مضت قوى إعلان الحرية والتغيير (المجلس المركزي) في التوقيع على الاتفاق السياسي الإطاري مع المكون العسكري، الأسبوع الماضي. وقالت إن الاتفاق يؤسّس لخروج الجيش من السياسية ويمهد لتشكيل حكومة مدنية بمشاركة قوى الحرية والتغيير والمكونات الثورية الأخرى في السودان لإدارة فترة انتقالية تستمر لعامين وصولًا إلى الانتخابات. في وقت قاطعت فيه تنظيمات ثورية أخرى هذا الاتفاق، وتمسكت بموقفها الرافض لأي تفاوض يؤسس لخروج آمن للعسكر من المشهد أو مزيد من المشاركة السياسية فيه.
قد تقود مواقف أصحاب المصلحة في قضايا "الاتفاق الإطاري" المؤجلة للتشاور إلى نسف الاتفاق نفسه أو خروج بعض الأطراف عنه بسبب تهديد امتيازاتها
الحرية والتغيير قالت إنها ستصل إلى الاتفاق النهائي بعد أن تشاور الناس حول خمس قضايا رئيسية تتطلب المزيد من المناقشات، وهي قضايا العدالة والعدالة الانتقالية والإصلاح الأمني والعسكري واتفاق جوبا للسلام وتفكيك نظام الـ30 من يونيو والالتزام بحل أزمة شرق السودان، لكنها لم تُبين للناس الآليات التي ستمضي بها في هذه المشاورات ولا المنهجية التي ستتبعها، ولا ما إن كانت ستدير هذه المشاورات بنفسها أم ستنأى عن الدخول في خانة تضارب المصالح وتتيح المساحة للمجتمع المدني بمنظماته المختلفة لكي يدير هذه العملية.
القضايا التي أحالتها القوى الموقعة عل "الاتفاق الإطاري" إلى مرحلة المشاورات هي قضايا أساسية ومتحكمة في موقف الأطراف المدنية والعسكرية من الاتفاق الجاري، وقد تقود مواقف أصحاب المصلحة في كل منها إلى نسف الاتفاق الإطاري نفسه أو خروج بعض الأطراف عنه بسبب تهديد امتيازاتها. ولذلك من المهم بمكان أن تجد نتائج هذه المشاورات مكانها وسط الاستحقاقات الدستورية والسياسية التي يقرها الاتفاق النهائي. وعلى سبيل المثال الموقف من قضية العدالة الانتقالية ومن اتفاق جوبا للسلام.
من المهم كذلك أن يشعر الناس بجدوى هذه المشاورات وأن يوفر أطراف الاتفاق الإطاري الضمانات اللازمة لأن تكون نتائج هذه المشاورات ملزمة؛ فقد تراكم لدى الناس الشعور بأن المشاورات التي تعقب التوافقات السياسية هي مشاورات إجرائية وأنها تمضي، في كل مرة، مُضي المؤتمر الاقتصادي الذي لزمت توصياته الأدراج المغلقة، بينما مضت الحكومة في اتباع سياسة اقتصادية مختلفة، ليشعر الناس بأن آراءهم ذهبت أدراج الرياح!
الإحساس الذي يتشاركه السودانيون اليوم هو الإقصاء وأن قوى سياسية بعينها باتت المتحكمة في المشهد السياسي، بينما يتعاظم العمل المقاوم كل يوم وتتوسع تنظيماته التي لا يجد رأيها تمثيلًا في المشهد السياسي إن كان مختلفًا عن رأي النادي السياسي القديم، وهو ما اعترفت به قوى الحرية والتغيير ضمنيًا بإعلانها عن الحاجة إلى هذه المرحلة التي تقوم على توسعة قاعدة المشاركة السياسية عبر التشاور في قضايا بعينها مع أصحاب المصلحة. لكن التحدي الأكبر الذي تواجهه اليوم هو كيفية استصحاب نتائج هذه المشاورات في الاتفاق الذي تم توقيعه مسبقًا وإقناع الأطراف المختلفة بضرورة تقديم بعض التنازلات لصالح أصوات مختلفة تتشارك الإحساس بالأحقية في صياغة مستقبل السودان.
لعل أبرز الأسئلة عما إن كانت نتائج هذه التشاورات ملزمة لقوى الحرية والتغيير أم إجرائية ولا مكان لها في جوهر الاتفاق
الأسئلة الأبرز حول هذه المرحلة هي: كيف ستدير قوى الحرية والتغيير التشاورات حول هذه القضايا؟ ومن سيعرف أصحاب المصلحة حولها؟ وما هي المنهجية التي ستتبعها قوى الحرية والتغيير لتوسعة هذه المشاورات؟ وهل ستمضي في إدارة التشاور بنفسها أم أنها ستتراجع خطوة إلى الوراء باعتبارها جزءًا من المشاورات وتتيح الباب لمنظمات مجتمع مدني لتديرها وتصل إلى خلاصات؟ ولعل أبرز الأسئلة عما إن كانت نتائج هذه التشاورات ملزمة لقوى الحرية والتغيير أم إجرائية ولا مكان لها في جوهر الاتفاق ونصوصه التي ستُنفذ؟ لو أرادت أطراف الاتفاق أن تسأل الناس عن آرائهم، فعليها أن تتقبل الإجابات.