحت دوي المدافع، في حرب تذهب ببلادهم نحو المجهول، فيما تبارى الصحفيون وبعض الذين تعلموا فنون الصحافة ومهنيتها على يديه بالقول إن صالح ترجل وكأنه اختار أن لا يعيش خلال هذه الحقبة التي لم يكن يتمناها لبلده طيلة حياته.
ربما ترجل صالح عن الحياة وكأنه اختار عدم البقاء خلال هذه الحقبة التي لم يكن يتمناها يومًا لبلده
من هو محجوب محمد صالح؟
محجوب محمد صالح هو رئيس تحرير صحيفة الأيام الورقية، والتي توقفت قسريًا تحت ضربات جهاز الأمن والملاحقات الأمنية والأزمة الاقتصادية قبل سبع سنوات. وتخرج في هذه الصحافة مئات الصحفيين السودانيين الذين يعدونها بيت الصحافة السودانية الكبير، والمدرسة التي ألهمت العديد من المشاريع الصحفية والكتاب المميزين في تاريخ السودان ما بعد الاستقلال.
ويعد محجوب محمد صالح من الرعيل الأول للصحفيين السودانيين الذين تبنوا قضايا الديمقراطية والحكم الراشد في السودان، وظل يرفد الصحافة السودانية منذ ما قبل الاستقلال، بمقالاته عن الأوضاع في البلاد بصورة راتبة حتى خلال الحرب التي غادر البلاد خلالها مضطرًا، ولم يتراجع قلمه عن المضي في مسار النصح للتوجه نحو طريق السلام المستدام، مناشدًا بذلك جميع السودانيين بمختلف الانتماءات.
ولد محججوب محمد صالح في 12 نيسان/أبريل من العام 1928م. مدينة الخرطوم بحري بالعاصمة السودانية المثلثة هي مسقط رأسه، وتلقى فيها مراحل تعليمه الأولية والمتوسطة، ثم التحق في العام 1947م بكلية الخرطوم الجامعية، وكان يشغل منصب سكرتير اتحاد الطلاب وقتها، ما يشف عن نشاط سياسي وقيادي وفكري منذ نعومة أظافره.
تزوج عميد الصحافة السودانية محجوب محمد صالح من السيدة فوزية حسن عبدالماجد، وله من الأبناء عادل ونادر وياسر ووائل وسامر، ومن البنات سوسن.
عميد الصحافة السودانية
بدأ محجوب محمد صالح "المشاغبة" -بحسب تعبيره- وهو ما يزال طالبًا في المرحلة المتوسطة في العام 1940، حيث كتب المقالات عن الأوضاع الدراسية وما وصفها بـ"المجاملة" في القبول بالمدرسة الأولية، مناديًا لوضع امتحان واحد يحدد القبول والاختيار للمرحلة.
وكعادته في الصدام مع السلطة، كان هذا المقال سببًا في شكوى المعلمين ضد محجوب محمد صالح لإدارة المدرسة، وأمر ناظر المدرسة بضرب محجوب الصغير وقتها (40) جلدة. يقول محجوب محمد صالح إنها خفضت إلى (10) بعد تدخل الأجاويد والواسطات، ونفذت العشرة جلدات على الأستاذ في طابور عام أمام زملائه التلاميذ، وكانت تلك بدايته مع الصحافة مهنة المتاعب التي صبغت بقية حياته.
أسس محجوب محمد صالح صحيفة الأيام في العام 1953 رفقة زميليه محجوب عثمان وبشير محمد سعيد، وكانت العاصمة الخرطوم في تلك الفترة تستعد للمضي نحو استقلال السودان الذي تحقق في العام 1956. انتظم محجوب إلى جانب رئاسته تحرير صحيفة الأيام ذات التوجه الديمقراطي في كتابة المقال الراتب بعنوان "أصوات وأصداء"، متناولًا خلاله الوضع السياسي في السودان.
ركز صالح اهتمامه في عمله الصحفي على قضايا التحول الديمقراطي والحكم المدني في السودان، ورفد الصحافة السودانية بالعديد من الإصدارات التي حملت اسمه، وتوهج خلال ثمانينات القرن الماضي في سماء الصحافة السودانية. ترأس محجوب محمد صالح مركز الأيام للدراسات الثقافية والتنمية، كما نشط في العمل والتشبيك مع زملائه الصحفيين والكتاب العرب والأفارقة، وتوج الأمر بأن يكون من الأعضاء المؤسسين لاتحاد الصحفيين العرب، واتحاد الصحفيين الأفارقة، ضمن العديد من الألقاب والأعمال التي جمعها خلال حياته ليطلق عليه عن جدارة، لقب "عميد الصحافة السودانية".
فترة حكم الإنقاذ
حينما تولى العميد عمر البشير السلطة عبر انقلاب عسكري في 30 حزيران/يونيو 1989، وأطاح بحكومة الصادق المهدي المدنية، وضاقت الصحافة الورقية ذرعًا بالرقابة الأمنية والاستدعاءات المتكررة للصحفيين، كان صالح أحد أبرز الذين تعرضوا إلى الملاحقات والمضايقات لسنوات طويلة.
أطلقت مجموعة دال في السودان قبل أربع سنوات جائزة تحمل اسم "محجوب محمد صالح" في مجال الكتابة الصحفية، والتي تشمل المقالات والتحقيقات وغيرها من الأعمال الصحفية، وتصل قيمة الجائزة المالية إلى سبعة آلاف دولار.
المؤلفات
نشط الأستاذ محجوب محمد صالح في تأليف الكتب التي تناولت تاريخ الصحافة السودانية والسياسة، فكتب "تاريخ الصحافة السودانية في نصف قرن"، وانشغل محجوب محمد صالح بقضية الجنوب في سودان ما قبل الانفصال، فخرج بكتابه "أضواء على قضية الجنوب"، وانشغل عميد الصحافة السودانية محجوب محمد صالح بمسألة الديمقراطية في السودان طيلة حياته، وكتب عن "مستقبل الديمقراطية في السودان"، و"دراسات حول الدستور".
الجوائز