لا يمكن ملء الدلو الذي يجلب به أحمد المياه من منزل يقع على مسافة ستة كيلومترات في حي الشعبية بالخرطوم بحري، لأن المسافة التي يتحرك فيها طويلة لشخص يجلب المياه يوميًا.
ومنذ منتصف نيسان/أبريل 2023 خرجت محطة مياه الخرطوم بحري عن الخدمة بسبب الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع.
خلال اتفاقات الهدنة التي وقعت خلال شهر أيار/مايو لم يتمكن الطرفان من الاتفاق على إرسال فريق فني لإصلاح المحطة الواقعة على ضفاف النيل، خاصة وأن قوات الدعم السريع هي التي تسيطر على المنطقة التي تقع فيها محطة المياه.
في هذه المدينة التي طالها القصف والمدافع الأرضية بدت المصانع المهجورة وكأنها لم تعمل منذ سنوات طويلة
قالت مريم التي تقيم في حي الدروشاب لـ"الترا سودان" إن المياه من الاحتياجات الملحة التي يبحث عنها السكان العالقون في الخرطوم بحري يوميًا، لأن "رحلة البحث" عن المياه "مهمة عسيرة".
في هذه المدينة التي طالها القصف والمدافع الأرضية بدت المصانع المهجورة وكأنها لم تعمل منذ سنوات طويلة لا مجرد أشهر معدودة. الطرق يتناثر عليها حطام السيارات أو بقايا الأثاثات المنهوبة من المنازل، خاصة المباني متعددة الطوابق حيث تعتقد العصابات أنهم أثرياء. تحمل العربات التقليدية "الكارو" الأثاثات الثمينة مثل أجهزة التكييف والتبريد ومواقد الطهي وحتى خزانات الملابس وأطقم الجلوس الوثيرة التي تركها ملاكها في المنازل بحثًا عن "الأمان فقط " في المنافي والقرى والولايات وحتى دول الجوار.
يقول عبد الرحمن إبراهيم الخبير السابق في منظمة دولية لـ"الترا سودان" إن المجتمع الدولي جعل السودان مثل "أرض منسية" ولا تنتمي إلى هذا الكوكب مقارنة بالأحداث في السودان جراء القتال بين الجيش والدعم السريع، فإن الوضع هنا "ساخن جدًا" وتكاد مدن العاصمة السودانية "تنسحق تمامًا" تحت وطأة الحرب والنهب والأعمال اللصوصية.
يحمل إبراهيم مسؤولية عدم صيانة محطة مياه الخرطوم بحري إلى ضعف تدخل اللجنة الدولية للصليب الأحمر لحماية طواقم الصيانة في ظروف النزاع المسلح، ويقول إن شح المياه أجبر آلاف السكان في الخرطوم بحري على النزوح إلى الولايات وحتى دول الجوار مثل مصر وإثيوبيا وجنوب السودان.
وقال عبدالرحمن إبراهيم إن عدم وجود طرف "مستقل ومحايد" مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر أدى إلى عدم صيانة محطة مياه الخرطوم بحري التي توقفت منذ أكثر من (80) يومًا.
وأشار إلى أن العديد من المواطنين تعرضوا لمخاطر جسيمة مثل الاحتجاز الأمني أو القتل أثناء رحلة البحث عن مياه الشرب في أحياء الخرطوم بحري، وهذا ما دفع عشرات الآلاف إلى ترك منازلهم ومغادرتها إلى خارج العاصمة.
ومع تمدد القتال في العاصمة السودانية فإن أوضاع المدنيين باتت "أكثر خطورة" حسب ما يقول نشطاء في الخرطوم بحري.
ناشطة: الأيادي الممدودة من العالم إلى السودانيين أثناء حربهم العبثية كانت شحيحة جدًا
وقالت ميادة عمر الطبيبة التي تعمل في مجال البحوث الحيوانية والتي تقيم بالخرطوم، لـ"الترا سودان "، إن الآبار الموجودة في بعض المنازل هي المصدر الوحيد لمياه الشرب في الخرطوم بحري.
وترى هذه الطبيبة أن السودانيين إذا خرجوا من هذه الحرب سيشعرون بخيبة أمل كبيرة في نظرتهم إلى العالم. وتضيف: "الأيادي الممدودة من العالم الى السودانيين كانت شحيحة في حربهم العبثية".