05-سبتمبر-2024
مشروع حلفا الجديدة الزراعي

يعد وقود الديزل عنصرًا حاسمًا في إنجاح المشاريع الزراعية، ومع ارتفاع سعر الصرف وتقلص الشحنات الواردة إلى البلاد، يدفع المزارعون الثمن فادحًا في الولايات الواقعة تحت سيطرة الجيش، من بينها محلية حلفا الجديدة الواقعة في ولاية كسلا.

الإهمال الحكومي يدفع مشروع حلفا الجديدة الزراعي إلى الهاوية ويغرق المواطنين في استهلاك السلع المستوردة من دول الجوار

في مشروع حلفا الجديدة، الذي يقع في ولاية كسلا على مساحة تتجاوز 45 ألف فدان، تموت الأراضي الشاسعة وهي في انتظار عمليات زراعية قد تفضي إلى إنتاج وفير للفول السوداني، والقطن، والخضروات، والقمح في العروة الشتوية. وتتبدد أحلام المزارعين مع مرور الوقت، ويتحول الآلاف إلى أشخاص عاطلين عن العمل بفعل ارتفاع تكاليف الزراعة.

مستخدمًا عربة "التوك توك"، وهي شاحنة صغيرة تعمل بالوقود، كان المزارع محمد السر يذهب إلى حقله كل صباح قبل اندلاع الحرب، تاركًا صخب المدينة والأسواق وحتى الحياة الحديثة.

باع هذا المزارع عربته الصغيرة التي استخدمها للأغراض الزراعية، لأن شح الوقود لا يشجع على الاحتفاظ بها، وإن توفر، لا يمكن شراء بضع لترات بآلاف الجنيهات. "في نهاية المطاف ستكون عبارة عن عربة صغيرة تأخذ مساحة في المنزل، فقررت بيعها سريعًا"، يضيف محمد السر.

تصريحات غير واقعية

لم يأخذ المزارعون في مشروع حلفا الجديدة التصريحات الرسمية بشأن الموسم الزراعي على محمل الجد، على الرغم من التصريحات من أعلى الهيئات وصولًا إلى مجلس السيادة الانتقالي، لأن النتائج على الأرض مغايرة، وفق محمد السر.

قبل شهور وعد عضو مجلس السيادة الانتقالي، الفريق إبراهيم جابر، بإنعاش الموسم الزراعي في جميع أنحاء السودان. في ذات الوقت، فإن شحنات الوقود الواردة إلى موانئ بورتسودان تباع بأسعار فلكية، تتراكم عليها الرسوم والضرائب ثم تكاليف النقل والأعباء الإدارية. عندما تصل الشحنات إلى أسواق الاستهلاك، لا أحد يرغب في الحصول على لترات من الوقود، ولا حتى لتشغيل سيارته، ناهيك عن حرث الأرض ووضع البذور عليها.

في مشروع حلفا الجديدة الزراعي، الذي اشتهر بإرسال شحنات الطماطم إلى أسواق العاصمة الخرطوم، لا يمكن لأي شخص شراء كيلوجرام واحد من هذا المنتج بسهولة، إذ يباع الصندوق بـ 120 ألف جنيه.

تفاقم تكلفة الزراعة

يقول المتعاملون في القطاع الزراعي إن المشكلة ليست في شح الوقود فقط، بل في الأسعار التي ضاعفت تكلفة الزراعة بنسبة 1000%. ولا توجد حلول أمامهم سوى هجرة الزراعة.

ارتفع سعر برميل وقود الديزل في السوق الموازي إلى 500 ألف جنيه من 170 ألف جنيه قبل الحرب في أسواق حلفا الجديدة. كما ارتفع سعر سماد "اليوريا" زنة 50 كيلو إلى 55 ألف جنيه. كل هذه العوامل أدت إلى إفشال الموسم الزراعي في مشروع حلفا الجديدة، وفقًا للمزارعين.

عندما فاض إنتاج الطماطم عن الاستهلاك المحلي في محلية حلفا الجديدة قبل عامين، لم يتمكن المزارعون من نقله إلى الأسواق في العاصمة أو بورتسودان أو المدن المجاورة، لأن النقل عادة ما يشكل عقبة أمام المزارعين. هنا يتدخل الوسطاء ويفرضون السعر الذي يفضلونه، ويضطر المزارع إلى بيع الشحنة وتجرع الخسائر لوحده.

على الطريق الرئيسي قبل الوصول إلى السوق الشعبي "محطة الحافلات"، تقع أكبر وأعرق مطاحن للغلال على مستوى إقليم شرق السودان في مدينة حلفا الجديدة. تحولت معداتها إلى أشلاء منذ أن توقفت عن العمل في تسعينات القرن الماضي مع خطط خصخصة القطاع العام وإلحاق الضرر بآلاف المزارعين المنتجين للقمح مقابل استيراده عبر الشركات الخاصة مثل دال وسين.

