وصف محللون سياسيون، قرار رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، برفع حالة الطوارئ في أنحاء البلاد، أنه بمثابة اعتراف بهزيمة الانقلاب وانتصار لقوى الثورة. في وقتٍ "ضلت فيه القوى العسكرية الطريق وباتت تبحث عن مخرج آمن".
وفي اجتماعه أمس أصدر مجلس الأمن والدفاع السوداني، توصية برفع حالة الطوارئ وإطلاق سراح جميع المعتقلين والسماح لقناة الجزيرة مباشر بمزاولة عملها، بعد مرور ما يقارب ثمانية أشهر من إعلان حالة الطوارئ وحل الحكومة في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي.
هزيمة ونهاية
ويعتبر الإعلامي والمحلل السياسي ماهر أبوالجوخ، في قرار رفع حالة الطوارئ، اعترافًا بهزيمة الانقلاب العسكري ونهايته كمضمون وفكرة وإجراءات، لجهة استناد الانقلاب في إجراءاته على إعلان حالة الطوارئ التي مُنح بموجبها قائد الجيش سُلطات استثنائية.
أبوالجوخ: الانقلاب انتهى كمضمون وفكرة وإجراءات
وقال أبوالجوخ في حديث لـ"الترا سودان"، إن تزامن القرار مع لقاء أطراف من المكون العسكري، أمس الأول، بالآلية الثلاثية، يمثل تراجعًا للقوى العسكرية عن سيناريو فرض الانقلاب بالقوة. وزاد: "يبدو أن حبل المناورات بالمراهنة على إبعاد البعثة الأممية وتقويض إجراءات الحوار، أصبح خيارًا غير موجود".
ويشير المحلل السياسي، إلى الأبعاد القانونية والسياسية المترتبة على الخطوة، مشيرًا إلى أن الوضع القانوني الذي تأسس عليه الانقلاب -حالة الطوارئ- سينتفي. وذلك يعني أن الإجراءات ذات الطابع القانوني التي اتخذها الانقلاب، ستصبح "موضع طعن وتنازع قانوني ودستوري".
ويلفت ماهر، إلى أن السلطات الواسعة التي منحت لقائد الانقلاب والقوات النظامية ستتراجع وتتقلص. مُشددًا على أن رفع الطوارئ يعني أن تمارس هذه المؤسسات إجراءاتها وعملها بدون أي حصانات أو استثناءات.
وحول تأثيرات إنهاء حالة الطوارئ على الحراك الجماهيري في السودان، يرى أبوالجوخ أن إجراءات التعامل مع الحركة الجماهيرية المقاومة كانت تستند بشكل أساسي على قانون الطوارئ، الذي أباح الاعتقال السياسي وتقييد حرية الإعلام واعتبر في المواكب السلمية الرافضة للانقلاب؛ عملًا مخالفًا للقانون.
وأردف: "برفع الطوارئ سيصبح من حق الناس الخروج للشوارع والتعبير عن آرائهم وإقامة الفعاليات دون إذن، أو أن يتخذ ضدهم أي اجراء. وبالتالي فإن حجة القوات الأمنية للتعامل مع الحركة الجماهيرية ستصبح تجاوزها لحدود التعبير السلمي وليس مخالفتها لقانون الطوارئ".
ولفت المحلل السياسي في ختام حديثه، إلى الأزمات الداخلية المرتبطة بالحركة الجماهيرية، مؤكدًا على أن الخلاف بين القوى المناهضة لانقلاب تشرين الأول/ أكتوبر يمثل أبرز معيق للحركة الجماهيرية من المضي في أهدافها، وشدد في الوقت ذاته على أن التحدي الرئيس هو استكمال الانتقال الديمقراطي وبناء الدولة المدنية التي تحقق أحلام الشهداء ورؤيتهم لوطن حُر وديموقراطي.
بحث عن مخرج
لكن الكاتب الصحفي والمحلل السياسي وائل محجوب، يرى أن قرار البرهان برفع حالة الطوارئ يمثل تحولًا في موقف العسكر، مشيرًا إلى تداول أنباء حول ترتيبات وتخطيط يجري تحت الطاولة لعقد مؤتمر مائدة مستديرة تفضي إلى تسوية سياسية.
ويؤكد محجوب، أن قرارات رئيس مجلس السيادة وتوصية مجلس الأمن والدفاع برفع حالة الطوارئ لا يمكن قراءتها بمعزل عما يجري تحت الطاولة، مُستدلًا بتحركات الآلية الثلاثية بقيادة فولكر بيرتس وولد لبات، ولقاءاتهم مؤخرًا مع قيادة المكون العسكري، والتصريحات التي تبعتها والتي ترمي -حسب وصفه- إلى تأييد ودعم الآلية ومسار التفاوض.
ويتابع وائل في حديثه لـ"الترا سودان": جاءت هذه الخطوة في سياق ضغط مستمر من الحركة الجماهيرية والمجتمع الدولي في ذات الوقت. بينما يعكس ترحيب المكون العسكري مؤخرًا بالحوار، عن اتجاه للتسوية وبحث عن مخرج آمن.
وزاد بالقول: "القرار الذي صدر اليوم يشير إلى أن مشروع "فولكر" للتسوية السياسية يمضي بينما يوحي المكون العسكري عبر هذه الخطوة، برغبته في التفاهم. والسؤال يبقى ما هي أجندة ذلك التفاوض؟ ومن هي أطرافه؟" مشيًرا إلى ضرورة النظر إلى طيف واسع من القوى الثورية التي ترفض تصور التسوية، بينما تقف قوى أخرى في الاتجاه الآخر.
وائل محجوب: الحراك الجماهيري ماضٍ في تصاعد
وحول مآلات رفع الطوارئ على الحراك الجماهيري، يتوقع المحلل السياسي وائل محجوب تصاعد الحراك الجماهيري بالعاصمة والولايات بالتزامن مع ذكرى مجزرة فض اعتصام القيادة العامة. وختم بالقول: "إن الحراك الجماهيري ماضٍ في تصاعد".
ويواجه السودان، منذ إعلان القائد العام للجيش عبدالفتاح البرهان حالة الطوارئ وحل الحكومة وتعطيل بعض بنود الدستور في 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ظروفًا سياسية صعبة نتاج توسع الخلاف بين المكونين المدني والعسكري، وتصاعد الحراك الجماهيري الرافض للانقلاب على السلطة الدستورية ومصادرة الحُريات العامة. في وقت يتعرض فيه مئات المدنيين في السودان لانتهاكات جسيمة يوميًا بينما قُتل العشرات، في محاولة لقوات الأمن إخماد نيران الرفض الشعبي.