مهندس زراعي: مشروع حلفا الجديدة من ضمن أهم المشاريع القومية على مستوى البلاد

يقول المهندس الزراعي هيثم عزيز لـ"الترا سودان" إن مشروع حلفا الجديدة من ضمن أهم المشاريع القومية على مستوى البلاد. بعد سيطرة الدعم السريع على ولاية الجزيرة، كان من المهم أن يتم الاعتماد عليه بدلًا من تركه على حافة الموت. ويرى عزيز أن مساحات شاسعة من الأراضي مع شبكة ري انسيابية وأمطار بمعدلات عالية هذا العام، كل هذه العوامل لم تشجع حكومة البرهان على النظر بعين الاعتبار إلى مشروع زراعي عملاق في إقليم شرق السودان.

ويضيف: "كان من المهم أن يكون مقر وزير الزراعة في محلية حلفا الجديدة أو أي مشروع في الإقليم بدلًا من البقاء في بورتسودان ليجتمع بشكل روتيني مع المسؤولين دون نتائج على الأرض".

ويرى عزيز أن الإهمال الحكومي للمشاريع الزراعية دفع التجار إلى استيراد الدقيق والسلع من دول الجوار. ولا أدري كيف تُترك مساحات زراعية صالحة وتُستورد من بلدان لا تملك نصف مواردك الزراعية مثل مصر وإثيوبيا.

تدهور إنتاج السكر

شمال المحلية يقع مصنع سكر حلفا الجديدة في مساحة واسعة يعتمد على القصب الذي يُزرع في نطاق المشروع، ويبدأ موسمه من نهاية تشرين الأول/أكتوبر حتى الأول من أيار/مايو، ودرج على ذلك منذ سنوات طويلة تتجاوز الـ 50 عامًا.

وفي العامين الأخيرين، تدهور المصنع بشكل غير مسبوق وتقلص الإنتاج من 55 ألف طن في الموسم إلى أقل من 30 ألف طن. وساهم الإهمال الحكومي والفساد في تراجع الإنتاج وانحسار عمليات التشغيل.

بسبب تدني الإنتاج في مصنع سكر حلفا الجديدة وبقية المصانع الحكومية العاملة في البلاد، ومن بينها مصنع سكر سنار الذي يقع ضمن نيران المعارك منذ نهاية العام الماضي عقب سيطرة الدعم السريع على أجزاء منه، رفعت الدولة استيراد السكر بمئات الملايين من الدولارات هذا العام.

تشليع القطاع العام

يقول الخبير الاقتصادي محمد إبراهيم إن تشليع القطاع العام لم يتوقف حتى في عهد الحكومة الانتقالية، ناهيك عن فترة النظام البائد، لأن القطاع الخاص في السودان يحاول دفن القطاع المنتج. وهي خطط دولية الغرض منها إفقار المزارعين والمنتجين أو تحويلهم إلى "إنتاج السخرة" وفرض أسعار زهيدة على المنتجات وبيعها بأسعار عالية لصالح الشركات الكبرى.

ويقول إبراهيم لـ"الترا سودان" إن مشروع حلفا الجديدة اشتهر بوجود الدورة الزراعية وفق خطط محكمة منذ سنوات طويلة، وقاوم المزارعون التغييرات التي حاولت إدخالها بعض الأنظمة السياسية، واعتادوا على زراعة الفول السوداني، والقمح، والقطن، وزراعة الخضروات في الأملاك الخاصة.

خبير: إنعاش مشروع حلفا الجديدة يوفر على الخزانة العامة ما لا يقل عن نصف مليار دولار

ويرى إبراهيم أن إنعاش مشروع حلفا الجديدة يوفر على الخزانة العامة ما لا يقل عن نصف مليار دولار ووقف استيراد الزيوت والسكر، لأن المحلية تضم معاصر الزيوت وأكبر مصنع للسكر على مستوى البلاد.

وتابع: "يساهم إنعاش المشروع أيضًا في تشغيل عشرات الآلاف من الشباب. يقترن هذا الأمر مع تشغيل سد أعالي نهر عطبرة بكفاءة عالية لإنتاج أكثر من 150 ميغاواط/ساعة، لأنه ينتج في فترات الفيضان أقل من 80 ميغاواط/ساعة، وإذا تم رفع الإنتاج يمكن أن يغطي الاستهلاك في جميع محليات ولاية كسلا، بما في ذلك مشروع حلفا الجديدة، والتحول إلى الري الكهربائي بدلًا من الوقود والديزل".

في الوقت الحالي، يعتمد المواطنون في محلية حلفا الجديدة، التي تضم أكثر من 80 قرية والسوق الرئيسي، على السلع المستوردة من إثيوبيا، ومصر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات.